العدد 2055 - الإثنين 21 أبريل 2008م الموافق 14 ربيع الثاني 1429هـ

انتخابات الربيع تضع الكويت على مفترق طرق

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

تعكس استقالة بعض أعضاء الحكومة الكويتية أخيرا، وحل مجلس الأمة الذي تلا ذلك، تباينات هيكلية شديدة ونزاعا مستمرا بين حكومة تفتقر إلى الاستراتيجية ومجلس أمة يفتقر إلى الرؤية.

وتواجه الحكومة الكويتية اليوم تحديا يتمثل في الاستفادة من انتخابات مايو/ أيار 2008 لتحويل الاستراتيجية والإعداد للخصخصة وحكومة أصغر حجما وحكم جيد واقتصاد حديث متنوع. وحتى يتسنى لها النجاح يتوجب على الحكومة أن تجد طريقة لدعم حكم الاستحقاق وفتح الطريق لاستثمارات عالمية وإقليمية وتخفيف القيود الثقافية المتعلقة بالتعليم المختلط والسياحة وحقوق المرأة في المجالات الاجتماعية والشخصية والتسلية والرقابة.

منذ الارتفاع الساحق في أسعار النفط العام 2003، كرّس أعضاء مجلس الأمة الكويتي وقتهم لإنفاق العائدات النفطية ليس على التنمية وإنما على فوائد وعائدات لصالح موظفي القطاع العام الذين تبلغ نسبة الكويتيين بينهم 90 في المئة. وفي محاولة فاشلة اقترح أعضاء مجلس الأمة إعفاء جميع الكويتيين من القروض الممنوحة لهم من قبل الحكومة، بينما سعت محاولة ناجحة أخرى إلى تقديم مرتبات مالية أكبر للطلبة الذين يدرسون في الجامعات الحكومية مجانا، واعتبرت مقترحات كهذه أساسية في ضمان إعادة الانتخاب.

وأصبح أعضاء مجلس الأمة أشبه - بصورة متزايدة - بأعضاء النقابات العمالية، إذ قاموا بالضغط على الحكومة من أجل تحقيق المزيد من الامتيازات للموظفين. وواقع الأمر أن الأمير قد حل مجلس الأمة في 21 مارس/ آذار، أي قبل يوم واحد من تصويت البرلمان على مشروع قانون يقترح زيادة ثانية في الرواتب خلال شهر واحد لموظفي الدولة.

كما سعى أعضاء مجلس الأمة خصوصا إلى اكتساب مساندة الكويتيين من أصل بدوي، الذين يشكلون الأكثرية الجديدة في الدولة، والذين يعتبرون أنفسهم الأقل حظا من الناحية الاقتصادية مقارنة بالنخبة من سكان المدن الذين يمارسون الأعمال التجارية.

إضافة إلى ذلك، تبنى معظم أعضاء مجلس الأمة موقفا شعبيا إلى حد ما، معارضا لمؤسسات الأعمال، يطالب بالمزيد من القيود والأنظمة على القطاع التجاري. وتركت المعارك المتعاقبة الحكومة، في نهاية المطاف، منهكة، وبدأت شركات رئيسية، بما فيها «زين»، أكبر شركات الاتصالات، تنقل مكاتبها إلى مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وغيرهما من الدول المجاورة. ولم يتفق أي من ذلك مع سياسة حكومة أعلنت عن نيتها تحويل الدولة إلى مركز مالي وتجاري.

كذلك عانت الحكومة من مصادر قلق اخرى. ففي فبراير/ شباط، تنامت التوترات بين الجالية الشيعية، التي تشكل 30 في المئة من السكان، والغالبية السنية، عندما شارك نائبان شيعيان في مهرجان لتكريم عماد مغنية، أحد زعماء حزب الله الذي كان قد اغتيل في دمشق في ذلك الشهر في هجوم ادعى أنصاره أن «إسرائيل» خططت له.

ويعتقد أن مغنية شارك في اختطاف طائرتين تابعتين للخطوط الجوية الكويتية وأنه نظم سلسلة من عمليات التفجير في الكويت. وأساءت الحكومة التعامل مع ردة فعل الجمهور التي نتجت عنها هجمات كلامية ضد عضوي مجلس الأمة الشيعيين، بما في ذلك تهديدات من قبل زملائهم من أعضاء المجلس بتجريدهما من جنسيتهما.

إضافة إلى ذلك، بدا أن أجندة اجتماعية محافظة بدأت تحصل على دعم وشعبية في مجلس الأمة. وقد سعى التجمع الإسلامي إلى تطبيق قانون بالفصل بين الجنسين عارضته الكثير من الجامعات، إضافة إلى أعضاء ليبراليين في مجلس الأمة. كذلك أراد هؤلاء تطبيق القانون على المدارس الثانوية البريطانية والأميركية المختلطة، الأمر الذي أدى إلى اجتماعات جماهيرية احتجاجية من قِبَل الطلبة والمنظمات المجتمعية.

إضافة إلى ذلك، وفي خريف العام 2007 أصدر مجلس الأمة مشروع قانون يمنع المرأة من العمل في مجالات معينة تعتبر «صعبة» من حيث النوع الاجتماعي، كالأعمال الصناعية ومهمات تتطلب إدارة معدات ثقيلة ومجال الإنشاءات، ومنعت المرأة من العمل بعد الثامنة مساء في معظم الوظائف. وعملت قوانين كهذه على عزل القطاعات الليبرالية من المجتمع ومؤسسات الأعمال.

وعلى رغم هذه التحديات، ما فتئ الكويتيون يمارسون حقهم في التعبير عن أفكارهم. كما منعت الحكومة في العام 2007 - على سبيل المثال - برامج الحوار في محطات التلفزة الحكومية، بما فيها البرنامج الأسبوعي الذي يقدمه كاتب المقال، إلا أن برامج مماثلة وحوارات مثيرة مازالت تُبَث على محطات خاصة وقنوات فضائية في المنطقة. وتوجد في الدولة 12 صحيفة يومية، كما أن أصحاب المدونات الكويتية ينشطون في الكتابة بشكل واسع، الأمر الذي يثبت أن تنظيم عملية التعبير العام عن الرأي بشكل كامل أصبحت مهمة مستحيلة بالنسبة إلى الدولة.

وستعرض انتخابات مجلس الأمة المزمع عقدها في مايو 2008 الفرصة للكويتيين لاختيار ممثليهم من خمس دوائر انتخابية واسعة بدلا من 25، كما كان الوضع في السابق، وقد كان يجري انتخاب الكثير من أعضاء مجلس الأمة سابقا عبر عملية شراء للأصوات، وسيصبح من الصعب تطبيقها الآن بوجود نحو 70 ألف ناخب في كل دائرة انتخابية. كما ستضم الانتخابات كذلك عددا أكبر من المرشحين المتقدمين على قوائم سياسية مثل تلك الإسلامية والليبرالية والشيعية والوطنية والقبلية. وسيكون للمترشحين المستقلين دور أقل في الانتخابات المقبلة.

وشهدت الكويت خلال السنتين الماضيتين انشقاقا داخليا، فمن ناحية، قام أفراد الشعب بمساندة أعضاء مجلس الأمة الذين يستطيعون تحقيق الشفافية في الحكومة وفي الوقت نفسه إفادة مناطقهم الانتخابية. ومن ناحية أخرى، أرادوا حكومة قادرة على إجراء تغييرات حاسمة في مجالات مثل التنمية وحكم القانون والتعليم والخصخصة.

ويرى معظم الكويتيين دولتهم متباطئة وراء الدول المجاورة في مجالات مثل التنمية والإدارة والتعليم والخدمات، ولكن متقدمة أكثر في مجالات كالحريات الديمقراطية والشفافية والحقوق. ويتوجب على الكويت في نهاية المطاف أن تخلق نموذجا للمجتمع وحكومة قادرة على الدمج بين الديمقراطية والتنمية بنجاح، ووضع أولوياتهما في الوقت نفسه.

*أستاذ في العلوم السياسية بجامعة الكويت ورئيس شركة الجسور العربية للقيادة والاستشارات،

المكرسة لمجابهة التحديات التنموية المستقبلية والإصلاح في العالم العربي،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 2055 - الإثنين 21 أبريل 2008م الموافق 14 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً