العدد 1957 - الإثنين 14 يناير 2008م الموافق 05 محرم 1429هـ

وزارنا بوش... ليته لم يفعل!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

القادة العرب الذين تكرّم «بوش» بزيارة بلادهم كادوا يطيرون فرحا بهذه الزيارة الميمونة - هكذا يقولون ظاهرا والله أعلن بالسرائر! - فزيارته تاريخية عند البعض، والآمال معلّقة على «فخامته» عند البعض الآخر! ولستُ أدري عن أيّ تاريخ يتحدّثون، ولا عن أي آمال ستحقق زيارته الميمونة؟ هل هي آمالهم أو آمال شعوبهم أو أنه مجرد كلام لا يعني لهم شيئا؟!

على أية حال الرئيس «بوش» إدّعى أنه شرّفنا بهذه الزيارة؛ ليحل القضية الفلسطينية ويفتح عيوننا على الخطورة الهائلة التي تمثلها إيران على دول الخليج خصوصا والدول العربية عموما. على أية حال - وبحسب قول فخامته - فهو قد شرّفنا؛ ليحل أهم مشكلاتنا التي استعصت على الحل فترة طويلة فهل فعل شيئا مما وعد به؟ وهل يستحق كلّ هذا التكريم المبالغ فيه؟

في زيارته التاريخية قرر بوش - لافض فوه - أنّ اللاجئين الفلسطينيين لابدّ من تعويضهم ضمن اتفاق شامل للسلام! أي انه أكّد أنه لا عودة للاجئين على الإطلاق وربما يطلب من بعض الأصدقاء دفع التعويضات لهم؛ ليريح أصحابه الصهاينة وبهذا يكون قد أنهى مشكلة اللاجئين من دون أية خسارة للصهاينة! هل رأيتم أفضل فعل من هذا الفعل؟

وتحدّث - أيضا - عن الدولة اليهودية وكررهذه الصفة للدولة التي تحدّث عنها، وهذا يعني - بداهة - أنه كان يتحدّث بلسان اليهود عن دولة يهودية خالصة لليهود، بمعنى آخر أنّ المطلوب مستقبلا إخراج العرب جميعا من «فلسطين المحتلة» وإبقاء فلسطين خالصة لليهود! هل رأيتم أفضل من هذه الزيارة التاريخية! إنه لا يتحدّث عن عودة اللاجئين بل يتحدّث عن إخراج مَنْ بقي من الفلسطينيين من بلادهم.

الرئيس «بوش» لم يتحدّث مطلقا عن القدس فلم يكن يحب أن يزعج الصهاينة - حتى بالكلام - فهو يعرف حساسية هذا الموضوع عندهم ومع معرفته - أيضا - بحساسيته عند المسلمين جميعا إلا إنه لم يكترث بهم فليس لهم قيمة عند سيادته!

حتى حدود الدولة الفلسطينية التي ليس لها وجود حتى في ذهنه فلم يتحدّث عن حدودها، ولم يقل بدقة إنّها تقع ضمن حدود الأراضي الفلسطينية التي احتلت العام 1967م... ومع هذا كلّه فلازالت زيارته تاريخية!

الرئيس الأميركي - لافض فوه! - وصف كلّ الذين يقاومون الصهاينة بأنهم «حفنة مجرمين»؛ أي أنّ معظم الشعب الفلسطيني مجرمون! وقال أيضا: إنّ حركة حماس جلبت الشقاء للشعب الفلسطيني!

المؤلم أنّ الرئيس الفلسطيني كان يستمع لهذا الكلام وكان صامتا لا يستطيع أنْ يقول كلمة واحدة يُدافع فيها عن شعبه المجرم الذي لا يأتي إلاّ بالشقاء! والأشد ألما أنّ أبا مازن كان يتحدّث عن حماس بصورة سيئة في هذه المناسبة السيئة! ألم يكن الأجدر به أنْ يصمت في هذه المناسبة ويدع الحديث لمناسبة أخرى لا يحضرها بوش الذي يعرف الجميع بمن فيهم «أبومازن» أنه أكثررؤساء أميركا عداء للفلسطينيين جميعا؟

ولكم أنْ تعجبوا من أبي مازن الذي يقول - بحسب الوطن السعودية - «المباحثات تناولت كلّ الموضوعات التي تخطر ببالكم والتي لم تخطر ببالكم ونحن متفقون حول كل ما تناولناه». أي - وبحسب كلامه - فهو متفق مع بوش في كلّ ما تحدّث عنه بوش من مصاعب جمّة سيفعلها مع الصهاينة لإيذاء الشعب الفلسطيني!

كنت أتمنى من الرئيس الفلسطيني ألا يندفع كلّ هذا الاندفاع في الطريق الخاطئ الذي رفضه معظم الشعب الفلسطيني ومنهم حركة حماس والجهاد والجبهتان الديمقراطية والشعبية، فضلا عن المظاهرات ضد بوش والتي قمعها الرئيس بصورة ديمقراطية!

في زيارته التاريخية أعطى «بوش» ضوءا أخضر للصهاينة باجتياح غزّة وقتل أهلها/ فبحسب «الشرق الأوسط» 11 يناير/ كانون الثاني 2008 قال سيادته: (من حق «إسرائيل» أنْ تدافع عن نفسها وعن مواطنيها فهذه هي الرؤية الديمقراطية... على كلّ دولة ديمقراطية أنْ تدافع عن نفسها وعن مواطنيها) إذا دولة الصهاينة ديمقراطية ولها الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن دولة فلسطين ليست ديمقراطية وبالتالي فليس من حق الشعب الفلسطيني أنْ يدافع عن نفسه! وبطبيعة الحال فالعراق وأفغانستان ليستا ديمقراطيتين وليس لهما الحق في الدفاع عن نفسيهما! أمّا أميركا - الدولة الديمقراطية - في عهد بوش فهي تصرّعلى اعتقال الآخرين و زجّهم في معتقل «غوانتناموا» من دون تحقيق طيلة سنوات طويلة رافضا - أي بوش - كلّ الدعوات العالمية والأميركية للإفراج عن هؤلاء المظلومين... أرأيتم أية ديمقراطية ولكن هل لنا الحق في لوم «بوش» بينما رؤساء دولنا هم مَنْ يعطيه كلّ هذا الحق في احتقارنا؟!

مثلا... أبومازن لم يتحدّث عن معاناة أهل غزّة وعن حقّهم في الحياة الكريمة، ولم يتحدّث عن المجازرالتي يرتكبها الصهاينة يوما هناك... فهل نلوم بوش حينما يعطي الصهاينة الحق في قتل الفلسطينيين؟

ومثل آخر... حينما يطلب بوش من القادة العرب الذهاب إلى أنابولس؛ ليجلسوا مع الصهاينة في مؤتمريعرفون أنه لن يحقق للعرب شيئا وأنّ كل فوائده ستتجه إلى الصهاينة ومع هذا لا يمتنع أحد عن الاستجابة، ويعود العرب إلى بلادهم ويشاهدون ما فعله الصهاينة ضد الفلسطينيين ومع هذا يلتزمون الصمت وكأن المسألة لا تعنيهم... هل نلوم بوش أن يقول ما قال وهو يرى هذا كلّه؟

كنت أتمنى أنْ يكون قادة العرب الذين سيزورهم بوش أكثر جدية في بحث قضايا بلادهم، وأنْ يطالبوه صراحة وبقوة أن يلبي مطالبهم وألا يكون ظالما لشعوبهم عاملا لحساب الصهاينة، وهم يملكون كلّ المقومات التي تجعلهم أقوياء ضد الغطرسة والبوشية فهل يفعلون شيئا أو يستمرون كما كانوا؟

قضية فلسطين وقضية أفغانستان وقضية العراق ومعتقلو غوانتناموا والمعاملة السيئة التي يلقاها الخليجيون في أميركا وسواها من القضايا الأخرى كلّها بحاجة ملحة لطرحها مع الرئيس الأميركي والوصول إلى نتائج حقيقية معه بخصوصها وإنْ لم يتمكنوا من تحقيق شيء مفيد معه فليعرفوا أنّ زيارته لبلادنا لاقيمة لها وإنها ليست تاريخية بل وليست بشيء على الإطلاق وهذا ما تعرفه كلّ الشعوب العربية ومنذ زمن طويل.

السيد بوش يبشّرنا بأنه سيعود إلينا ثانية فهل سنقول له مرحبا أو نقول له: إبق حيث أنْتَ فلا حاجة لنا بك؟ لست أدري!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1957 - الإثنين 14 يناير 2008م الموافق 05 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً