العدد 2171 - الجمعة 15 أغسطس 2008م الموافق 12 شعبان 1429هـ

بشت الشيخ(منوعات)

حينما كانت ساعات الظهيرة تشتعل بنار الشمس المسلطة على رؤوس العباد، جال ذاك الرجل المسن في شوارع المنطقة الدبلوماسية، وهو يرتدي «بشته» الأسود، ما يعني المزيد من الحرارة نتيجة اللون وقماش «البشت» اللذين جعلاه «حمام سونا» متنقلا.

أشفق أحد المارة على الرجل مما هو فيه، فتوقف جنبا ليقله، مستهلا الحديث بالسؤال «أهلا يا شيخ، كيف حالك»؟ الرجل رد من دون نفس «أنا بخير ولكنني لست شيخا»، فأبى سائق السيارة إلا أن يكون هذا الرجل شيخا في كل عبارة كانت تخرج منه، وكان الرجل يرد كل مرة «لست شيخا ألا تفهم»!

خجل السائق من عصبية الرجل، فهمس له متسائلا «ما سر هذا البشت الذي ترتديه في هذا الحر إذا؟»، فأجابه الرجل «هذا البشت حصلت عليه هدية، وتفاجأت بأنني حين لبسته أول مرة متقيا البرد أن الجميع يعاملني باحترام كما فعلت أنت الآن، وبعد ذلك لاحظت أنني أحصل على أفضل مجلس حينما أرتاد أي مكان، وتنجز معاملاتي في الوزارات والإدارات الحكومية بشكل أسرع، والكل يتهيب حقيقة من يرتدي هذا البشت، وما أنا في النهاية إلا شخص بسيط أجهل قطعا القراءة والكتابة»!

تراجع السائق مستندا إلى مقعده وخاطبه «إذا فأنت تخدع الناس؟»، فأجاب «هم الذين ينخدعون ولا دخل لي بذلك»، فأوقف السائق السيارة وطرد الرجل من السيارة حنقا على ما أصابه من خديعة.

الكوميديا السوداء في الموقف السابق هي أن الرجل المسن أدرك ببداهة تقدير الناس لما يلبس، فاتخذ من لبس البشت وسيلة كي يكسب الاحترام والتقدير، بينما المئات يجولون في الوزارات والمؤسسات والشركات كل يوم من دون أن يعتبروا لقاعدة «البس ما يشتهيه الناس»، مهملين بذلك مظهرهم الخارجي، وهو ببساطة أمر يمكننا أن ندرك معه السبب في ضرورة تغيير نمط تفكيرنا نحو اتخاذ اللبس النظيف والمرتب كي نحقق احترام ذاتنا قبل أن نكسب احترام الآخرين، ولا أجد العيب إلا فيمن يجاهرون بفكرة أن «الاحترام الذي سألقاه للبسي لا حاجة لي فيه»، إذ إن الاحترام في النهاية والبداية احترام وتقدير للذات، ومن ثم للآخرين الذين نتعامل معهم، والذين سيعاودون تاليا احترامهم للشخص.

العدد 2171 - الجمعة 15 أغسطس 2008م الموافق 12 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً