العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ

الخشبة السوداء تنتحر

تحضرني في كل موعد يحتفل فيه المسرحيون بيومهم حكاية «سيزيف» ذاك الرجل الذي ظل يحاول أن يصعد الجبل وينتهي في كل مرة إلى النقطة نفسها التي بدأ منها، إلا أنه ظل يحاول ولم يفقد الأمل ولم يرتد عن السعي إلى تحقيق مراده. سيزيف الذي يحيل على نظرية العبثية يحضرني بكثرة كلما تأملت في حال المسرح، حال لا تخص بلدا دون آخر. أزمة تجاوزت الحدود الجغرافية.

الحال التي آل إليها المسرح اليوم، صورة مشابهة ومطابقة لصورة سيزيف, إذ لابد لنا أن نعترف بأن المسرحي اليوم صار يحتل مرتبة المناضل، فهذا الرجل الذي لاتزال تغويه تلك الخشبة السوداء يسير ضد التيار متمسكا بقناعات تدفعه إلى الإيمان بما يجهد ذهنه وجسده وحتى ماله في أحيان كثيرة من أعمال، وسط واقع لا يشجع على الاستمرار في هذا المجال، ولئن كان للحكومات نصيب في تدهور أوضاع هذا الفن لغياب الدعم المادي خصوصا فإن المشاهد العادي يتحمل النصيب الأوفر من مسئولية الحال التي آل إليها الفن الرابع، ذلك أن المشاهد يهجر المسارح لا مباليا بالقيمة الفنية والأخلاقية والقضايا التي تطرح على الخشبة السوداء.

من أهم ميزات المسرح، في أوج إشعاعه، كان ذلك التفاعل مع الجمهور، فالجمهور كان دائما عنصرا رئيسا وفاعلا في نجاح العروض أو فشلها، ذلك أنه وخلافا للسينما مثلا، يخلق المسرح علاقة مع الجمهور تستكمل بمقتضاها أطوار المسرحيات، لكن اليوم وأنت تدخل قاعة للعروض المسرحية لا تجد إلا ثلة من الناس هم في الأغلب زملاء عمل، نقاد، وأهالي العاملين على المسرحية ممن يهتمون بهذا الفن أو ممن لا يفقهون شيئا وقدموا على سبيل المجاملة لا غير.

الوضعية التي يرزح فيها الفن الرابع لا تستوجب النقاش فحسب، وهو ما يحدث في بلدان كثيرة، وعربية خصوصا، ولكنها تستوجب حلولا سريعة وبناءة تنتشله من وضعية تدفعه إلى الانتحار.

سؤال على طريقة من جاء أولا البيضة أم الدجاجة، من المسئول عن فشل المسرح في جذب الجمهور، هل هو المسرحي الذي ابتعد بأفكاره عن الواقع أو هو هذا الجمهور الذي لم يعد قادرا على تقبل الأفكار والقضايا الجدية؟ سؤال يطرح وينتظر الإجابة.

العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً