العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ

الفقر يزيد

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

قلتها سابقَا وسأضطر لتكرارها مجددا لأن الموقف يتطلب منا ذلك. قلنا إننا كلما وضعنا رأسنا على الوسادة وسمحنا لأنفسنا أن نحلم حالنا كحال بقية البشر، وجدنا أنفسنا نستيقظ من نومنا المزعج على واقع لا يقل إزعاجا منه، فكلّما حلمنا حلما ورديّا جميلا نراه يتحقق ذلك الحلم في بقعة أخرى غير بقعتنا، فمللنا ويئسنا ليس فقط من أنفسنا ولا من واقعنا المر بل حتى من أحلامنا لأنها باتت مصدر شقائنا ومصدر إحباطنا.

فبعد أن ذُل المواطن إذلالا لا يوصف من قضية الـ 40 مليون، وبعد أن ملّ الناس من سماع هرج ومرج وضجيج، وبعد أن شعر الناس بالغثيان والصداع، بدا الموضوع من الموضوعات المعلّقة المنسية، وكأن الأمر قد تحقق من ضجة هنا أو عويل هناك.

لا نرى ذلك يحصل في الدول من حولنا التي تحترم المواطن وتقدره وتسهر على راحته، ولا تشعر أبدا بالرضا والراحة النفسية عندما يئن المواطن من ألم التضخم، أو من وجع الفقر، أو من ذلّ الحاجة والسؤال، نجد الحكومات تهرول مسرعة من أجل العمل على تصحيح الأوضاع المعيشية وتحسينها، حتى لا يشعر المواطن بالسخط أو مشاعر سلبية تصدر منه تجاه أخيه الموسر، أو يحقد على جاره الذي يبات قرير العين ممتلئ البطن.

اللهم لا حسد، ولكن ليس بغريب أن نجد إخواننا في الكويت ترتفع رواتبهم بـ 120 دينارا شهريّا لكل الموظفين في القطاع العام والخاص بلا استثناء، ولأجل غير مسمّى بسبب استمرار موجة الغلاء لمواجهة التضخم والغلاء التي اجتاحت الأسواق الكويتية، و50 دينارا زيادة لغير الكويتيين الوافدين (50 دينارا كويتيا يعني 65 دينارا) بحرينيا تقريبا، في المقابل نجد أن هناك احتجاجات واسعة من قبل النواب، لرفض الزيادة التي لا تتناسب بحسب وجهات نظرهم مع حالة الغلاء، ومنددين بالحكومة بأنها أكثر سخاء مع الدول الأخرى، على حساب المواطن، ونحن مازلنا نحمل في أيدينا حسابات، وعلى طاولاتنا أقلام وأوراق ودفاتر نحسب فيها كم يستحق المواطن البحريني منا لمواجهة الغلاء ولكم شهر يستحق منا علاوة تضخّم؟ حتى صار القرار بصرف مبلغ زهيد لا يستحق منا كل هذا العناء ولفترة محدودة وكأنما الفقر والغلاء فقط سيستمر لمدة عام.

50 دينارا صرنا نستخسرها على المواطن البحريني وأخذنا نصرف جزءا كبيرا من وقتنا الثمين لأهداف تقنين المبالغ التي ستوزّع على المواطنين من الموازنة ذاتها الـ 40 مليون دينار، حتى انقلب السحر على الساحر فعندما عرفنا الخبر من الصحافة اعتقدنا وللأسف الشديد بأن ذلك سيكون حلا للكثير من المشكلات الاقتصادية التي يئن منها المواطن ويحاول بطرقه الكثيرة أن يبينها للحكومة، ولكن ما ان انقشع الضباب واتضحت الرؤية وجدنا أن ذلك أصلا مشكلة كبيرة وصعبة الحل، الهدف منها إسكات المواطن من المزيد من المطالبات، وتصحيح أيضا صورة الحكومة.

وبالتالي بدأنا نضع العراقيل ونضع المعايير ونضع القيود، فمرّة حرمنا العزاب منها بحجة أنهم غير مرتبطين ولا أسر لديهم على رغم أن ذلك يحمل مغالطات لا أول لها ولا آخر، ومن منا لا يحمل في عنقه مسئولية أسرته سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بل إن الأمر قد يتعقد بصورة أكبر عندما نجد أنفسنا مضطرين نتيجة لأوضاع اقتصادية معقّدة أن تكون في أعناقنا مسئولية أكثر من أسرة.

ومرّة نحصرها أكثر إذ ربطت الـ 50 دينارا لرب الأسرة، فبدلا من أن تتسلّم الزوجة التي تعمل وتساند زوجها اقتصاديّا المبلغ ذاته نجده يحدد برب الأسرة، فقط من أجل حصر المبالغ المصروفة والتقشّف في الصرف، وكأن مبلغ الـ 50 دينارا مصباح علاء الدين الذي من خلاله سيحقق المعجزات.

الموضوع لا يستحق منا أن نقف عليه هكذا وكفانا ذلا وإذلالا للمواطن البسيط، فالمبلغ يا جماعة الخير لا يستحق منا أن نذل به كرامة أي مواطن، وحرام علينا أن نحاصر المواطن بهذه الطريقة لدرجة أنه قد يشعر بالندم والأسى لأنه عبر عن حاجته وعن لسعة الغلاء، لا نزايد إذا قلنا إن الفقر يزداد يوما بعد يوما ولكن لا حياة لمن ينادي، فصورة البؤس كل يوم تزداد قتامة، وحال اليأس تتسع.

عمان التي تعد أقل منا في مواردها، ونفخر بكوننا متقدمين عليها في الكثير من المجالات، نجدها ترفع من رواتب موظفيها في القطاع العام والخاص 43 في المئة من رواتبهم وهذه نسبة غير قليلة ومع ذلك لم نجد من يزمر ويطبل لأن ذلك يعدّ حقّا من حقوق المواطن.

أتذكر حجم التطبيل المصدع للرأس عندما أحست الحكومة بأن هناك ضغطا شعبيّا يتمثل في ضرورة تحسين الرواتب وهناك طفرات نفطيّة وأن الزيادات لم تحصل منذ زمن بعيد، وهناك أسباب منطقية واضحة لا يمكن نكرانها أو التنصّل منها، وجدنا أن هناك وعودا بزيادة تصل إلى 15 في المئة وعند التطبيق وجدنا أن هناك شرائح لم تحصل على زيادة إلا بمقدار 10 في المئة فقط، بل إن بعض الشرائح كادت أن تحرم أصلا من الزيادة لولا ستر الله ورحمته.

الفقر يزيد لأن هناك من يعتقد بأن الأموال التي تصرف على المواطن لأهداف مواجهة الغلاء الذي لا دخل للمواطن أصلا فيه وهو ضحية، يعتقد بأن ذلك يصرف من ماله الخاص.

فشتان بين أحلام الليل على الوسادة وبين الواقع المزعج المحبط، من المعيب جدا أن نكون أحد الدول الخليجية المعروف عنا بأننا نعيش حالة من الرفاهية الاقتصادية، ونعيش في نعيم وهناك الكثير من الأسر تعيش حالة من الفقر المدقع

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً