العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ

الاستئثار

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

حتى مجرد التحقيق في التمييز الوظيفي مرفوض. الكثير من وزارات الدولة، تم تحويلها إلى وقف لبعض الفئات السياسية الدينية. ومهما تحدثت الصحافة عن هذه الممارسات، فلم ولن تعر الجهات المعنية لما تثيره من حقائق بالا، وكأن هناك تواطؤا على التعامي عنها، وبالتالي لا نعرف معنى لتوجيهات كبار المسئولين في الدولة بضرورة العناية بما تثيره الصحافة سوى زيادة في أصباغ المكياج الإعلامي.

إحدى الوزارات أنشئت حديثا، قد مُلئت من فئة واحدة من المواطنين، مستثنية طائفة من أهل البلد من وظائفها ومناصبها الجديدة إلا النزر القليل. وحديثا رفضت الوزارة تزويد أحد نوّاب الشعب بأسماء من تم توظيفهم؛ خوفا من انكشاف التمييز في التوظيف.

وفي الوقت الذي يضج بعض موظفي الحكومة بسبب حاجة بعض الأقسام إلى مزيد الموظفين، نرى الكثير من الوظائف الشاغرة في بعض وزارات الدولة يتم حجبها، والسبب عدم توافر أفراد يشغلونها من الصنف المطلوب، على حين العشرات من الصنف الآخر من المواطنين يتلهفون لشغل هذه الوظائف ممن لا ترغب هذه الوزارة أو تلك في توظيفهم. فإخفاء عدد من الوظائف، لا لشيء سوى الخشية من أن يتقدم لها فئة من المواطنين مطلوب إقصاؤها، وحديثا قامت إحدى الوزارات الحديثة بجلب عدد من المستشارين من دولة عربية، ممن يُرغب في تجنيسهم.

ولا أخال مقدور أحد مهما علا منصبه ممارسة هذا الاستئثار الظالم إلا إذا أمن العقوبة والملاحقة. النزعات الحزبية السياسية الضيقة هي التي ألغت عدالة السماء من قاموسها، وأحالت مكانها قانون القهر والإقصاء، والتمييز والتهميش لمن هم خارج الحزب والفئة والطائفة والمذهب. وما أقبح قبول رشوة التمييز في الوظائف من قبل المتجلببين برداء الدين! هنا إصرار على نكء الجراحات بدلا من تضميدها، وإثارة لأوجاع الفئة الأشد تضررا من حقبة أمن الدولة. فإطلاق العنان لمثل هؤلاء النفر من المتحزبين لا يدل سوى على المضي قدما في تنفيذ وصايا «التقرير المثير». وما يجري في مثل هذه الوزارات عبارة عن رسائل سوء لن يسلم أحد منها إذا ما اشتد أوارها.

ألا يكفي وجود فئة من المواطنين لا يحلم صغارهم - حتى مجرد حلم - بوظائف معينة في الكثير من وزارت الدولة، بدءا من الدفاع والداخلية والحرس الوطني، حتى تمدد سرطان التهميش والتمييز، ووصل إلى الوزارات الخدمية، بل مراكز العلم والبحث العلمي؟

لقد خرجنا من أزمة التسعينيات التي استمرت ردحا من الزمن، وأتت على النفوس قبل الأبدان، وكادت تأتي على البلد وما فيه. وبعد أن استعاد الناس أنفاسهم، واستردوا أرواحهم في ضوء التبشير بالإصلاح، استيقظوا بعد سبع سنوات من الأحلام الوردية على تقرير مثير يتحدث عن مؤامرة اقصائية خطيرة، مازالت بعض الأحزاب السياسية المستفيدة - بدعم من جهات رسمية - تجهض محاولة كشفها، وتعطّل حتى مجرد استجواب الشخص المتهم في ضلوعه فيها على كل المستويات، ويمثل إجهاض التحقيق في التمييز الوظيفي قمة الهلع من الوقوع في المحذور من حيث إمكان الاقتراب من «التقرير المثير»، على غرار المثل: من «حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه».

وبدلا من رسائل التطمين، وخصوصا لمن أصاب القرح نفوسهم وأعاق شيئا من أبدانهم، وممن أصيبوا بأهاليهم وأقربائهم، وفقدوا أحبتهم في غيابات السجون، وضيق الزنزانات. بدلا من رسائل التطمين، يتم تكريس القهر بأساليبَ أخرى، يقوم بتنفيذها فئات الجلباب الديني، وكأنما سُلّطت لهذا الغرض، ومن ثم تحويل معارضة الحكومة إلى صراع بين الفئات السياسية المتحزبة في المجتمع.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً