العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ

هل «الإخوان» بهذا السوء كله؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

شخصيا لا أنتمي إلى أي حزب أو جماعة مهما كان لونها أو اتجاهها، واعتقادي أن مثل هذا الانتماء يجعل الإنسان مقيدا في فكره لا يقول إلا ما يرضي حزبه حتى وإن اختلف ذلك القول مع اعتقاده، هذا الاعتقاد كان - ولايزال - يجعلني أبتعد عن أي حزب وأقبل الحياة بعيدا عن كل قيد سوى القيد الشرعي الذي أعتقده.

لكن ابتعادي عن الأحزاب والجماعات والفرق - مهما كان نوعها - لا يعني أنني أجهل تاريخها وأفكارها، كما لا يعني معرفتي بالعديد من أفرادها وقياداتها ومناقشتهم في قضايا فكرية وعقدية متنوعة، وكوني أستاذا في جامعة لأكثر من ثلث قرن وكاتبا في الزمن نفسه كان وراء اهتمامي بكل هذه القضايا التي تشكل جزءا من ثقافة الأستاذ والإعلامي في كل مكان.

ما يكتب عن «الإخوان المسلمين» منذ فترة في إحدى الصحف البحرينية يصادم كثيرا ما أعرفه عن هؤلاء - بصفة عامة - إلا إذا كان لإخوان البحرين صفات خاصة تختلف عن غيرهم، وإلا إذا كان ما يكتب عن هذا التيار محصورا في البحرين وليس سواها.

السيد فاضل عباس ينقل عن عبدالرحمن الباكر وصفه للمنتمين للإخوان بأنهم «حفنة من المرتزقة» وأن «حركتهم هدامة» وأن «دعوتهم دينية تفرق بين العربي وأخيه العربي».

المعروف عند الباحثين أن من ينقل عن غيره بدون تعليق فهو موافق لمن نقل عنه، ومادام الأمر هكذا فإني أستغرب من هذه الحملة المركزة على تلك «الحفنة من المرتزقة» فالحفنة في اللغة في العدد القليل فهل هذا العدد يستحق كل تلك الضجة؟ فإذا كانوا مرتزقة فوق هذا كله فهل يستحقون حتى مجرد الإشارة لهم؟

الأغرب وصفه لهم بأن حركتهم «دينية» وهذا الوصف يقتضي أن لا يفرق أصحابها بين مسلم وآخر، فضلا عن التفرقة بين عربي وآخر، والإسلام شديد الوضوح في هذه المسألة، وهنا إما أن يكون الكاتب لا يعرف معنى «دينية» أو أنهم - أي الإخوان - ليسوا دينيين!

الإخوان - كما يقول الكاتب - لهم قدرة عجيبة على ابتزاز الوزراء والحصول على مناصب مقابل عدم استجوابهم! أقول: هذا الكلام إساءة للوزراء المعنيين فهل وصل الهوان والخيانة في هؤلاء إلى حد الرضوخ لتلك الحفنة والاستجابة لهم في مطالب غير مشروعة؟ إن الواجب الوطني يفرض على الكاتب الإفصاح عن أسماء هؤلاء وعن المخالفات التي فعلوها لكي تتم محاسبهم وإلا فإن الفساد سيستشري في المجتمع خاصة في الطبقات العليا منه!

الإخوان - أيضا - مرتبطون بجهات أجنبية، وهذه الجهات هي التي تدعهم للسيطرة على الواقع الهامة في البحرين! ومفهوم هذا القول انهم - فعلا - وصلوا إلى مواقع مهمة نتيجة الدعم الأجنبي.

مرة أخرى، أعتقد أن واجب الكاتب وكل من يعرف مثل هذه المعلومات الخطيرة أن يبلغها للجهات الأمنية لأنها تعد خيانة للوطن تستحق أقصى العقوبات! لكن الصمت أو الاكتفاء بكلام عام لا قيمة له لا يحقق مصلحة الوطن أو المواطن.

الإخوان - أيضا - عبيد للاستعمار، فهم - كما يقول الكاتب - يقفون ضد أي حركة استقلالية، وحدث هذا أكثر من مرة! والسبب - كما يقول - انهم مرتبطون بالإخوان في مصر، أما الدعم المالية فهو من جهات غامضة!

مرة أخرى الكلام العام لا يفيد أحدا، ولكن الرد عليه بكلام عام مثله، وهو بالتالي لا يقنع أحدا، ولا يحقق الهدف الذي أراده الكاتب.

كان بودي، وأتوقع بود كل أحد لا يعرف التاريخ الدقيق للبحرين، أن يقول لنا الكاتب ولو باختصار: أي حركة استقلالية وقف ضدها الإخوان؟ من هم هؤلاء الذين وقفوا؟ وماذا فعلوا بالضبط؟

إن الإخوان في مصر وقفوا مع كل حركات التحرير، وكانوا يقودون الكثير منها، وقدموا العديد من الشهداء في هذا السيل، والذي يدرس تاريخ فلسطين يعرف ماذا فعلوا... والذي يدرس تاريخ حرب 67 يعرف ذلك أيضا، والذي يدرس ثورة الضباط الأحرار يعرف أنهم كانوا من أقوى أنصارها! فكيف يمكن القول إن الإخوان في مصر ضد حركات الاستقلال بناء على دعوى عدم مشاركة إخوان البحرين في هذه الحركات؟!

ومن الدعاوى العريضة في المقال وفي مقالات كثيرة سواء أن الإسلاميين - سواء أكانوا من الإخوان أو سواهم - يحاولون الوصول إلى الحكم!

أقول: وما المانع في ذلك؟ ولماذا تحجرون على هؤلاء وتبيحونه لكل أحد سواهم؟

الوصول إلى الحكم حق لكل أحد بشرط استخدام الأدوات المشروعة التي تتيحها الدولة للجميع.

وإذا كان الاعتراض أن هؤلاء سيطبقون قناعاتهم إذا وصلوا إلى الحكم فهذا كلام مرفوض... لماذا؟ لأن من حقهم أيضا أن يطبقوا ما يعتقدونه إذا كان ذلك بالوسائل المشروعة.

من حق المواطن ألا يرشح أحدا منهم، ومن حق المعارضة أن تشرح للناس أهداف الإخوان - قبل وبعد - فإذا استمر الناس على قناعتهم بحق الإخوان في الوصول إلى الحكم فهذا اختيارهم وهذه هي الديمقراطية التي يجب أن نقبلها سواء أحققت لنا ما نريد أم لم تحقق.

في بلادنا - السعودية - دعونا للانتخابات، وتمت في المجالس البلدية وحقق الإسلاميون فوزا كاسحا وغضب البعض فقيل لهم: هذه هي الديمقراطية التي تنادون بها.

وفي الأحساء اكتسح الشيعة المقاعد البلدية وغضب كثيرا فقيل لهم: هذه هي الديمقراطية فلماذا الغضب؟

لا أبرئ الإخوان من العيوب عموما، وليس لدي معلومات واضحة عن إخوان البحرين خصوصا، ولكن الذي أجزم به أنهم ليسوا كما قال الكاتب.

وأخيرا... إن إقناع الآخرين يجب أن يتم من خلال الدقة في العبارات، والدقة في تقديم المعلومة وبدون ذلك سيبقى الكلام بعيدا عن هدفه.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً