العدد 2045 - الجمعة 11 أبريل 2008م الموافق 04 ربيع الثاني 1429هـ

العقول والمحيط

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

منذ أكثر من ستين عاما قال أبو الهند الحديثة، وزعيمها الروحي المخلد غاندي «أنا مستعد لأن أموت، ولكن ليس هنالك أي داعٍ لأن أكون مستعدا للقتل». أثبت غاندي عبر رسالة حياته الأسطورية النادرة كيف يمكن أن تواجه العنف باللاعنف، فتكون أنت المنتصر في النهاية. ضرب ذلك الرجل الضئيل حجما، المسالم جدا، مثالا للإنسانية في استعداده للموت وفقد حياته، على أن يقوم بفعل يؤدي إلى قتل إنسان آخر.

لا يمكن لأي إنسان عاقل ومنصف أن يجوز القتل، تحت أية ذريعة وبأي مسوغ، مهما كانت الظروف أو الملابسات التي استدعت هذا القتل. فهو جريمة لا يمكن تبريرها إذا كان مخططا لها من قبل، وهي جريمة مرفوضة جملة وتفصيلا.

ما حدث منذ أيام في منطقة كرزكان من اعتداء ذهب ضحيته أحد رجال الشرطة، يقرع أكثر من جرس إنذار في هذا المجتمع الخليجي الذي شهد له على الدوام بالسلام الذي يعيش فيه أهله. جرس إنذار مخيف يطرح سؤالا ملحا: كيف وصلنا إلى هذا المستوى؟ ولماذا؟. وجرس إنذار آخر بغيض، يشير بسبابته إلى البعد الطائفي الذي بدأت أطراف كثيرة تلعب على أوتاره لتحليل هذه الحادثة وإضرام النار التي لا تزال مشتعلة. أما جرس الإنذار الثالث، والأكثر حدة وإلحاحا فيقول صارخا: إلى أين نحن ذاهبون، وعدد من شباب البحرين لم يجدوا غير «القتل» وسيلة ليعبروا به عن رأيهم، أيا كان هذا الرأي؟.

حادث قتل أولا، تتبعه حوادث أخرى، واصطفاف طائفي، ونار تحرق الأخضر واليابس، ويذهب مجتمعنا الذي بنيناه بشق الأنفس، ولانزال، في خبر كان. حادث قتل، يرفضه الدين والشريعة والعقل والمنطق والأخلاق، كفيل بأن يؤلب النفوس والقلوب على بعضها، فندخل الدوامة التي لم نكد نخرج منها.

أدانت كل الأطراف السياسية والرسمية هذا الحادث، واعتبرته جريمة في حق الوطن، اتفقت الآراء في موقف نادر على أن ما حصل خطأ كبير، وتبعاته خطيرة جدا. وهو أمر متوقع من كل هذه الأطراف، التي لا تجتمع «إلا في المصائب» كما يقولون. ونحن بحاجة ملحة لهذا الاجتماع في الرأي لعله يخفف من وقع الحادث وآثاره على المجتمع.

نحن بحاجة إلى أصوات تجمع ولا تفرق، وتعطينا الأمل بأن كل شيء قابل للتغيير، وأن مشكلاتنا السياسية أو الاقتصادية على عظم حجمها وتعقيدها لا تحل بالعنف أو القتل، فالوحشية أمر معاكس للإنسانية، ينزلنا في مدارك مظلمة ويحول مجتمعنا إلى غابة. والبشر لا يمكن أن يعيشوا في الغابة، لأنهم يملكون عقولا ومشاعر إنسانية تتناقض مع حياة الغابة. وسنسمع أصواتا كثيرة تستخدم ما حصل في الحادثة لتحول مجتمعنا إلى غابة وتخرجه من إنسانيته وصفاءه. لكن العقول الواعية وحدها وهي ميزة الإنسان السوي، هي القادرة على إخراجنا من تلك الشرنقة. فقد استمعت إلى غاندي الذي قال يوما «يجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية، إن الإنسانية محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة، فلا يصبح المحيط بأكمله قذرا».

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2045 - الجمعة 11 أبريل 2008م الموافق 04 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً