العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ

من مدَحَك فقد ذبَحَك

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

«شاهْدَتْها خطّابَتْها»... مثل بحريني قديم يضرب لمن يتبرع بتزكية ومدح صاحبه أو أحد مقربيه ويشهد له بالفضل أو الأحقية. وهو مأخوذ من واقع أن المرأة التي تأتي خاطِبة من الطبيعي أن تزيّن وتلمّع صورة موكلها (الخاطب) أو موكلتها (المخطوبة)، وهكذا بالنسبة إلى الرجل الخطّاب أيضا. وهي شهادة غير معترف بها واقعا لمن أراد الحقيقة.

هذا المثل الذي لم أسمعه منذ زمن طويل حضر في ذهني فجأة أمس وأنا أقرأ تعليقات الدول التسع بجنيف على تقرير الاستعراض الدوري الشامل لمملكة البحرين فيما يتعلق بحقوق الإنسان واعتماده من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. فبغض النظر عن المداخلة التي طرحت فيها معلومات جريئة تغافلت عنها غالبية الدول المشاركة وشقت الجلسة إلى صفين بين مؤيد ومعارض لأحقية المداخلة، فإن آراء الأكثرية كانت منصبة على الإطراء والتبجيل حتى يخال لك أنك تعيش في المدينة الفاضلة وأنت لا تدري.

من حق الجهود الحكومية (في الجزء المشهود منها) أن تنصف بالشكر والتقدير فعلا، ولكن نستسيغ ذلك لو كان الأمر مرتبطا بحفلة دولية احتفاء بإنجازات البحرين، أما عندما يتعلق الموضوع بالجانب الحقوقي المسكوت عنه فمن المعيب على الأصدقاء تجاهل معاناة شرائح كبيرة من المجتمع تقرها جمعيات سياسية ومنظمات حقوقية كبيرة، من قبيل التلاعب بالأراضي ودفن السواحل والتمييز العنصري والاستفراد السياسي ومهزلة الدوائر الانتخابية والتجنيس المبرمج، ثم التركيز على الإشادة بمظاهر عامة لا يعد وجودها مميزا أصلا في دولة نفطية حتى النخاع.

مصر التي أخذتها «النخوة العربية» اعترضت مع باكستان على المداخلة الصريحة بحجة أن الجلسة مخصصة لتبني التوصيات وليس لطرح المزيد من قضايا حقوق الإنسان، لأن الطرح الجريء للقضايا الحقيقية مؤلم بطبيعته في نظر الصديقتين المخلصتين، ولا داعي له أساسا في حين أن مطالبة ممثلين عن دول أخرى مثل سلوفانيا وكندا وسويسرا والمانيا والمكسيك، بالسماح للمنظمات غير الحكومية بمواصلة التحدث كانت تشوبها شبهة النوايا السيئة التي لا تريد بالمملكة خيرا!

ربما كانت بريطانيا وايرلندا الشمالية أكثر جرأة وأكثر حنوّا من غيرهما على مستقبل البحرين، عندما طلبتا تفاصيل بشأن الخطوات المتخذة لكفالة توافق التشريعات الوطنية مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ وسألتا عما إذا كانت البحرين راغبة في تحديد أجل لاعتماد قانون للصحافة، وطلبتا مزيدا من المعلومات بشأن تحقيق تكافؤ بين توزيع الدوائر البرلمانية، وكذلك الولايات المتحدة التي أعربت عن أملها في أن تسمع المزيد مستقبلا عن إدماج الشيعة في المجتمع، وعن أثر الإصلاحات الدستورية لعام 2002 على حقوق الإنسان، وحالة العمال الأجانب. أما بعض الدول العربية الصديقة فلم تكتف بالزغردة والتصفيق بل حثت البحرين على الاقتداء ببلدان أخرى، فيما يتعلق بمسألة الإفلات من العقاب، في إشارة إلى إحكام القبضة الأمنية بالنار والحديد بدلا من الدعوة إلى إيجاد مخارج واقعية للأزمات الأمنية والاقتصادية التي تمر بها شقيقتهم.

المحصلة أنه ليس مستغربا من بعض الأصدقاء النفخ والتفخيم على «ماكو»، لأنهم في المقابل محتاجون أيضا إلى مثل هذا النفخ عند مناقشة تقاريرهم، فالوضع الحقوقي الذي «لا غبار عليه» سيّان في كل البلدان المصفقة، ولا ننتظر منها أن تقف موقف الناقد الناصح، والقاعدة التي يسير الجميع عليها «إذا كان بيتك من زجاح لا ترمي الناس بالحجارة»!

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً