العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ

متى ينتصر المجلس لنفسه؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

هرول النواب إلى إنهاء جميع المتعلقات بدور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الثاني، بسرعة تفوق كل التصورات والتوقعات، خطاهم سريعة نحو البيات الصيفي وإجازة الخمسة أشهر، وبدلا من أن يودعوا بعضهم بعضا بابتسامات ومجاملات باردة فاترة، ودعوا دور الانعقاد بأكمله بصراخ وضجيج برلماني سيئ للغاية فقد تناول النواب الكثير من الألفاظ والعبارات السيئة وأسمعوا بعضهم بعضا كلاما جارحا وثقيلا، والتي من المعيب جدا أن نتلفظ بها أصلا، فما بالكم أن يتم استخدامها من قبل من يمثلوننا، انطلقت تلك الزفرات وتلك الاتهامات وتلك الإهانات والتي لم تكن تخلو من السباب، بشكل تلقائي يعبّر عما في الدواخل وما في النفوس من كره وحقد، فلا مجاملات يا نواب مع بعضكم بعضا بعد اليوم.

لم يكن الأمر فقط قاصرا على تلك الألفاظ والسباب لكان الأمر هين ويسير، ولكن بدلا من أن تكون هناك خطة استراتيجية مرسومة بعناية تامة لخروج المجلس منتصرا لنفسه وعلى نفسه، وبذلك يتحقق الختام بالمسك والعنبر ويستطيع النواب أن يستمتعوا بإجازتهم الصيفية، انقلب المجلس على نفسه، وانتصر على أهواء البعض قليلو الحيلة والتدبر.

بعض النواب لايزالون يصرخون وبأعلى صوت لهم بأن على الجميع أن يحترم المجلس وأن يحترم الرئاسة، كلام جميل ومنمق، ومتفق عليه من حيث المبدأ ولكن، إذا كان بعض النواب لا يحترمون أنفسهم، ولا يحترمون مجلسهم بل ولا يحترمون قرارات مجلسهم والتي أحيانا تصنع من قبلهم، وإذا كان رئيس المجلس أيضا لا يحترم بعض النواب ولا يحترم قرارات المجلس، فكيف لهم أن يطالبوا من حولهم بأن يقدموا لهم الاحترام والتقدير.

ما حصل بخصوص مسألة الاستجوابات أمر عجب، وأمامنا الشهر المقبل مزيد من العجب، فعش رجبا ترى عجبا، أن يحترم قرار لجنة الخدمات لكونها أوصت بعدم الإدانة لوزير شئون مجلس الوزراء، وأن تخالف قرار اللجنة المالية والاقتصادية التي تبرئ الوزير بن رجب!

أمر عجيب غريب حقا، الغرابة ذاتها لن تزول مهما حاول الإعلام أن يزيل ما عليها من آثار.

ثم أنه إذا كان التعامل مع التوصية سيكون تحت رحمة التصويت وتحت رحمة المعادلة الظالمة والهندسة الكيدية والتي تعكس الدوائر الانتخابية المكرسة للطائفية، والتي تعبّر عن الكثرة مقابل القلة، لماذا الأخذ والرد في مسألة إحالة الاستجواب إلى لجنة محددة، أتذكر جيدا بأن استجواب عطية الله لقي العديد من المعوقات والكثير من الحصوات أمام عجلته، وصار هناك إصرار كبير على مسألة إحالته للجنة الخدمات بدلا من اللجنة التشريعية حيث قانون الكثرة والغلبة، وصار مفهوما من البداية بأن العقلية نفسها هي التي تتحكم في مفاصل النتائج المترتبة على الاستجواب لأن الأنظار تتجه وقتها إلى تبرئته مهما كان الثمن ومهما كان حجم الإدانة، وبن رجب لا محال له قضية حسم نتائج استجوابه ستكون لدى اللجنة المالية حيث الكثرة للمعارضة والرغبات التي تتجه لتوريط أو إحراج «الوفاق» في مسألة الحكم، إلا أن «الوفاق» وقفت موقفا موضوعيا ومتأنيا بعيدا عن الزفات والأعراس السياسية.

ختام الجلسة الأخيرة لدور الانعقاد الثاني يعني لا مكاسب حقيقية للمجلس في الدورين الأول والثاني وأظن أن ذلك له انعكاساته الخطيرة على بقية الأدوار الأخرى بل على التجربة النيابية ككل، مهما تغنى النواب من إنجازات قد تحققت وجهود قد بذلت، لكون التوافق والانسجام والتي من المفترض أن يكون أول هدف يجب أن يتحقق لم يتحقق بل كل محاولاته باءت بالفشل الذريع وظلت على السطح الاختلافات سيدة المواقف وقائدة القرارات.

الانقلاب الذي تم في الجلسة الأخيرة نفهم منه أمور كثيرة يجب أن ننسى الوقوف عليها والوقوف عندها لأنها غاية في الأهمية، الانقلاب يعني أن الرئاسة غير موضوعية وأنها موجهة، وأنها تسير وفق خطط مرسومة لها، وأن بوصلتها حكومية حتى النخاع، وأن المطرقة هي أهم من الاستجواب ومن لجان التحقيق ومن أي أداة دستورية أخرى في المجلس، ثم إن الانقلاب يعني أن هناك كتلا موالية وقطع شطرنج لدى الحكومة تحركهم متى ما أرادت وكيفما تشاء، الانقلاب يعني أن هناك تواطؤا ما بين الرئاسة التي قررت أن تواصل الجلسة بأي شكل على رغم عدم استتباب الهدوء، والجدل المفتوح، والصراخ والتراشق بالألفاظ والوقوف المستمر أو المتكرر والمقاطعات، وما بين الكتل الموالية الأدوات الحقيقية للانقلابات النيابية واليد اليمنى للرئاسة.

أمر محزن للغاية أن يكون مجلسنا بهذا النوع من الهشاشة، وأن تكون المؤسسة التشريعية حكومية، وتمتثل لقرارات الحكومة وأن تلبي لها كل ما تمليه عليه، أمر جدا محزن ومزعج، نعم مهم جدا أن يكون هناك تعاون وتنسيق وانسجام ما بين السلكات لكن لا يرقى لمستوى التحكم والسيطرة التامة فالركوع والسجود ليسا صورا من صور التعاون وإنما الذل، وإذا لم ينتصر المجلس لنفسه وعلى نفسه لن تتنصر له السلطات الأخرى التي تتحكم فيه اليوم، أتمنى أن يكون ذلك أهم دروس التأمل للنواب في بياتهم الصيفي، وكل بيات صيفي والنواب بخير

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً