العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ

أحداث العنف المتكررة وأزمة الثقة المستعصية

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

ربما هناك من حاول تحويل ردة الفعل العنيفة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الناتجة عن الشعور بالغبن والظلامة إلى فوضى أمنية تشبه حالة التسعينيات، إلا أن هذه الرغبة موجودة لدى بعض الأطراف القريبة من الجهات الرسمية أكثر من أي طرف آخر، لكونهم لا يكسبون التميُّز إلا في وحل الفوضى حيث لا يُعرف الغث من السمين. وأما المعارضة، فإن أطرافها قاطبة، أكدت الأساليب السلمية في المطالبة بالحقوق. ولهذا تُخطئ جدا الجهات المعنية إذا ما تمادت وأمعنت في الاستفزاز على خلفية إعطاء ما يحدث هنا وهناك أكبر من حجمه الحقيقي، وتصويره على أنه مؤامرة، أو توظيفه من أجل تصفية الحسابات مع بعض الرموز ممن رجعوا طوعا من المهجر كما حدث في نوفمبر الماضي.

والحق أنه لا يُتوقع أن تتوقف ردات الفعل العنيفة مستقبلا في ظل وجود سببها الرئيسي متمثلا في جملة واحدة وهي: ضعف الثقة في قدرة الأطر التي تنظم علاقة السلطة والشعب على تحقيق العدل. وما لم يحدث تغيير بهذا الشأن، فلا يُتوقع أن تتوقف ردات الفعل العنيفة مستقبلا. قطاع كبير من الناس فقد جزءا من ثقته في الدولة بدرجة أو أخرى، فمن يثق فيها على مستوى، لا يثق فيها على مستوى آخر... وفي بعض المستويات، يتفق الكل على عدم الثقة فيها، كابتعادها عن عدالة توزيع الثروة مثلا.

وهكذا، فإن مسألة الثقة هي المصيبة التي تعتبر أكبر سبب يمكن أن يجعل من مشكلة ما، أزمة خطيرة تكاد تعصف بنا جميعا. في بعض الدول الديمقراطية الغربية المتقدمة، حين تقتل الشرطة أو حتى تعتدي بالضرب على شخص من فئة معينة كالسود، ينفجر الشارع الأسود بالعنف. لماذا؟ السبب الرئيسي يكمن في عدم ثقة هذه الفئة بعدالة النظام القائم الذي يكرس سيطرة الأكثرية البيضاء، هذا مع أن الشرطة قد تفعل الشيء نفسه مع رجل أبيض، ولكن الشارع الأبيض لا يشعر بالاستفزاز والغضب.

ربما تكزن لدينا المشكلة نفسها وأكبر، فمن جهة هناك تشكيك قائم بسبب عدم التوافق على الدستور الذي يعتبر المؤطر الرئيسي للنظام الاجتماعي بمختلف تفرعاته. بمعنى آخر، ضعف ثقة في عدالة الإطار الذي يحكم اللعبة بين مختلف الأطراف وينظم العلاقة بين السلطة والمجتمع عن طريق القوانين التشريعية. أكثر من ذلك، وجود تشريعات مخالفة حتى للدستور مع أنه الإطار الذي لا يجوز تشريع قانون مخالف لمبادئه العامة.

وفوق هذا وذاك، لدينا ضعف ثقة في نزاهة بعض الأطراف الحكومية في تطبيقها للقوانين. وبوجود تصدع كبير في الثقة المتبادلة بين الدولة والشعب أو فئة منه كبرت أم صغرت، فإن الوقوع في المحذور سيظل قائما أبدا حتى يتم ترميم هذا الصدع. وهذا لا يمكن تحقيقه من خلال الإدعاء - مثلا - بتطبيق قانون التجمعات الذي تمارسه الحكومة، فالقانون نفسه تحوم حوله الشبهات الدستورية، وأبو القوانين ذاته وهو الدستور محل خلاف بين المعارضة والحكم. وبالتالي، فإن السبيل لتجنيب البلد العثرات المتوقعة القادمة يكمن في تصليح الخلل في علاقة السلطة بالمجتمع، وتوثيق العلاقة بين الطرفين، والطريق إلى ذلك تعرفه الدولة قبل الشعب.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً