العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ

التحديات البيئية في دول مجلس التعاون - المياه (11)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

استعرض المقال السابق الظروف والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطبيعية التي تتسم بها دول مجلس التعاون، التي تمثل القوى الدافعة للتأثيرات والتغيرات البيئية في هذه الدول، وتم تحديد القضايا الرئيسة التي تواجهها دول المجلس حاليا في ندرة المياه العذبة وتدهور نوعيتها المستمرة، وتدهور الأراضي وتصحرها، وتدهور البيئات الساحلية والبحرية، وتحديات إدارة البيئة الحضرية، وتأثيرات النزاعات والحروب على الإنسان والبيئة في هذه الدول. وبحسب المؤشرات الحالية فإن هذه المشكلات والتحديات مترشحة لأن تتفاقم وتؤثر على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول على المدى المتوسط والبعيد، وتتطلب التدخل الفوري والفعال من قبل هذه الدول لمواجهتها.

تعتبر مشكلة ندرة المياه العذبة من أكبر التحديات التي تواجهها دول المجلس، إذ تقع هذه الدول في منطقة ذات ظروف مناخية تعتبر من أقسى الظروف المناخية في العالم، وتؤدي إلى محدودية الموارد المائية فيها وانعدام المياه السطحية فيها. وبأخذ المعادلة السكانية في الاعتبار فإن دول المجلس تعتبر من أكثر المناطق التي تعاني من الفقر والإجهاد المائي في العالم، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية العذبة المتجددة فيها نحو 150 مترا مكعبا، ما يجعل هذه البلدان أقل بلدان العالم تمتعا بهذه الموارد، ولا تقع هذه الدول تحت خط الفقر المائي فحسب (أقل من 1000 متر مكعب للفرد في العام)، بل كذلك تحت خط الفقر المائي المدقع أو الحاد (أقل من 500 متر مكعب للفرد في العام). وبحسب توقعات النمو السكاني في هذه الدول يمكن أن يهبط متوسط نصيب الفرد من المياه في بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى ما يقرب من 50 مترا مكعبا بحلول العام 2050.

وتعتمد دول المجلس في تلبية متطلباتها المائية على المياه الجوفية، المتجددة منها وغير المتجددة، ومحطات التحلية وبدرجات أقل على مياه الصرف الصحي المعالجة، إلا أن نسبة المصدر الأخير آخذة في الزيادة. ولقد أدى الاعتماد الكبير على خزانات المياه الجوفية لتلبية المتطلبات المائية المتزايدة لدول المجلس إلى زيادة السحب منها لدرجات تفوق طاقاتها الطبيعية، وهي تمر بحالة من التدهور الخطير الذي يهدد استدامتها، وتمثل ذلك في هبوط مستوياتها المائية وتدني نوعيتها بسبب تملحها بواسطة غزو مياه البحر والمياه العميقة المالحة لها.

وبسبب معدل النمو السكاني العالي والتنمية الحضرية المتسارعة في دول المجلس فلقد زادت المتطلبات المائية البلدية بشكل كبير. وضخم من المتطلبات المائية لهذا القطاع أنماط الاستهلاك السائدة فيه، حيث يتراوح معدل استهلاك الفرد في هذه الدول من 300 إلى 750 لترا في اليوم، ويعتبر سكان دول المجلس من أعلى المستخدمين للمياه على مستوى العالم. ويرجع ذلك إلى غياب إجراءات إدارة الطلب في هذه الدول، إذ ركزت الحكومات إلى وقت قريب على جانب زيادة الإمدادات المائية من خلال بناء محطات التحلية وزيادة السحب من المياه الجوفية، بالإضافة إلى انخفاض الوعي العام بقيمة المياه في هذه الدول. وحاليا تمتلك دول المجلس مجتمعة أعلى طاقة تحلية في العالم، إذ تتجاوز الطاقة الإنتاجية لمحطات التحلية في هذه الدول أكثر من 50 في المئة من طاقة التحلية العالمية. ولكن مازالت دول المجلس لا تمتلك هذه التقنية ومازالت تكاليفها عالية وتأثيراتها كبيرة على البيئة. وعلى رغم أن الطلب في القطاع البلدي في دول المجلس يعتبر عاليا، فإن القطاع الزراعي يظل القطاع الأكثر استحواذا على المياه في هذه الدول، إذ يستهلك أكثر من 80 في المئة من المياه المستهلكة الكلية. وخلال العقود الماضية تم تطبيق سياسات اقتصادية تشجع الاكتفاء الذاتي للغذاء وللمساهمة في التنمية الاجتماعية الاقتصادية للسكان أدت إلى توسع زراعي كبير ارتفعت معه المتطلبات المائية بمعدلات هائلة. وفاقم من المتطلبات المائية لهذا القطاع انخفاض كفاءة استخدام المياه فيه وزيادة معدلات الهدر التي تصل إلى أكثر من 50 في المئة من المياه المستخدمة في الري. وأدى ذلك إلى ضغوط كبيرة على المياه الجوفية المحدودة في المنطقة واستنزافها.

وعلى رغم أن الكثير من الدول قد تخلت أخيرا عن هذه السياسات أو قامت بتعديلها، فإن من المتوقع أن تستمر متطلبات القطاع الزراعي في الزيادة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة التنافس على المياه الجوفية بين القطاع الزراعي وبين قطاعي البلديات والصناعة، وخصوصا أن الزراعة تساهم في المتوسط بأقل من 2 في المئة في الناتج الإجمالي المحلي لهذه الدول، وقد يخلق ذلك مشكلة في عملية توزيع حصص المياه بين القطاعات في المستقبل.

وقد تكون أكبر مشكلة تواجهها دول المجلس هي النضوب السريع للمياه الجوفية غير المتجددة، وفي معظم دول المجلس يستمر استغلال هذه المياه وتعدينها من دون وجود استراتيجية مستقبلية لمواجهة السؤال الذي ينتظر هذه الدول بعد نضوب المصدر في كيفية توفير المياه للقطاعات الحالية المعتمدة عليها.

وقد أثبت أسلوب إدارة المياه عن طريق توفير الإمدادات اللازمة منها فشله في تحقيق قدر معقول من استدامة موارد المياه أو توفير الأمن المائي لدول مجلس التعاون. وعلى رغم الجهود المضنية والمستمرة التي تبذلها هذه الدول في مجال زيادة الإمدادات المائية وتعظيم المتاح منها، فإنها لازالت تواجه نقصا خطيرا في المياه نتيجة للزيادة المطردة في الطلب على المياه والتي تفوق موارد المياه المتاحة لديها وقدرة هذه الدول في زيادتها. وفي حقيقة الأمر، أدى اتباع أسلوب زيادة إمدادات المياه، وغالبا من دون قدر كاف من الاهتمام بتحسين وزيادة فعالية توزيع حصص المياه وكفاءة استخدامها، إلى بروز الكثير من الاستخدامات والأوضاع غير المستدامة للمياه في دول المجلس، كتدني الكفاءة، وتزايد الطلب ومعدل استهلاك الفرد، وارتفاع كلفة إنتاج وتوزيع المياه، وتدني نوعية المياه وإنتاجية الأراضي.

من الواضح أن دول مجلس التعاون تواجه مسئولية ضخمة تتمثل في ضرورة إدارة مواردها المائية بأقصى درجة ممكنة من الكفاءة. وأخيرا قامت معظم دول المجلس بإجراء إصلاحات مؤسسية وبتحسين التدابير التشريعية، وقام بعضها بإصلاحات في السياسات المائية، والتوجه نحو جانب إدارة الطلب والمحافظة، ورفع الكفاءة الاقتصادية لاستخدام المياه، وزيادة مشاركة المستخدمين، والخصخصة، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تحسين الوضع المائي في هذه الدول. إلا أن هذه الدول ستظل تعاني من مشكلة ندرة المياه وتدني نوعيتها إذا لم يتم تحسين السياسات السكانية والزراعية، وهما أمران لازمان للإدارة المستدامة للمياه في هذه الدول.

يستكمل المقال القادم استعراض المشكلات البيئية الأخرى التي تواجه دول المجلس.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً