العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ

عـال... يا لـبـنـان

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

أن تكون في بيروت بعد اتفاق الفرقاء اللبنانيين في الدوحة، فذاك حدث مميّز... البسمة ترتسم على محيّا كلّ من سألناه عن تداعيات الانفراج الذي قشع غيوما لبّدت سماء بيروت العرب ردحا من الزمن.

«شكرا قطر»... هذا ما يُشاهده كلّ مَنْ يخرج من مطار بيروت الدولي (مطار الشهيد رفيق الحريري) على مساري الشارع المؤدّي الى قلب بيروت، مرورا على شارع كان قد أغلق مع مطار الحريري أيضا حين وصلت الأزمة السياسية اللبنانية ذروتها الشهر الماضي.

من محاسن الصدف، جلستُ على متن الطائرة التي أقلتني إلى بيروت مع لبناني في العقد الرابع من عمره يعمل في أحد الأبراج العقارية الكبرى التي ستمنح العاصمة القطرية رونقا خاصا.

كان أمام فؤاد، وهو من شمال لبنان فرصة أكثر من غيره من اللبنانيين، حين كان في قلب الحدث (الدوحة) وقت المفاوضات المتعثرة، وفي وقت الولادة القيصرية للحل الذي أتى في الدوحة بضوء أخضر من المحاور الصديقة والمتضادة معا، من حسن حظ اللبنانيين أنّ أميركا وحلفاءها وأعداءها اتفقوا على فك لغز الأزمة المستعصية منذ عامين.

لم يكن مهما لسائق التاكسي (سني من البقاع) ولا حتى الحلاّق (مسيحي أرمني) مَنْ يتولى الحقائب الرئيسية في الحكومة الجديدة التي لم يَعلن الرئيس المكلّف فؤاد السنيورة عن تشكيلها بعد، ولم يكن مهما لهؤلاء وربما لشطر كبير من اللبنانيين مَنْ يكون على رأس الوزارات السيادية ولا الخدماتية، ببساطة، هذا الأمر لا يعني الكثير لهؤلاء جميعا.

«أحنا بدنا نعيش»... هذا ما يقوله ليس الحلاّق الذي كان حتى وقت قريب من أنصار الجنرال ميشال عون، بل همّ العيش ومواجهة الغلاء الذي صاحب التضخم الدولي في الارتفاع الرهيب في أسعار النفط هو ما يهمّ الحلاّق وكل اللبنانيين البسطاء أكثر من أيّ شي آخر.

كلّ مَنْ رأيناهم كانوا ممتنين للدور القطري الذي كان في رأيهم وسيطا مُحايدا، وربما لهذا السبب فإنّ قطر مؤهلة أكثر من غيرها؛ لأنْ تلعب دورا رئيسيا في موسم السياحة المقبل الذي بدت بشائره تلوحُ في سماء بيروت.

في شارع الحمرا، وهو شارع سياسي - تجاري، ولربما مَنْ يعرف تاريخ الأزمات اللبنانية المتلاحقة منذ منتصف القرن العشرين يُدرك القيمة السياسية لهذا الشارع النابض بالحياة على مدار الساعة.

الحمرا، تعكس بوضوح التنوّع السياسي والثقافي والاثني في لبنان، وعلى حد تعبير مَنْ كان جالسا معي في الطائرة «ما في حدن يقدر يرمي خيه في البحر»، ووفقا للقاموس السياسي فإنّ هذه المفردة ذاتها ترجمها أمير قطر في ساحة النجمة (مبنى البرلمان اللبناني العتيد) حين قال: «جاء الحل على صيغة لا غالب ومغلوب»... وهذه الصيغة هي وحدَها التي يجب أنْ تسود في لبنان حيث تتعايش الطوائف والقوميات في هذا الشريط الجميل من العالم العربي.

هنا في الحمرا، حيث قلب بيروت النابض، وقبلها في الطائرة، مازلت أتذكّر العبارة الجميلة التي أطلقها الرئيس نبيه بري حين قال: «لم يستطع كلّ لبنان أنْ يجمعنا، ولكن جمعتنا طائرة وجمعنا فندقٌ على بحر... أوّل الغيث قطرة... فكيف إذا كان قطر»!

وكما هي بيروت، العاصمة الأكثر نشاطا سياسيا في العالم العربي كلّه، فإنّ قراءة سريعة لمانشيتات الصحف اللبنانية تمنحك اختبارا لهذه الحرية، فالصحافة ما فتئت تنتقد زعماء الحرب - السلام، وتدعوهم لأنْ يتركوا بنادقهم القديمة ويعودوا إلى رشدهم.

«الحقيقة لأجل لبنان»... يافطة كبيرة في كثير من أحياء بيروت... بيروت التي لاتزال تتذكر بكبير العرفان دور الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الإعمار والبناء والذي نجح في خلق مواءمة سياسية معقدة بين لبنان المقاوم ولبنان الإعمار، و»لهذا قتلوه»... ولكن هدفهم على ألسن اللبنانيين - الذين شاهدناهم على الأقل - انه أكبر من قتل رفيق الحريري، أنهم كانوا يرمون من ذلك قتل «لبنان التوافقي».

هنا في الشارع السريع الذي يربط بيروت مع بعضها ومع كلّ لبنان، وفي الطريق السالك نحو قلب بيروت في الداون التاون التي تضم ساحة النجمة الشهيرة يبدو أنّ الجيش يفرض سيطرة محكمة على الأمن، حيث تسلم عشرات المواقع من الميليشات المتصارعة قبل أسابيع، ولكنه أثبت قدرته على بسط الأمن وإعادة المياه الى مجاريها بشيء من الرويّة والحكمة.

«تحيّة إلى فخامة العماد»... عبارة مذيّلة على صور الرئيس اللبناني التوافقي ميشال سليمان الذي وقف على التل في أثناء الحرب الأهلية وفي أثناء النزاع بين أطراف المعادلة في لبنان، ولم يكن مستغربا أنْ يصل قائد الجيش إلى قصر بعبدا مكللا بابتسامات الرضا من الفرقاء اللبنانيين جميعا.

ومؤكّدا أن أمام «فخامة العماد» مهمّة كبيرة وصعبة للغاية، وهو كان قد حدد معالمها في خطاب تأدية القسم أمام قيادات عربية ودولية حضرتْ حفل توجيه؛ ليملأ فراغا سياسيا في قمّة الهرم، بعد انتهاء مدة سلفه العماد إيميل لحود... إنها مهمّة بناء لبنان التوافقي الواحد.

في بيروت، كلّ شيء عاد الى طبيعته الآنَ... واختفت أصوات البارودات والبنادق؛ لتحل معها أماني الاستقرار والبناء؛ ليبقى لبنان لبنانا لكلّ اللبنانيين والعرب، ولبنانا للثقافة الإنسانية القادرة على استيعاب الآخر، وربما يدرك اللبنانيون الآنَ أكثر من أي وقت مضى أنّ لبنان خلق ليكون لكلّ اللبنانيين... نحن والعرب جميعا سنظل نقول: «عال... يا لبنان»... ولم تنته القصة بعد

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً