العدد 2179 - السبت 23 أغسطس 2008م الموافق 20 شعبان 1429هـ

أساليب المداهَمة... وتهييج القرى المسالِمة

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

أكثر من 20 دورية أمنية مدججة بقوات مكافحة الشغب كانت هدية أحد مسئولي وزارة الداخلية لقرية بوري بعد ليلة واحدة فقط من إجراء قرعة مسابقة الحاج حسن العالي الثقافية التي تحتضنها القرية للعام الخامس تحت شعار «البحرين وطن الثقافة»، وبرعاية وزير الإعلام جهاد بوكمال!

لم يلقَ المسئول أجمل من هذه الهدية ليقدمها إلى القرية التي تسعى جاهدة منذ سنوات لتكون محطة الثقل الثقافي في البحرين، ولم تشفع للقرية المسالِمة قدرتها على إبقاء أجوائها هادئة على رغم الاضطرابات التي شهدتها بعض المناطق المجاورة لها، كما لم يشفع لها سجلها الحافل بالأنشطة الثقافية (الجامِعة) على مستوى البحرين، كتدشين المركز الشامل الأول من نوعه بحرينيا ودار رعاية الوالدين، ومهرجان الملا عطية، ومسابقة «العالي» التي تجمع المراكز الثقافية من الطائفتين الكريمتين، ومسابقة الولاية التي تجمع مراكز التعليم الديني في المملكة العزيزة، وغيرها، كل ذلك لم يكن رادعا عن مباغتة القرية الآمنة.

أسكتوا ضحكات الأطفال

بوري التي زُينت جدرانها بمخطوطات جميلة بدلا من الكتابات الاحتجاجية، في حين لم تشهد شوارعها مظاهر الحرق والتخريب طوال فترات الاحتقان الأمني الأخيرة، ولم يألف أطفالُها مناظر الشغب، كانت على موعد مع حصار أمني مفاجئ فرضته قوات مكافحة الشغب التي ملأت أرجاء القرية من أجل إيقاف احتفالية دينية فحسب.

الاحتفالية، لِمن لم يكن حاضرا، نظمها أحد مآتم القرية على مساحة مفتوحة أما بوابته، يتوسطها علم البحرين بحجم 3 أمتار، وعلم كبير آخر للمملكة على المنصة، وهذا قلما يحصل في مناسبة دينية في البحرين، وهو ما لم تلتفت إليه الوزارة. وأخذت الاحتفالية طابعا ترفيهيا اشتمل على مجموعة من الأناشيد الدينية البحتة لبعض المنشدين، في جو عائلي بهيج جمع أبناء القرية وسط تفاعل كبار السن ووجهاء القرية ورجالاتها ونسائها وتصفيق الشباب وضحكات الأطفال الذين يبحثون عن متنفس لهم وسط الأجواء الساخنة.

هذا الجو الجميل الذي لم يستمر طويلا، أزعج على ما يبدو بعض مُصدّري القرارات في الداخلية، التي كانت تعلم بالفعالية منذ أكثر من أسبوع عبر الإعلانات المنتشرة، إذ قامت الدوريات بتصويرها بمرأى الأهالي. وانعدمت لدى الوزارة أساليب الاتصال والاستفسار في إطار (الشراكة المجتمعية)، ونست أن هناك نائبا برلمانيا ورئيس مجلس بلدي يمثلان المنطقة وبالإمكان وضعهما في الصورة لتفادي أي تصعيد، وتجاهلتهما كالعادة، وارتأت بدلا عن ذلك مداهمة القرية وفرض طوق أمني على منافذها، وتهديد المنظمين بإنهاء الاحتفالية خلال دقائق، وإلا... «العقاب الجماعي المعهود»!

الأمر الملفت هو تعامل المنظمين الحضاري مع الضابط المسئول وقوات الشغب التي نزلت إلى الشارع بانتظار شارة البدء، فالمنظمون لم يكتفوا بتهدئة الأمور وإزالة ما تم الاعتراض عليه، بل قدموا لرجال مكافحة الشغب موائد الطعام التي كانت توزع على الحاضرين، وقالوا لهم: تفضلوا... واطمئنوا، نحن أحرص على أمن قريتنا ومملكتنا.

ماذا لو انفلت الوضع؟

ولكن السؤال الذي طرحه رجال القرية وغاب عن مصدّري القرار هو: ماذا لو أُطلق مسيل الدموع وانفلت الشارع؟ وهل يدري الوزير ويرضى بهذا القرار الذي كاد يحول القرية إلى «مالكية» ثانية؟ وخصوصا أن بوري التي زارت وفودها جلالة الملك وأمر بتنفيذ احتياجاتها بسرعة قبل أكثر من 4 سنوات، ثم زارت وفودها رئيس الوزراء العام الماضي ووجّه الوزراء إلى تعجيل مطالبها الخدمية نفسها، مازال شارعها الرئيسي معطلا منذ أكثر من عامين، ومازالت مطالبها كلها معلقة، بما فيها أرض لأكثر من 200 طلب إسكاني.

همس زميلي في أذني قائلا: كل شيء تبدل وتطور في «الداخلية»؛ الملابس والسيارات وغيرها... إلا طرق التعامل في هذه المواطن الحسّاسة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2179 - السبت 23 أغسطس 2008م الموافق 20 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً