العدد 2014 - الثلثاء 11 مارس 2008م الموافق 03 ربيع الاول 1429هـ

«بالمقلوب» شعار الربعي في الكتابة

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

اليوم يكون قد مر أسبوع على رحيل أحمد الربعي الذي وافاه الأجل ورحل بهدوء لم نعهده به من قبلُ. نسينا أن نبلغه أن قلوب أهل الكويت شعرت بالغصة لحظة سماع النبأ، ولو كان لدينا جهاز لقياس نبض القلوب لقلنا إن كل القلوب محبة لــ «أبو قتيبة».

أشياء كثيرة سنفتقدها بغيابه، ذلك الدينامو وأحد كتّاب صحيفة «القبس» الكبار والذي كان يعكس صورة الكويت بالداخل والخارج... لا يهدأ ولا يتوقف عقله وقلبه عن العطاء والعمل والمشاركة.

ابن الكويت، ذلك الساحر والمعلم والكاتب والوزير والنائب يستحق أن نبكي عليه؛ لأن الخسارة جسيمة وفادحة ونصلي له وإن عاد الينا بعد غياب قسري بعد رحلة علاج امضاها في مدينة بوسطن الاميركية في شهر اكتوبر/ تشرين الاول 2007 ليستريح في ديرته وبيت اهله ومحبيه.

الربعي نتاج الكويت بطبعتها الحديثة، منذ الطفولة إلى مرحلة الشباب والنضال، الى الجامعة، ثم الانخراط بالعمل الثقافي والسياسي والنيابي والوزاري، وفوق هذا وذاك، كاتب وصحافي متمرس وصاحب عمود بصحيفة القبس «بالمقلوب» و «أربعائيات»، وقبلها في عدد من الصحف الزميلة.

كان اشبه بباروميتر الكويت، يقيسون عليه حالة الكويت لأن صوته لا يتوقف وحديثه لا ينقطع بوسائل الاعلام بالداخل والخارج.

دخل العمل السياسي ليضفي عليه نكهة «ربعية» يكاد يتفرد بها. فهو اول مرشح للانتخابات النيابية بعد التحرير في العام 1992 يشرك المرأة في حملاته الانتخابية عندما نصب خيمته في مشرف وصارت مقصدا للزوار والضيوف الذين يرغبون في مشاهدة العرس الديمقراطي في الكويت.

كتب الشعر ولم ينشره وإن كان يعتبر نفسه تلميذا عند المتنبي، وأشعاره يخفيها حتى عن المقربين منه، وإن كان يتذوق الشعر ويستمتع به ويحفظه، ومع هذا قيل إنه كتب صفحات من «رواية» لم تر النور تتكلم عن تجربته الشخصية.

«بالمقلوب» أصبحت ماركة الربعي منذ دخل الوزارة للمرة الأولى وزيرا للتربية ورفع شعار الهرم المقلوب والناس تعيّره به، فهو بارع باطلاق المسميات والكلمات الرنانة.

تنقل بين اربع صحف. بدأ بـ «السياسة» محررا فانتقل الى «الوطن» كاتبا فجاء إلى «القبس» ثم أخيرا في «الشرق الأوسط».

يعشق الحوار كعشقه الاختلاف بالرأي. فهو رجل غير تقليدي ومثير وخلاق وموهوب وإن كان لقب «الساحر» يغلب عليه، لما امتلك من امكانات واسلوب مشوق يغنيك بقدر ما يثريك لما فيه من مخزون معرفي وإنساني.

عرف الفكر القومي والناصري وعمره ست سنوات، واعتبر احمد الخطيب قدوة له، وشغفه بالصحافة اخذه من مدرسة المرقاب من خلال مطالعته الصحف.

فارس «الأربعائيات»... ترجّل الأربعاء

تصادف يوم رحيله ان يكون الاربعاء 6 مارس/ آذار 2008 وهو اليوم الذي كان ينشر فيه مقاله الاسبوعي «أربعائيات» وهو عبارة عن وجدانيات انسانية.

آخر مقال

يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 كتب آخر مقال له في «القبس» وهو عبارة عن رسالة وجهها الى رئيس الوزراء الكويتي، متمنيا عليه ان يجمع بين منصبي رئيس الوزراء ومنصب وزير المالية.

أول مقال بعد العودة

جاء أول مقال بعنوان «مال عمك... لا يهمك» ونشر في «القبس» بعد عودته من العلاج ببوسطن يوم 5 أكتوبر 2007. تناول فيه زيادة اسعار النفط وتسييل فوائض مالية كبيرة تفي بمتطلبات التنمية حتى جاء التسابق الحكومي البرلماني لتبديد هذه الاموال.

الديين والربعي

صديقه ورفيق الدرب أحمد الديين كتب في صحيفة «الرأي العام» في العام 2006 مقالا بعنوان «الربعي وشريط الذكريات» استرجع فيه شريطا ممتدا منذ العام 1967 حتى العام 2006، اي عندما التقاه في ديوانية بالخالدية وكانا في عز الشباب.

شهادة سلمان

كتب عنه صاحب صحيفة «السفير» اللبنانية طلال سلمان في 18 يوليو/ تموز 2003 زاوية بعد فشله في الانتخابات بعنوان «أحمد الربعي يخسر السياسة ويستبقي قلمه».

أجمل ما في الجامعة

أجرت الزميلة ريم الميع مقابلة مطولة مع الربعي ونشرتها في مجلة «آفاق» في العام 1997. تحدث فيها عن العلاقة التي ارتبط بها بالجامعة منذ أن كان طالبا الى ان اصبح استاذا ثم وزيرا للتربية ووزيرا للتعليم العالي، وقال: «علاقتي كأستاذ مع طلبتي هي اجمل ما في الجامعة، فدوما كانت هناك علاقة محبة في الفصل، وحين تركت الجامعة عام 1985 لأصبح عضوا في البرلمان ثم في عام 1992 لأصبح وزيرا لمدة أربع سنوات، ظلت دائما تتابعني رائحة الطباشير».

العملية الجراحية

أجريت العملية الجراحية في مدينة بوسطن في أبريل/ نيسان 2006، إذ تمت ازالة الورم من الرأس وخضع بعدها للعلاج الكيماوي.

شهادة محمد الصالح

«قررت ربط الربعي بحبل على الكرسي. أعرف الدكتور أحمد الربعي معرفة شخصية منذ العام 1968، وقتها كنت محاميا وكان تلميذا مناضلا، جمعني به الرأي الواحد، واتفاقه معي او اتفاقي معه في الهدف، مع بعض الاختلافات الفكرية التي لا تفسد للود قضية، وكانت اصولنا الطبقية مختلفة، فقد كنت ابنا لعائلة موسرة... وكان هو ابنا لاسرة على «قد الحال»، ومع ذلك كنت معارضا لطبقتي ولا ازال... واتصور ان هذا يعود الى اصولي الاولى، حيث نشأت ابنا لـ «عامل» يجلب الماء ليبيعه على البيوت ثم مقاول «انفار» يورد العمال لشركة نفط الكويت، ثم مقاولا صغيرا للبناء، الى ان كبر العمل وصرت انتمي طبقيا لاسرة ثرية... ومع ذلك جمعت بيني وبين الربعي اصول فكرية واحدة هي انتماؤنا الى حركة القوميين العرب التي كان شعارها وحدة وتحررا وثأرا في فترة الخمسينات إبان المد العروبي الناصري.

وشق كل منا طريقه حيث اختار الربعي تكوين نفسه من خلال النضال السياسي وتعرض للاعتقال في اكثر من قطر خليجي، بينما بقيت السياسة لدي تشكل جزءا من عملي في المحاماة والصحافة، وتوثقت علاقتنا عندما صدرت (الوطن) حيث كان الدكتور الربعي مستشارا سياسيا لـ(الوطن)... وطبيعة الدكتور الربعي، لمن لا يعرفه، انه قد يبقى 48 ساعة من دون نوم ويظل في منتهى النشاط... وأحيانا اخرج من (الوطن) الساعة الحادية عشرة مساء بعد الاتفاق مع اسرة التحرير على اختيار المانشيت للصفحة الاولى، فإذا صدرت (الوطن) اجد عناوين الصفحة الاولى تختلف مع ما اتفقت عليه دون ان اعلم من الذي امر بالتغيير، وكأن هناك قوة خفية لا اعلمها، حتى اذا ما جاء عمال المطبعة ومديرها اسألهم عن تغيير المانشيتات، اجابوا ان الدكتور الربعي جاء الى المطبعة الساعة الرابعة فجرا بعد ان استمع الى الاخبار وقرر تغيير المانشيتات لتتلاءم مع ما استجد من احداث، ولم يكن احد يعرف ذلك الا انا والعاملون في المطبعة... وكنت طوال عملنا معا في (الوطن) (اعاير) الربعي بشراء حبل لأربطه على الكرسي فهو لا يستقر في مكان واحد وأحيانا أتفق معه على ان يكون معي عند زيارة سفير لنا، وفي الموعد المحدد لا أراه وأسأل عنه فأجده عند أبويمن - صاحب مقهى المطبعة... ولهذا فقد تعجبت عندما علمت العام 1992 انه قبل كرسي وزارة التربية، فقد كنت اعرف عنه صعوبة جلوسه على الكرسي... وفعلا كنت اراقبه في مجلس الامة... حيث انه الوزير الوحيد الذي لا يستقر في مكانه، وكثيرا ما يذهب الى منصة رئيس مجلس الامة للتشاور معه... فأحمد الربعي لا يحب الاستقرار في مكان واحد، إذ هو سريع الحركة، ولهذا ليس مستغربا ان يزور احدى المدارس في الجهراء بعد حلفه اليمين ليفاجأ الناظر انه الوزير بعد ان اعترض الحارس على دخوله... بل حتى شعاره اختار ان يكون شيئا غير ثابت وهو الهرم المقلوب، وللانصاف إن أحمد الربعي لم يتعهد بإعادة الهرم الى وضعه الطبيعي، بل تعهد بإصلاح انقلاب الهرم، وفعلا نجح في ادارته شئون وزارة التربية وعمل كثيرا من الاصلاحات في مجال المناهج واختيار القيادات في وزارة التربية وإعطاء المدارس ميزانية خاصة... ومع كل ذلك فإن كل ما عمله لا يشفع له في رأيي المتواضع قبوله المنصب الوزاري، فواحد مثل احمد الربعي مكانه الطبيعي في صفوف المعارضة البرلمانية جالسا على كراسي النواب وليس في الصف الامامي... كما ان اكثر من قرار اتخذه مجلس الوزراء ضد قناعته، مثل الموافقة على عدم الاختلاط أو كادر المعلمين، وكان الناس، وأنا منهم، ينتظرون منه الاستقالة ولكنه لم يفعل... ولو فعلها لاكتسب احترام الجميع، ورغم كل ذلك فإن الناس لاتزال تقدر الربعي وزيرا للتربية، وفشله في الفوز في انتخابات 1996 لا يعود الى اعتراض الناس عليه، بل لأن الاصوات الليبرالية في منطقته الانتخابية توزعت على اربعة مرشحين، ومع ذلك فالخيرة فيما اختاره الله... وعودة الربعي الى الكتابة اليومية في صحيفة (القبس) مكسب للصحافة، واتصور انه لا يزال فيما يكتب في مرحلة (التسخين) على طريقة لعبة كرة القدم، والناس تنتظر منه ان يتحدث إليهم عن تجربته وزيرا في مجلس الوزراء وعن مواقفه، ولماذا لم يستقل عندما قرر مجلس الوزراء اتخاذ قرارات ضد قناعته وهل استطاع في رأيه (زحزحة) الهرم المقلوب؟ وكيف كان الوضع في وزارة التربية عند تسلمه المنصب، ثم معاركه البرلمانية مع احزاب التأسلم السياسي! هذا ما يريد القراء ان يعرفوه من الدكتور أحمد الربعي... أما ما اريده شخصيا منه فهو ألا يفكر ثانية في العودة الى المنصب الوزاري؛ لأن الربعي لم يخلق لمثل هذا المنصب، بل خلق مواطنا وطنيا معارضا يبتغي الاصلاح حيثما الاصلاح واجب.. وآمل ان يعود الى الكتابة بالطريقة الساخنة نفسها التي عودنا إياها قبل المنصب الوزاري». (عن مجلة «الحدث» يناير/ كانون الثاني 1997).

ذاكرة الربعي

لم تتوقف عن الاستمرار في مشروعها على الرغم من انتهاء عملها سكرتيرة لأحمد الربعي اثناء فترته النيابية لوضع برنامج حاسوب يتناسب وحجم الوثائق ونوعها المراد تخزينها واسترجاعها. علا حسين منصور تحولت الى ذاكرة لأحمد الربعي، حيث جمعت منذ العام 1992 كل كلمة نشرت عنه، ولم تترك مكانا او دولة عربية زارتها إلا وبحثت وفتشت عن خبر أو مقال يخصه.

وعلى مدى 11 سنة أنجزت 124 ملفا وبما يقرب من 25 الف مادة تتوزع بين الخبر والمقال والدراسة والموضوع من كل انواع المادة الصحافية، تغطي 36 عاما من عمر الربعي ونشاطاته.

ما يميز هذا العمل انه اعد بطريقة توثيقية متكاملة ووضعت لكل مجلد فهرسا يحتوي على جميع البيانات بحيث لم تترك صحيفة او دورية الا واستخدمتها اضافة الى الانترنت. 124 مجلدا، عمل يضاهي ما تقوم به مراكز المعلومات بل تتفوق عليها، منها مجلدان يحملان اسم «مجلد المعاناة والصبر» يختصان بالتفجيرات والمحاكمات.

إنه بحق انجاز اقدمت عليه علا منصور بدافع العطاء وحب العمل، ولذلك جاء متقنا ومتكاملا وكنزا من المعلومات لا يتوافر عند احد، هذا بالاضافة الى امتلاكها مكتبة سمعية وبصرية تشتمل على ما يزيد على 250 شريطا بين مقابلة تلفزيونية وإذاعية. علا لا تنسى من ساعدها وقدم لها العون لإتمام هذا العمل. ثمة حقيقة تقال إن اذا كنت تبحث عن اي معلومة تتعلق بتاريخ الربعي فما عليك إلا أن تسأل علا منصور، فعندها الخبر اليقين.

ينضم إلى أسرة «القبس»

انضم أحمد الربعي ليكتب على الصفحة الأخيرة «بالمقلوب» يوم 7 سبتمبر/ أيلول 1991 في أول سنة بعد التحرير ليكتب عن زمن ما بعد الكارثة والزلزال

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 2014 - الثلثاء 11 مارس 2008م الموافق 03 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً