العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ

ما هي حقيقة القنابل الأميركية الذكية؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

قد يكون الخبير العسكري الذي أطلق اسم القنابل (الذكية) مهرجا أو فلتة جيل في محاولته الترويج لأسلحة الدمار الأميركية الجديدة، فكيف يمكن استخدام كلمة ذكاء على قنبلة تلحق الدمار وتفتك بحياة أكبر عدد ممكن من البشر؟

يدور الحديث بشأن القنابل العنقودية التي تعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا من كبار منتجيها والتي تفيد الأنباء الواردة من بغداد أنه يجرى استخدامها. وهي من أسلحة الدمار الشامل التي يدور حولها جدل حاد إذ تنفجر على شكل قنابل صغيرة متناثرة ولا ينفجر بعضها على الفور وإنما تصبح ألغاما يمكنها بعد ذلك التسبب في إلحاق خسائر فادحة لاسيما في صفوف المدنيين ورجال الإنقاذ. بل ويرى الخبراء أنها تستهدف صغار السن من الأطفال والاحداث من الناحية الفعلية بسبب حب الاستطلاع المرتبط بحداثة السن وتواضع الخبرة في الحياة، فالصغار يسارعون إلى موقع القصف عقب أي غارة لمشاهدة ما حدث أو بحثا عن بقايا القنابل. وقد اعترف وزير الدفاع البريطاني جيف هون أنه ليس من المستبعد استخدام القنابل العنقودية من أجل حماية أرواح جنود التحالف المناهض للعراق على حد تعبيره.

وكانت منظمات إنسانية ناشطة قد وجهت في الأيام القليلة الماضية للحرب نداء عالميا لحظر استخدام القنابل العنقودية التي ذهب ضحيتها كثير من الأطفال لم يكن بعضهم قد ولد حين ألقيت هذه القنابل وتحولت إلى ألغام. وقد تم استخدام هذا النوع من القنابل في حرب كوسوفو وحرب أفغانستان. وتؤكد مصادر جمعية مكافحة الألغام الأرضية أن قوات التحالف ألقت 300 ألف قنبلة صغيرة على كوسوفو في الحرب ضد الصرب، كما ألقيت 250 ألف قنبلة أخرى على أفغانستان أثناء الحملة العسكرية للإطاحة بحركة الطالبان وتنظيم القاعدة. ولا تزال آلاف من تلك القنابل الصغيرة التي لا يشملها اتفاق أوتاوا لعام 1997 الخاص بحظر الألغام المضادة للأفراد، ترقد في أماكنها جاهزة للانفجار وفتك حياة البشر. ويحوي كل منها 200 قنبلة صغيرة فرعية لا تنفجر على الفور نسبة منها تصل إلى عشرة في المئة في العادة، ومن ثم تصبح بمثابة الغام أرضية تنتظر أي شخص غافل يدوس عليها من دون أن يدري. والمثال القريب هو أنه مازالت القنابل الصغيرة التي لم تنفجر والمصممة لاختراق الدروع تسبب ضحايا في الكويت بعد 12 عاما على حرب الخليج الثانية. وعلى رغم مرور ثلاثة عقود على انتهاء حرب فيتنام مازال بعض الناس يواجهون الموت البشع أو التعرض إلى بتر أطرافهم بسبب تلك القنابل العنقودية المنسية.

من الناحية التقنية تتكون هذه القنابل من عبوة تنكسر لينطلق منها عدد كبير من القنابل الصغيرة في الهواء يتم توظيفها للهجوم على أهداف مختلفة مثل العربات المدرعة أو الأشخاص أو لإضرام الحرائق. وبإمكان القنابل الصغيرة تغطية منطقة كبيرة ولكنها تفتقر للتوجيه الدقيق، ويتم قذفها من على ارتفاعات متوسطة أو عالية بما يزيد من احتمالات انحرافها عن الهدف. أما معدل فشلها فيعتبر كبيرا إذ يبلغ حوالي خمسة في المئة، بمعنى أن كثيرا منها لا ينفجر وانما يستقر في الأرض كألغام تنفجر ولو بعد سنوات على الحرب. وهناك القنابل التي تتحدث عنها أجهزة الإعلام الغربية بصورة تبعث على الاطمئنان فيقال أنها دقيقة للغاية تتجه مباشرة إلى هدفها لتلحق به أشد دمار. وهذا النوع من القنابل لم يسبق أن استخدمه الأميركيون بهذه الكثافة مثلما يفعلون اليوم في العراق. لكن الخبراء يجمعون على أن القنابل الذكية لا يمكنها ضمان حرب نظيفة.

خلال حرب الخليج العام 1991 كانت نسبة القنابل المسيرة بأشعة الليزر بين 8 و20 في المئة. لكن على رغم دقة الهدف فان هذه القنابل تخرج عن مسارها تحت تأثير غيوم أو عواصف رملية، وكان لتلك الأخطاء نتائج مدمرة في حروب سابقة خصوصا حربي الخليج وكوسوفو. ووفقا لأقوال رئيس أركان الجيش الأميركي ريتشارد مايرز فإن نسبة 70 في المئة من القنابل التي يجرى استخدامها في الحرب على العراق هي من النوع (الذكي). لكن وزارة الدفاع الأميركية بدورها تعلم أن نسبة فشل هذه القنابل في بلوغ أهدافها تصل إلى عشرة في المئة. وقال الطيار البريطاني جون نيكول والذي أسقطت طائرته خلال حرب الخليج السابقة إنه حين يتعطل نظام التوجيه لا يعود بالإمكان ضمان بلوغ القنبلة هدفها الأساسي ويمكن على الأثر أن تنفجر في أي مكان.

ومن القنابل المدمرة التي تستخدم حاليا قذائف الأبخرة الحارقة والتي تعمل على أساس التأثيرات التي يحدثها انفجار الوقود المتبخر في الهواء، بحيث يتم قدح مزيج من الوقود والهواء مما يولد كرة هائلة من اللهب يتبعها موجة انفجار سريعة الاتساع يفوق انفجارها المتفجرات التقليدية أضعافا مضاعفة. وتقرب القوة التدميرية هنا قوة القنابل النووية التكتيكية الصغيرة، والفرق الوحيد هو أنها لا تبث إشعاعات نووية. وقد استخدم الأميركان الأجيال الأولى من قذائف أبخرة الوقود الحارقة في فيتنام وألقوا أكثر من 200 قنبلة من أجيال أحدث في حرب الخليج. كما استخدمها الروس في أفغانستان والشيشان. ومن استخدامات هذه القنابل أيضا تنظيف مواقع هبوط الطائرات وتطهير الحقول من الألغام. ويمكن استخدامها أيضا في حرب العصابات إذ يمكن أن تنفذ الأبخرة الحارقة القاتلة في المناطق المحصنة مثل الملاجئ والكهوف والخنادق، بل أن الأمكنة المغلقة أو المحصورة تزيد من قوة انفجارها. وبما أن أحد مكونات هذا السلاح هو مادة أكسيد الأنثيلين القابلة للاشتعال الشديد والنشيطة كيميائيا فإن انفجار هذه القنابل يؤدي إلى خسائر بشرية فادحة. وكون أكسيد الأنثيلين قابل للاشتعال فإنه شديد التفاعل. إذ تقوم الشحنة الأساسية بتفجير الخليط المنتشر مما يسبب انفجارا ينتشر بسرعة تفوق سرعة الصوت وتعادل حوالي ثلاثة كيلومترات في الثانية، بالإضافة إلى امتصاص كميات كبيرة من الأوكسجين إذ يحترق خليط الوقود والهواء عند حرارة 2700 درجة مئوية، تحدث زيادة كبيرة في الضغط الجوي أثر الانفجار تربو على قرابة ثلاثين مرة، ويتبعه تفريغ قوي جدا ناجم عن أن انفجار خليط الوقود والهواء بسرعة تفوق سرعة الصوت. من جهة أخرى فإن التعرض لأكسيد الأنثيلين يمكن أن يسبب أعراضا خطيرة ومميتة تبدأ بإتلاف الرئتين وارتجاج في الدماغ وانسداد المجاري الهوائية أو العمى والصداع والغثيان والقيء والإسهال وضيق النفس وحالات النزيف الداخلي المميتة وحتى السرطان والعيوب الخلقية الأخرى.

ويقول خبراء عسكريون إن قنابل الوقود والهواء شريرة للغاية، فمن لا يحترق بها سيتعرض للإصابة بسبب الانفجار الكبير أو الاختناق بسبب التفريغ الناتج عنه. والمشكلة الكبرى هنا أن أسلحة الوقود والهواء لا تميز بين الأهداف المدنية أو العسكرية لذا فإن استخدامها في المناطق المأهولة يخالف المعاهدات الدولية الخاصة بالحرب. ومن الصعب التأكد من «ذكاء» قنابل الدمار في هذه المرحلة بسبب التعتيم الإعلامي الذي تفرضه قيادة التحالف، لكن يمكن الاستفادة من اعتراف مسئول عسكري أميركي لأحد الصحافيين الألمان بعد نهاية حرب الخليج السابقة حين قال بأعصاب باردة: «تبلغ كلفة التخلص من قنبلة ثقيلة في الصحراء الأميركية خمسة آلاف دولار، بينما تبلغ كلفة رميها على العراق ألف دولار، ونحن نختار الأسلوب الأقل كلفة»

العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً