العدد 2107 - الخميس 12 يونيو 2008م الموافق 07 جمادى الآخرة 1429هـ

مشروع تهويد فلسطين

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ينام العالم العربي والإسلامي على هدير الجرّافات والدبّابات الإسرائيليّة التي تصنع واقعا استيطانيّا جديدا في فلسطين، وتعزّز مشروعا تهويديّا مستمرّا؛ ويستفيق على ضجيج التمديد لقوانين الطوارئ؛ لترسم آليّات العدوّ واستعداداته الفارق بين كيانٍ يعمل على التعبئة والاستعداد للحرب، وأنظمةٍ تعمل على تكبيل شعوبها بهواجس السجون وكوابيس أجهزة الاستخبارات.

وهكذا يتفاخر رئيس وزراء العدوّ، وهو يعلن عن بناء مستوطنات جديدة في القدس المحتلّة، ويصرخ بوجه تلك الأنظمة الخائرة التي لا تحدّثك إلاّ عن مشروع إيران النووي السلمي، وهو يقول لها إنّ القدس ستبقى مقرّ الشعب اليهوديّ وعاصمته إلى الأبد، من دون أن تنطلق كلمة رسميّة عربيّة تتمرّد على ذلك، ومن دون أن تحرّك السلطة الفلسطينية ساكنا؛ اللَّهمَّ إلاّ كلمات الاستنكار والاحتجاج التي اعتاد عليها اليهود في كلّ حروبهم المرسومة ومفاوضات تقطيع الوقت مع الواقع الرسمي العربي.

أمّا واشنطن التي تستقبل أولمرت في هذه الأيّام، فهي لا تستخدم إلا كلمات الخداع تحت عنوان التحذير من بناء مستوطنات جديدة، في الوقت الذي تدعم كلّ هذا الزّحف الاستيطاني على أنقاض الفلسطينيّين والعرب، ويتسابق مرشّحو رئاستها إلى إعلان الولاء المطلق لـ»إسرائيل».

والسؤال الكبير هو للأمم المتّحدة، التي يكتفي أمينها العام بالحديث عن مخالفة هذه المستوطنات للقانون الدولي، من دون أن يرفع تقريرا إلى مجلس الأمن يطالبه فيه بإدانة «إسرائيل»؛ لأنّ أميركا المسيطرة على المجلس والمنظّمة الدولية بشكل عام لا تسمح له بذلك.

وهكذا يتابع الزعماء العرب كلّ ذلك، ويشهدون توالي المجازر والاعتداءات الإسرائيلية والحصار التجويعي للفلسطينيّين في غزّة، من دون أن يثير ذلك اهتمامهم، وكأنّ فلسطين باتت حالة قديمة لا علاقة لها بواقعهم وحاضرهم ومستقبلهم، أو أنّها تحوّلت إلى كابوس يؤرّق الأحلام الاستسلاميّة التي يسرح فيها الكثيرون.

استجابة مطلقة للمشروع الأميركي

إنّ حال الانهزام العربي أمام العدوّ يمثُّل جزءا من رزمة السياط التي يُراد للشعب الفلسطيني أن يُجلد بها، وإنّ هذا التمكين الميداني لكيان العدوّ عبر الدعم الأميركي والصَّمت العربي، هو جزء من الخطّة المرسومة لإنهاء ما يُسمّى بمشروع الدولة الفلسطينيّة القابلة للحياة، فضلا عن مسألة حقّ العودة وقرارات الأمم المتّحدة وما يسمّى بخارطة الطريق، لينتظر العرب رئيساَ أميركيّا جديدا يحدّثهم عن حُلم دولةٍ فلسطينيّة قد تبصر النور في أواخر عهده. وهكذا قصّة العرب الذين أدمنوا إدخال أيديهم في الجحور الأميركية ـ الإسرائيلية، وفي كلّ مرّة يُلدغون، حتّى لم يعد ثمّة إحساس بالألم، على طريقة قول المتنبّي:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميّت إيلام

أمّا الجامعة العربيّة، فقد أصبحت في واقعٍ يُثير الشفقة والسخط في آنٍ، وهي التي لم تستطع أن تحلّ المشاكل العربيّة التي أصبحت من أشدّ الأمور تأثيرا على الواقع السياسي العربي، حتّى تحوّلت الخلافات بين الدول العربيّة إلى ما يُشبه العداوة؛ حتّى إنّ إعلام كلّ دولةٍ يتحدّث عن الدولة الأخرى بأكثر مما يُتحدّث به عن الكيانات والدول التي تتحدّى العالم، كـ«إسرائيل» وأميركا؛ الأمر الذي يجعل وجود الجامعة العربيّة وجودا لا يحقّق النتائج الكُبرى للعالم العربي. ومن المؤسف المفجع، أنّ هذه الخطوط المعقّدة تتحرّك استجابة للعلاقة السلبية بين أميركا وهذه الدولة العربية أو تلك، وربّما امتدّت المسألة إلى حركات المقاومة التي تعمل على تحرير الأرض والإنسان، فوقفت بعض الدول العربية منها موقف المواجهة؛ لأنّ أميركا الملتزمة بأمن «إسرائيل» المطلق تقف الموقف نفسه، وقد تمتدّ القضيّة إلى المقاومة العراقيّة ضدّ الاحتلال التي يرفضها بعض العرب، لأنّهم لا يرون لها شرعيّة أمام الاحتلال الأميركي.

وإنّنا إذ نطلّ على واقعنا، نجد أنّ إحدى مشاكلنا الأساسيّة تكمن في حال الإدمان على السُّلطة، التي تحوّلت معها مواقع الرئاسة ـ بفعل الديمقراطيّة الشكليّة ـ إلى مواقع للمُلك العضود الذي لا يعرف تداولا عبر الإرادة الشعبية، بل تتحرّك في فلك التوريث بشكلٍ وبآخر، وقد أحيطت هذه المواقع بهالة من القداسة المصطنعة، بحيث لا يُسمح معها لأيّ جهة شعبيّة بانتقادها أو بمعارضتها أو بتسجيل بعض النقاط السلبيّة على سياستها. والأدهى من ذلك، أنّ كثيرا من هذه المواقع عملت على تصغير الأوطان التي تشرف عليها، لتكون بحجم الأشخاص والعائلة، وأصبح معها عنوان الوطن عنوان الشخص وعنوان العائلة، بدلا من أن يعملوا على تكبير مسئوليّاتهم بحجم أوطانهم. وهذا المنهج هو الذي أدّى إلى سيطرة الدول الكبرى على مقدّرات شعوبنا وأوطاننا، ولا سيّما في المسألة الاقتصاديّة، لأنّها باتت ترتبط بمصالح الأشخاص لا بمصالح الشعوب.

الطَّائفية والمذهبية تغيّب المواطنية

أمّا في لبنان، فلا يزال الجدل السياسي الدائر في مسألة توزيع الحصص الوزاريّة على الطوائف والزعامات الطائفيّة والشخصيّات الطامحة إلى الاستفادة من الوزارات في الانتخابات المقبلة، ما يوحي بأنّ تشكيل الحكومات اللبنانيّة لا ينطلق من دراسة الكفاءات والخبرات، بل من الاعتبارات الطائفيّة والمذهبيّة التي تكبّر حجم الأشخاص عند طوائفهم أو مذهبيّاتهم، في ما يحصلون عليه من أعداد وأصوات في الانتخابات، بعيدا عمّا هي مصلحة الوطن في اقتصاده وسياسته وأمنه وثقافته، ولا سيّما في كارثة المديونيّة التي تأكل كلّ اقتصاد البلد وإنتاجه. إنّ المشكلة في لبنان، هي أنّ السياسيّين يحاولون تصغير حجمه ليصبح بحجم الأشخاص، ولا يحاولون تكبير موقعه بإنتاج العناصر التي تعيده إلى موقعه الكبير عندما كان يتحرّك لحلّ المشكلة العربيّة وخدمة الثقافة الإبداعيّة.

وربّما كان من المصيبة، أن كلّ زعيم من هؤلاء يختصر طائفته في شخصه، فأصبحت الطائفيّة تمثّل امتيازا لزعماء الطوائف، ولا تمثّل خدمة لشعب هذه الطائفة أو تلك، ولذلك تكبر ثروات هؤلاء على حساب طوائفهم، بينما يزداد الشعب الفقير المحروم فقرا وحرمانا وهتافا وتصفيقا لمن هم سرّ المشكلة، ولم يكونوا ـ في يومٍ ـ سرّ الحلّ، لتبقى الطائفيّة مشكلة الإنسان في هذا الوطن الصغير.

وفي جانبٍ آخر، التقينا قبل أيّام بمؤتمر دولي ضمّ أكثر من مائة دولة، تداعت إلى تحريم استخدام القنابل العنقوديّة، ولكنّ أميركا تحفّظت مع حليفتها اليهوديّة، في تحريم هذه القنابل، لتبعث برسالة إلى العالم كلّه، مفادها أنّها مع الكيان الغاصب لا تعيران أيّ اهتمام للإنسان، فكيف إذا كان عربيّا ومسلما.

وبالمناسبة، فإنّنا نُريد للشعب اللبناني كلّه، الذي لا يزال يكتوي بنار هذه القنابل العنقوديّة الأميركية الصنع، أن يفهم ما معنى أميركا في إدارتها الحاقدة، التي دعمت ولا تزال تدعم كيان العدوّ ليقتل ويدمّر كما في حرب يوليو/ تمّوز وقبلها، وهي التي تتحدّث كذبا وزورا ـ في هذه الأيّام ـ عن السعي لدعم الجيش اللبناني، لأنّها لا تقبل أن يتحرّك أيّ سلاح في مواجهة العدوان الإسرائيلي، كما أنّها عادت لتعبث بالوضع السياسي الداخلي، في محاولة جديدة للدخول على خط تأليف الحكومة وتوزير من تريد توزيره، وكأنّ البلد مقاطعة من مقاطعاتها، أو قطعة أرض تابعة لإحدى سفاراتها.

قائد ثورة المستضعفين ضد المستكبرين

وأخيرا، التقينا قبل أيّام بالذكرى السنوية التاسعة عشرة لرحيل الإمام الخميني، الذي أراد لحركته ونهضته التي انطلقت قيمها الرسالية الإسلاميّة من إيران، لتلتقي بالروافد الإسلاميّة من هنا وهناك، أن تكون الحضن الدافئ للمستضعفين وكلّ طلاّب الحرّية في العالم.

لقد أعاد الإمام الخميني في ثورته الحركة إلى الواقع الإسلامي، وإلى مواقع الدولة، وأنزل الشعارات القرآنيّة والإسلاميّة إلى مفردات السياسة، الّتي تؤكد أن الصراع هو بين المستكبرين والمستضعفين، وبين الشياطين الصغار والكبار، وبين حركة الإيمان وحركة الكفر، وأنّ الأمّة مهما تنوّعت مذاهبها، هي أمّة واحدة، في أهدافها وخطوطها وقيمها الرساليّة، وأنّ اغتصاب الأرض واحتلال البلدان لا يُمكن أن يُشرّع بتقادم الزمن. ولذلك، فإنّ رسالة الذكرى هي في الوقوف إلى جانب المستضعفين ضدّ المستكبرين في أيّ مكان، وإلى جانب الفلسطينيّين والعراقيّين والأفغانيّين ضدّ الاحتلال، ومع تحرير الأمّة من واقع القهر والفساد والانحراف والهيمنة والاحتلال.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2107 - الخميس 12 يونيو 2008م الموافق 07 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً