العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ

مفهوم المؤامرة والعدو في الثقافة العربية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

مفهوم المؤامرة والعدو الأجنبي هو من المفاهيم المتجذرة في الثقافة العربية، وليس معنى ذلك أن هذا المفهوم حكر علينا وصناعة خالصة لنا ولكن تشاركنا فيه ثقافات أخرى بأقدار ونسب متفاوتة، كما أنه لا يعني عدم وجود هذا المفهوم على أرض الواقع بل إن عدم وجوده يُعد أمرا غير منطقي لاختلاف المصالح والتوجهات بين الأفراد والجماعات والدول، كل يسعى لمكاسب نفسه بغض النظر عن مصالح الأفراد أو الجماعات أو الدول الأخرى، كما لا يعني ذلك ضرورة نقد هذا المفهوم والدعوة للتخلص منه أو الحد من أن نجعله مسيطرا على تفكيرنا وسلوكنا، ومن ثم الحيلولة دون توجيه نقد إيجابي لسلوكنا وفكرنا وتصوراتنا وتصرفاتنا، ومن ثم تحسين أوضاعنا بمنهج منطقي يعتمد على دعامات أساسية، هي منطق الشك الذي هو طريق الوصل لليقين، ومنطق البناء التراكمي في الفكر والسلوك، ومنطق عدم الرضا عن الذات والخنوع وإلقاء المسئولية على الآخرين.

ونقول إن هذا المبدأ أو مفهوم المؤامرة والعدو، أو ما يصطلح أن نطلق عليه منطق لوم الآخر، والبحث عن كباش فداء، بدلا من منطق التحليل العلمي الصحيح للعوامل الداخلية والخارجية، ولمصادر القوة والضعف وللفرص والتحديات ومعالجة ذلك بأسلوب علمي عقلاني هادئ وسليم.

ونسوق بعض الأبيات الشعرية للدلالة على عملية التجذر هذه حيث يقول شاعر عربي:

لا تلم زندي إذا السيف نبا

صح مني العزم والدهر أبى

هنا نجد عمق مأساة الثقافة العربية المتمثل في ثلاثة عناصر هي:

- رفض قبول أي لوم أو نقد.

- اعتبار أن مصدر الخطأ هو الآخر وإلقاء المسئولية عليه.

- الاعتماد دائما على الارتجال والاتكالية.

فالسيف هو الذي اخطأ، والدهر هو العدو الخارجي المتآمر الذي رفض الانصياع لإرادتنا. أما منهج التدريب والاستعداد الذي يدل على حقيقة العزم والإرادة فلا وجود له.

ولنسوق بيتا من الشعر العربي يعبر عن موقف مختلف، ولكنه في مضمونه يعكس بصورة عكسية الثقافة العربية السائدة.

وإذ يقول بيت الشعر ما يلي:

نلوم زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

الشاعر هنا يعبر عن الحالة السائدة في توجيه اللوم للآخر ويسعى لتقديم تصحيح ونقد لهذه الحالة أو الثقافة السائدة بتوجيه النقد للذات وهذه حالة نادرة.

إن من يتابع الحوادث السياسية والاجتماعية والاقتصادية العربية يلمس عملية الهروب ورفض النقد وإلقاء المسئولية على الآخر المعروف أو المجهول لا يهم، إنما الجوهر هو أنني لست مسئولا، وأنني ممتاز وأن المؤامرة أو الطرف الآخر هو المسئول.

ولنذكر بعض النماذج لهذا الموقف:

بالنسبة إلى الحوادث المرورية نجد أنه لا يمر يوم من دون وقوع عدة حوادث في الطرقات بعضها قاتل وبعضها أقل خطورة بالنسبة إلى الأرواح وإن لم يكن أقل خطورة بالنسبة إلى الممتلكات وتحليل الحوادث نجد شبابا في العشرينات وأحيانا أقل يسوقون بتهور ويرتكبون حوادث تودي بحياة الكثير منهم فمن نلوم في هذه الحالة، ومن المسئول عن تهور الشباب أليس عدم التنشئة السليمة. هل يمكن أن نلوم شابا صغير السن على أي عمل طائش إذا اتيحت له الفرصة بلا مسئولية ولا تربية؟ إن الذي يجب ان يوجه لهم الاتهام الأول هم الآباء. أما المتهم الثاني فهو أجهزة المرور التي عليها ان تراقب الطرق وتضع العقاب الرادع والمتهم الثالث هو المجتمع الذي ينبغي أن يوجه الشباب نحو عمل مفيد وسلوك حميد وليس تركهم لقمة سائغة للتهور وطيش الشباب.

أما نموذج الحوادث السياسية فنسوق مثالين أحدهما من تاريخ النظام الناصري وثانيهما من سلوك نظام حزب الله في لبنان وربما ناصري أيضا نسبة إلى حسن نصرالله. فنظام عبدالناصر وربما هو شخصيا صرخ بعد هزيمة 1967 التي أسماها المفكر الناصري المعاصر محمد حسنين هيكل بالنكسة، وقال عبدالناصر إنه كان يعتقد أن الطائرات الغازية ستأتي من الشرق أي من ناحية «إسرائيل» فجاءت من الغرب من ناحية ليبيا. وهي في جميع الحالات طائرات إسرائيلية. هل هذا معقول لقائد عسكري وزعيم سياسي؟

أما حسن نصر الله وبعد نصره ووعده الحق الذي أدى لحرب في لبنان في يوليو/ تموز 2006 استمرت 33 يوما، دمرت خلالها «إسرائيل» البنية التحتية للبنان. فقد خرج نصرالله بعد انتهاء الحرب وفي لحظة صدق مع النفس قال لو كان يعلم أن «إسرائيل» سترد بهذا العنف وستحدث هذا الكم من الدمار ما كان سيأمر بخطف الأسيرين الاسرائيليين. ومرة أخرى نقول هل هذا معقول من زعيم بقدر حسن نصرالله. الأنكى من ذلك هو أن كلا من عبدالناصر وحسن نصرالله أعلن انتصاره على «إسرائيل» وأميركا واستدلا بأن الهدف هو كسر إرادتهما والقضاء عليهما، ومادام الأمر كذلك، ومادام كلاهما مازال على قيد الحياة، وحزبه أو دولته لم يقض عليها نهائيا، فإنه يكون بذلك قد انتصر. أي تحويل مقياس النصر والهزيمة إلى مستوى بالغ الشخصانية. في حين «إسرائيل» تنظر من الزاوية الأخرى تشكل لجنة لبحث وتقييم ما حدث لأخذ العبرة منه. واللجنة توجه المسئولية للقيادة وتبرز جوانب القصور ويقرر رئيس الوزراء تنحية القائد العسكري أي رئيس الأركان، كذلك تغيير وزير الدفاع في حين بلادنا فإن اللجنة المشكلة لدراسة وتقييم كارثة 1967 ألقت المسئولية على الجانب المنهزم من القيادة ثم إبعاده ثم القضاء عليه، أما النصر الحق ولأنه من عندالله الذي لا نعرف كيف يصدر أوامره للبشر، فهو فوق التقييم وفوق النقد، بل ينبغي أن يستمر كذلك، ويحصل على مكاسب، وعلى من يعارضه أن يكون خائنا مهما كانت نوعية المعارضة حتى ولو مجرد تغيير موظف مثل مدير أمن مطار بيروت من موقعه. وهكذا الثقافة العربية راضية عن ذاتها، رافضة النقد الذاتي، معارضة للتغير، متهمة الآخرين بأشد الاتهامات. أبَعْدَ ذلك يمكن ان ننتصر أو نتقدم.

وعلى المستوى الاقتصادي فإن العدو دائما موجود الاتهام له، فالغلاء سببه الارتفاع العالمي للأسعار ونقص الغذاء سبب اتجاه أميركا والدول المتقدمة لاستخدام الموارد الزراعية للطاقة، أزمات الحديد والأسمنت والرمل سببها العالم الخارجي وزيادة الطلب على هذه الموارد من الصين والهند.

وكأن الصين والهند وأميركا هي الشيطان، ونحن الملائكة، وهل عليهم أن يظلوا متخلفين حتى لا نوجه اللوم على أية كارثة تحل بنا.

على المستوى العلمي والتكنولوجي المتدني في بلادنا العربية فإن المسئول أيضا ليس إهمالنا وتبذيرنا في الإنفاق المظهري، وتقتيرنا في الإنفاق على البحث العلمي وعدم الجدية في البحث والتعليم والدراسة، وإنما المسئول هو العدو الخارجي الذي يحجب عنا التكنولوجيا وكأن الدول المتقدمة تنفق على البحث العلمي وتعطيه لنا مجانا أو صدقة. هل هذا تفكير عقلاني؟

وفي مجال العمل العسكري نوجه اللوم إلى معاهدة كامب ديفيد بين مصر و «إسرائيل»، إنها هي التي أتاحت لـ «إسرائيل» العدوان على لبنان العام 1982، ثم على العراق وضرب مفاعلها النووي العام 1981، ثم ضرب الانتفاضة وحصار جنين وغيرها من الحوادث منذ العام 1977 وحتى 2008 المسئول عن كل كوارث العرب هو السادات وكامب ديفيد. هل هذا تفكير منطقي وعقلاني وأين باقي العرب وأموالهم وجيوشهم وشعاراتهم للصمود والتصدي، وأين مؤتمرات القمم العربية وقراراتهم. وهل احتاجت «إسرائيل» لتحقيق ديمقراطيتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي لفترة استرخاء وراحة حتى تحقق ذلك، إنها تبني وتحارب في الوقت نفسه.

وفي مجال الأداء الإداري البسيط تسقط طائرة مصرية على خط القاهرة نيويورك فتتهم فيها «إسرائيل» والولايات المتحدة وتنتشر إشاعات بأنها كانت مستهدفة لأن بعض ركابها كانوا من العسكريين الذين حصلوا على تدريب في أميركا ولذلك سعت «إسرائيل» للتخلص منهم، هل هذا كلام عقلاني؟ وأين أجهزة أمن الطائرة؟ وأين مسئولية الصيانة؟ أين مسئولية قيادة الطائرة ونحو ذلك. كل هذا لا يهم، المهم وجود عدو خارجي نلقي عليه المسئولية ونروج لها حتى نرتاح في ضميرنا ونقنع شعوبنا بذلك.

هذه نماذج من ثقافة خلق العدو، وافتعال المؤامرات الخارجية، وكما سبق وأوضحنا أن العدو دائما موجود، وإن لم يكن موجودا فيمكن اختراعه، أما العدو الداخلي لأنفسنا والمعادي لتقدمنا والكامن في ذاتنا، فلا نتحدث عنه، وننسى قول القرآن الكريم «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد: 11)، وقوله «وفي أنفسكم أفلا تبصرون» (الذاريات: 21) وقول النبي الكريم «كما تكونوا يولى عليكم» وقول أحد الحكماء «من أعمالكم سلط عليكم».

ولقد انتقلت عدوى خلق العدو وافتعال الأزمات وإلقائها عليه للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، فكل شيء مرجعه الارهاب الذي يستهدف أميركا والغرب والحضارة العالمية، والإرهاب مرجعه القاعدة، وكأن هذه القاعدة أصبحت تمتلك أقوى الجيوش في العالم، ولديها مراكز أبحاث تفوق ما لدى أميركا وأوروبا ولديها أحدث مراكز التكنولوجيا المتطورة. إن الفكر العقيدي الايديولوجي هو فكر قائم على عدم نقد الذات والرضا عنها بإدراك ووعي حقيقيين أو حتى غير حقيقيين، وفي الوقت نفسه توجيه الاتهام للآخر المختلف وتحويله إلى عدو مفتعل والترويج لذلك. ولهذا لا عجب أن الرسول الكريم ورد عنه حديث معناه مازال الرجل يكذب فيصدقه الناس، ثم يكذب فيصدق نفسه ويصدقه الناس ثم يكذب فيصدق نفسه ويكذبه الناس. إن هذه حلقة من عملية افتعال العدو ورفض مواجهة الحقائق والوقائع، إنها حالة من الاسترخاء الذهني ورفض التفكير العقلاني المنطقي النقدي للذات، وهنا مكمن الخطر والخطورة على الأفراد والأمم الشعوب.

إننا في حاجة لإعادة النظر في مفاهيمنا وثقافتنا وتصوراتنا للتخلص من عناصرها السلبية وتعزيز عناصرها الإيجابية حتى يمكننا أن ننطلق في معراج التقدم.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً