العدد 2166 - الأحد 10 أغسطس 2008م الموافق 07 شعبان 1429هـ

حوار أتباع الأديان... وعود للحوار الوطني

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

وإن عدت الحوارات حبرا على ورق - كما يقول السواد الأعظم من الناس - ما لم تتحول إلى واقع فعلي يلمس ويتحرك ويتفاعل مع يومياتهم، فإن من شأن مثلها مهما كانت أن تصنع تراكمات في عقليات حجرها الزمن ورانت عليها الأفكار البائسة.

فأمام الكم الهائل من المقولات الطاردة، والآراء المتوحشة من الآخر القريب ضمن دائرة الدين الإسلامي، يصدم واقع (أخذت منه الأيام مأخذا بليغا) بيهود ونصارى ومسيحيين وغيرهم من أصحاب التوجهات الوضعية لتستمع - عقليات ألفت الرأي الواحد والقول الواحد والتوجه الواحد - إلى خطابات مطنطنة وأوراق مكتوبة بعناية، وكلها تشي بواقع يراد تظهيره إلى الساحة في حلة قشيبة وأفكار منفتحة تؤمن بضرورة احترام الآخر وعدم التعدي على معتقداته وقناعاته.

مع كل ذلك أعتقد أن هذا التراكم لن يدوم طويلا إلا إذا حصلت له معززات ميدانية ملموسة في مختلف الساحات والأقطار، وإلا فسنبقى كشعوب نعيش أحلامنا على أوراق المؤتمرات الحوارية الوردية، في الوقت الذي تتهيأ فيه نفوسنا إلى استقبال المزيد من التشنجات والاقتراب من حافة التنافر التام والصدام الخاطئ (لا سمح الله) بفعل تراكمات الواقع السلبي اليومي في التعاطي مع بعضنا.

المعززات الميدانية التي أقصدها هنا ليست الكلمات الطيبة والحلوة والجميلة فقط، ولا الخطابات الرومانسية المدغدغة للمشاعر، التي تشعرنا أن الأمور على مايرام وأن ما يصدر من هنا وهناك هو تصرفات شخصية لا توجد وراءها قوى فاعلة ولا قرارات نافذة، لأن هذه مع قناعة الناس بها لن تكون معززات مادامت التنافرات الميدانية تقلب كل شيء رأسا على عقب، ولن تتمكن من الصمود وعجلة الأيام تحفل بالصدمات الضارة بالوحدة والتعايش، أما مع عدم قناعة الناس بتلك المقولات الوردية فالمصيبة بلا أشك أعظم وأدهى.

وإذا عدنا إلى أوطاننا ودولنا وحاولنا الاستفادة من كل المؤتمرات التي انطلقت ونشطت وأخذت مداها كما في الحوار الوطني فأعتقد أن الشراكة وتواجد الناس بمختلف أطيافهم في كل المؤسسات والدوائر من دون استثناء ولا خطوط حمراء هو أمر كفيل بالمحافظة على توازنات مهمة في أي بلد توجد فيه تلاوين مختلفة، وهي أفضل معزز لمسيرة الحوار الحقيقي.

وعلى العكس من ذلك كلما كانت الدوائر والمؤسسات مصبوغة بلون واحد فإن الشعور بعدم الحضور والوجود بذاته يثير تذمرا ظاهرا أو مستترا، ويؤكد إحساسا بالغبن والحرمان، سواء صدق ذلك الإحساس عبر مستمسكات يصدرها واقع التفرد أم كان مجرد شعور كاذب.

الأكتاف المتراصة مع بعضها، والمشاركة في بناء الوطن والحفاظ عليه هي وحدها المخرج من تضليل الشيطان، وصوره المشوهة التي قد يرسمها في الأذهان، لأنها تجعل الكل مسئولا عن كل شيء، فلا يكون أحد خارج الدائرة وهمُّه أن يراقبها ويوجه لها النقد، أو يتخذ منها موقفا سلبيا.

ولو لم يكن للشركة إلا هاتان المنفعتان (رفع حالة التذمر وتقاسم المسئولية) لكفى بها ضرورة ملحة تدعو العقلاء إلى إدراجها على مخططات التنفيذ وتحويلها إلى برنامج عملي يتكامل مع الأيام ويتسع بسعة الوطن وتعدد أطيافه.

يكثر الحديث عن ضرورة أخذ الأشياء وقتها، وعدم الاستعجال عليها، وهو حديث سليم وصائب، لكن الخوف أن يكون الأمر شبيها بحزام الأمان الذي يجب على السائقين الالتزام به أثناء القيادة، الذي بدأنا الحديث عنه منذ أكثر من عشر سنوات لكننا نتباطأ في تحويله إلى قانون ملزم، ونعيد في كل عام برامج التثقيف والتدريب عليه، حتى أصبحت تلك البرامج مملة ومنفرة.

إنني أميل إلى ضرورة البدء العملي للكثير من توجيهات وتوصيات حامي الحرمين الشريفين، وأعتقد أن الواقع العملي سيصنع ثقافة تعجز الكلمات عن صناعتها، وسيوجد صلابة لمحبيها والمتأملين لها توازي ثقافة العناد والتفرد، لتكبر ثقافة الحوار وتعلو وتثمر، ولو أخذنا مشهدا استطلاعيا لآراء الناس وأبناء المجتمع لوجدنا أخياره والمعتدلين فيه وعقلاءه هم نسيجه الأكبر والأكثر.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2166 - الأحد 10 أغسطس 2008م الموافق 07 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً