العدد 1958 - الثلثاء 15 يناير 2008م الموافق 06 محرم 1429هـ

ما لا يحتاج إليه التمييز في التوظيف

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

غاية المناصب والوظائف الرسمية الدنيوية القيام بخدمة المواطنين على أكمل وجه. غير أن هذا المفهوم لا مقام له في الكثير من الوزارات والمؤسسات، وخصوصا تلك التي يمسك بخناقها المتحزبون والمتجلببون بجلباب الدين، ممن يرفضون حتى مجرد التحقيق في التمييز، والذين حتما لم يرفضوا التحقيق من منطلق مبادئ الإسلام العادلة التي قام عليها الكثير من مواد الدستور، مع أن بعضهم يرفعونها شعارا برّاقا.

وإلاّ فأي دليل من دين أو عقل دعاهم ليملأوا بعض وزارات الدولة ومؤسساتها، ويخصخصوا مناصبها للموالين لهم ولأفكارهم، وفرض القهر على الآخرين؟ وأي تهديد أخطر على الوطن ومؤسساته أكثر من صباغة الممارسات الظالمة بصبغة ايديولوجية دينية، وتغطيتها بغطاء من الشرعية المذهبية الضيقة من قِبل بعض تلك الأحزاب التي تعلن انتماءها ودفاعها عن الأطروحة الإسلامية، غير أن لا مكان إلا للمنتمين إلى الحزب بالدرجة الأولى، ومن ثم المذهب والطائفة، وما خلا ذلك استثناء؟

المناصب الرسمية الدنيوية في الدولة ذات الحكم الصالح لا تحتاج إلى شروط الطائفة والدين أو المذهب والعرق، فضلا عن الانتماء الحزبي. فكل ما تحتاج إليه شرطان رئيسيان لا غير، يعتبران قاعدة عامة ثابتة، قد بينهما الإمام علي (ع) لأحد ولاته في رسالة له يقول فيها: “لا تقبلنّ في استعمال عمّالك وأمرائك شفاعة إلا شفاعة الكفاية والأمانة”. وما مصيبة العالم النامي وشدّة التخلف الذي تعيشه دوله إلاّ نتاجا لسيادة الإدارة المتخلفة والتخلي عن قانون الكفاءة. فالوظائف الرئيسية تملأ في الإدارة بالمحاسيب والأصدقاء، والمعارف، وتلقى الكفاءات والقدرات في سلة المهملات. فعدم الكفاءة تصبح القاعدة. وتنتقل هذه الظاهرة أو العدوى إلى الهرم الإداري حتى قاعدته في مستويات التنفيذ الصغيرة. ولهذا لا نستغرب حين يصبح الفشل مؤكدا. (محمد، سيد محمد: الإعلام والتنمية، ص 261 - بتصرف).

وعندما أضاف الإمام علي (ع) في عبارته السابقة إلى قاعدة الكفاية صفة الأمانة، فهذا يعود لكون الموظف غير الكفء - وهو غير أمين - أشد خطرا من غيره، لعلمه بدهاليز اللعبة وسبل التلاعب بالمقدّرات الموجودة تحت يديه. ولكن هل من الأمانة على مصالح الناس توظيف غير الكفء لمجرد انتمائه إلى الحزب أو الطائفة أو المذهب؟ هل من الأمانة على قيم الدين حماية الأسس الفاسدة المتعارضة مع الدين والتي يتم عليها التمييز في التوظيف وحماية ظهر الذين يمارسونها؟ هل هذا السلوك الذي تمارسه تلك الجماعات الدينية وتحول دون الكشف عن المتورطين فيه أمانة لمبادئ الدستور الذي تم القسم على احترامه والالتزام بما جاء فيه؟ وقد جاء في الدستور إن “العدل أساس الحكم” (المادة 4)، فهل التمييز عدل؟ وأكد الدستور العدالة الاجتماعية في الكثير من مواده. وفسّر العدالة المقصودة في بعض الموارد بأنها العدالة الإسلامية (المادة 9). فهل هذه الممارسات التي تصل إلى حد منع مجرد التحقيق في التمييز والكاشفة عن عقليات إقصائية هي العدالة الإسلامية التي يبشّر بها بعض هؤلاء المتجلببين بجلباب الدين؟

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1958 - الثلثاء 15 يناير 2008م الموافق 06 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً