العدد 2146 - الإثنين 21 يوليو 2008م الموافق 17 رجب 1429هـ

الأمة العربية... رئيس مقتول وآخر مطلوب!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ليس عيبا أن يتحدث الآخرون عن عيوبنا ومشكلاتنا... وليس عيبا أن يحاولوا التدخل في كل شئوننا الداخلية، ما ظهر منها وما بطن... وليس عيبا أن يعرضوا علينا حلولا تنسجم مع نوعية نظرتهم لنا... ولكن العيب - كل العيب - أن نعطيهم كل الفرص ليفعلوا كل ذلك وكأننا نعيش في كوكب آخر لا يرانا فيه أحد. وعندما تقع الفأس في الرأس نبدأ بالصراخ، ولكن بعد فوات الأوان.

الرئيس صدام حسين مات مشنوقا وبطريقة مهينة، ومع أنني أعرف أنه كان طاغية، ومع أنني أعرف أنه مهّد الطريق لأعدائه ليفعلوا به وببلاده كل ما يريدون إلا أنني ومع ذلك كله ما كنت أحب له أن ينتهي بتلك الطريقة المهينة، تلك الطريقة التي شعرت فيها أن كل عربي قد لحقه من المهانة الشيء الكثير.

وما كنت أحب لعراقنا العزيز أن يتمزق بهذه الصورة، أرضا وشعبا وثروات... والآن انتقلت العدوى إلى السودان، ذلك البلد العربي الذي يملك من الثروات الشيء الهائل، الذي بإمكانه أن يكون «سلة الخبز» لكل العرب والمسلمين في وقت اشتد فيه الجوع والفقر في معظم بلادنا، ونضبت فيه الثروات المائية، فتطلع العرب إلى جزئهم «السودان» لعله يسد النقص ويصلح الخلل.

ولكن «السودان يتعرض ومنذ سنوات لمحاولات لا تهدأ تبغي تمزيقه إلى دويلات ليسهل الاستيلاء عليها وابتزازها، وقد استخدمت بعض الدول كل الوسائل الخسيسة للوصول إلى ذلك الهدف، فهناك استغلال للاختلافات العرقية والدينية والمناطقية، وهناك حديث عن تقاسم الثروات والمناصب، كل ذلك لعله يحقق الهدف ويقرب المسافة التي يريدها العدو.

وأخيرا عندما لم تحقق كل تلك الوسائل هدفها بالسرعة المطلوبة جاء الحديث عن اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، وإحالته لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم إبادة، كل ذلك... كما قال المدعي العام وقع في دارفور!

وبغض النظر عما قاله المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية لويس مورينو أوكامبو فإنه يجب الاعتراف أنه لولا الاختلافات الداخلية الكثيرة التي أدت إلى كل ما حصل ويحصل في السودان ما كان بمقدور المدعي العام ولا سواه أن يفعل ما فعل، ولهذا فقبل أن نلوم الآخرين يجب أن نعيد النظر في واقعنا، وفي طريقة أدائنا، وطريقة معاملة الحكام مع شعوبهم.

في السودان اختلافات كثيرة كان واضحة قبل المشكلة الأخيرة، وزادت بعدها وضوحا، فزعماء جماعة العدل والمساواة أظهروا فرحهم الشديد بقرار المدعي العام، ومعروف أن رئيسهم عبدالواحد محمد نور على علاقة جيدة مع الصهاينة، كما أن إبراهيم خليل هو الذي غزا الخرطوم ولكنه فشل في هذه الغزوة!

السيد حسن الترابي لم يبد أي امتعاض مما حصل، بل كان يحاول التأكيد على أن أعمال البشير كانت نتيجة طبيعية لما آلت إليه الأمور، مع أنه كان من أشد أنصار البشير، وكان يقود الحملات الجهادية لمقاتلة الجنوبيين، وبعد أن تضاربت مصالحه مع مصالح البشير انقلب عليه ضاربا مصلحة السودان عرض الحائط.

والجنوبيون - في الخارج - يتحدثون عن تهميشهم، وعن حقوقهم في حكم مستقل - بصيغة مقبولة! - وكأن تقطيع السودان أصبح هدفا ينبغي تحقيقه! واللافت للنظر أن السيد مني أركوي كبير مساعدي الرئيس البشير لم يقل شيئا عن ما قيل عن رئيسه، ولهذا الصمت دلالات واضحة!

وعلى أية حال أعود للقول: إن السودانيين جميعا ساهموا بصورة واضحة فيما آلت إليه الأحوال، وفيما ستؤول إليه لو لم تنته قضية الرئيس البشير.

ردود الفعل العربية كانت «معقولة»، فالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي انتقد الاتهامات الموجهة للبشير، وقال «إن هذا القرار لا يخدم الجهود المبذولة لحل أزمة دارفور وإحلال الاستقرار في جميع ربوع السودان».

والسيد عمرو موسى اتجه للسودان لمناقشة الموقف العربي الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب في قضية البشير، آملا أن يجد مخرجا لهذه الأزمة... الأميركان قالوا إنهم سيدرسون طلب إصدار مذكرة التوقيف، وطالبوا كل الأطراف بالهدوء!

أما بريطانيا فطالبت السودان بالتعاون مع المحكمة! ولست أدري أي نوع من التعاون يعنيه البريطانيون؟! على أية حال موقف أميركا وبريطانيا واضح الدلالة، ولا أريد أن أناقش قرار المحكمة، فلست بصدد الدفاع عن البشير فقد قلت إنه لولا المشكلات الداخلية المهملة لما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة السيئة، ولكني أستغرب من تلك المحكمة التي أحصت جرائم الحرب في دارفور ولم تستطع إحصاء جرائم الحرب «العظمى» في العراق وفلسطين وأفغانستان! المدعي العام لم ينطق بكلمة عن مخالفات «إسرائيل» لقوانين مجلس الأمن عندما كانت - ولا تزال - تهدم منازل السكان الأصليين لتبني بدلا عنها مستوطنات للصهاينة، وآخر ذلك إعلانهم بناء 1500 مستوطنة في القدس. المدعي العام لم ينطق بكلمة عن قتل آلاف المدنيين في العراق وأفغانستان مع ثبوت هذه الجرائم، وكأن كل ذلك لا يعنيه!

ازدواج المعايير هو الذي يجعل الناس لا يحترمون أحكام المحاكم الدولية التي يتضح أنها «مسيّسة» في معظم أعمالها.

لست أدري كيف ستتجه الأمور في السودان، ولكن الذي أدريه أن هذا القرار سيؤدي إلى إفشال كل الجهود السابقة لإحلال الأمن والاستقرار في السودان... فأين المصلحة في ذلك القرار؟!

والذي أدريه أيضا أن السودانيين وعلى رأسهم البشير إذا لم يبادروا بجد إلى حل مشكلاتهم فإن أمورهم جميعا ستسوء أكثر وسيكونون - كلهم - خاسرين!

وأخيرا، فإن تحقيق العدل أمر مشروع وواجب، والعدل يجب أن يطال الجميع مهما كانت مناصبهم... ولكن العدل المطلوب ينبغي أن يوزع بالعدل أيضا لكي يكسب احترام الجميع.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2146 - الإثنين 21 يوليو 2008م الموافق 17 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً