العدد 2038 - الجمعة 04 أبريل 2008م الموافق 27 ربيع الاول 1429هـ

هايد بارك البحرين

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

من الطبيعي أنْ تعيش في مجتمع تستطيع فيه أنْ تعبّرعن وجهة نظرك، بصوت عال وبكل صراحة ووضوح، ومن دون أنْ تضطر لتزويق ألفاظك أو اللف والدوران. أيا كان موقعك، تلميذا في مدرسة، موظفا في وزارة، عضوا في نقابة أو مسئولا في إحدى الشركات الكبرى. قدرتك على التعبير عمّا تفكّر فيه من دون خوف، ومعرفتك التامة بأنك غير مُحاسب على آرائك، وأن أفكارك لن تجرعليك الويلات، كلّها أمور ستجعلك قادرا على أنْ تصبح إنسانا أفضل، تزيدك ثقة بنفسك وبالآخرين، وتحمّلا للمسئولية، مسئولية أفكارك التي عبّرت عنها من دون خوف وبكلّ شجاعة، وربما ستطول من عمرك على المدى البعيد؛ لأنك ستكون إنسانا متصالحا مع نفسك، غير مضطر للنفاق وإخفاء مشاعرك وآرائك الحقيقية في الأشخاص أو الأشياء حولك.

في المقابل، فإنّ منعك من التعبير عن وجهة نظرك بصراحة وحرية، علاوة على ما يسببه من كبت وضغط نفسي وربما ارتفاع في ضغط الدم وآلام في المعدة تتسبب جميعها في أنْ تقصر عمرك، فإنه الأسلوب الأمثل لسلبك كلّ تلك المشاعر من الثقة والشجاعة وتحمل المسئولية. وبما أنك فرد في هذا المجتمع، تشعر بما يشعر به غيرك من الأفراد وتملك من الحقوق ما يملكون، سينعكس كل ذلك على مجتمعك وما فيه.

هناك ألم حقيقي وعميق عندما تمنع من التعبير عن وجهة نظرك، حتى لو كانت خارج السياق، أو مخالفة لما تعارف عليه الناس، أو لا معنى لها على الإطلاق، فبمجرد أنْ تعبّر عنها، لابدّ أنك ستتعلم شيئا ما. والمشكلة في مجتمعاتنا أننا لم نتعوّد أن نحترم هذا الأمر كثيرا، ليس على المستوى التشريعي فحسب- على أهميته الكبرى-، ولكن على مستوى مؤسسات المجتمع كافة بدءا من الأسرة والمدرسة اللتين كثيرا ما تمارسان قمعا على آراء جيل بأكمله، وصولا إلى مؤسسات المجتمع المدني التي ظهرت كإفراز لهذا المجتمع « المقموع غالبا»، والتي إن اقتربت منها لوجدت إشكالية حقيقية في التعبير عن وجهة نظر الأعضاء في أولئك الأكبر سنا، أو مقاما، أو سيطرة.

ويزداد الوضع حدة عندما تصل إلى مؤسسات الدولة ووزارتها، فالتعبير عن وجهة النظر حينها يعتبر مخالفة، أو شكوى تستحق عليها أن تعاقب، أو « لسانا طويلا» يحتاج إلى تقصير.

مؤسسات الدولة، أفرادها و كياناتها لم تستوعب بعد ما الذي يعنيه أن تعبر عن وجهة نظرك، يبدأ الأمر بطفل يحاول أنْ يعترض على إشكالية فيما ورد في المنهج الدراسي فتطلب منه المدرسة السكوت والجلوس مكانه، وينتهي بوزير أو رئيس شركة لا يستطيع أنْ يعترض بكلمة واحدة عما يرده من أعلى.

لو كانت لدينا حديقة « هايد بارك» كما في بريطانيا ، يستطيع أيا يكن أنْ يذهب إليها ليعبّر عن وجهة نظره في أي شخص كان دون خوف، فإنني أشك أن يذهب إليها أحد، خوفا من أنْ تكون هناك أعين وآذان تراقب وتسمع. فالمشكلة ليست في المكان، المشكلة مشكلة مجتمع بأكمله لم يستوعب بعد أنّ التعبير عن رأي الإنسان حاجة، لا تختلف كثيرا عن حاجته للأكل والشرب والنوم، حاجة إنسانية تحترم ذاته وكينونته، وما لم يكن هناك احترام لهذه الحاجة، فلا يمكن أن تلبيها ألف هايد بارك.

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2038 - الجمعة 04 أبريل 2008م الموافق 27 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً