العدد 2207 - السبت 20 سبتمبر 2008م الموافق 19 رمضان 1429هـ

نساء متعلمات وبطالة... لماذا؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في إعلان لوزارة العمل نشر حديثا جاء فيه أنّ نسبة العاطلين عن العمل انخفضت إلى (3.80 في المئة)، وإنّ للنساء الحظ الأوفر من تلك النسبة، إذ وصلت إلى (3.30 في المئة) تقريبا. لفت الوزير إلى إنّ العدد الإجمالي للعاطلين لشهر أغسطس/آب الماضي بلغ (5569 عاطلا منهم (758 من الذكور) و(4811 من الإناث) من إجمالي القوى العاملة الوطنية البالغة (145,000عامل) «انظر: الوقت، عدد 931 ،8/9/2008».

لو سلمنا جدلا بصحّة البيانات الرسمية المعلن عنها، وحتما سنصدقها، إلا إننا سنضع في الاعتبار أمورا أخرى كاحتمال عدم تسجيل بعض العاطلين من الذكور أو الإناث في سجلات قيد البطالة، ذلك على رغم الإعانات التي تدفع كمستحقات ضد التعطل، فضلا عن عدد الفئات التي قد لا تنطبق عليها شروط تلك الإعانة، عندها ستكون هذه البيانات بحاجة إلى معالجة مختبرية جديدة واستكمال، فالمعلن عنه من نسب، هو مجرد أرقام تحتمل التعبير عن ظاهر المشكلة بيد إنها لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الواقع، خصوصا مع استحضار معايير مكّملة، كمستويات الأجر وطبيعة الوظيفة وظروفها وساعات العمل والعلاوات والبدل الإضافية والتأمين الصحي وما إلى ذلك، فكلها عناصر ومحفزات تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة في تحديد اتجاهات النساء للوجود في سوق العمل من عدمه، وبالتالي تؤثر في ارتفاع أو انخفاض نسبة البطالة في أوساطهن.

ثمة حقائق أخرى تتعلّق بنسبة بطالة النساء المعلن عنها والبالغة (3.3 في المئة)، فهي في واقعها وعند إعادة احتسابها بالنسبة إلى العاطلين البحرينيين عن العمل فإنها تمثل (86.39 في المئة). وهذا الرقم بحد ذاته مخيف للغاية. لماذا هو مخيف ومرعب للغاية؟ لأنه مجرد نموذج حي يكشف الغطاء عن واقع مختل يستوجب البحث عن أسبابه ومسبباته، وذلك لما له من تأثير سيء على خطط التنمية وبرامج تمكين المرأة ووجودها كشريك مجتمعي فاعل، ما يعني أنّ هذا الرقم يشكل تحديا فاقعا للقائمين على تلك الخطط والبرامج ويفترض أنْ يُقرع لها جرس مزعج للتركيزعلى عدّة نقاط :

الأولى: النظر إلى المؤشرات التعليمية التي تبين حصول النساء على فرص متساوية من التعليم مع الرجال مسنود على قاعدة دستورية، فضلا عن الدرجات العلمية الرفيعة المتحققة لبعضهنّ، وملاحظة انخفاض نسبة الأمية في أوساطهنّ حتى العام 2001 إلى (17 في المئة)، يُضاف إليها نسبة الحاصلات منهنّ على تعليم ثانوي وما فوقه تفوق (70.15 في المئة) حتى العام 2001 مقابل (69.96 في المئة) من الرجال بحسب التقارير الرسمية، وبالتالي هذا الوضع يعد متقدما نسبيا، ويطرح سؤالا حائرا يتلّخص في الآتي: ما دامت المرأة متقدّمة على المستوى التعليمي، فلماذا ترتفع نسبة بطالتها قياسا إلى بطالة الرجال؟ هل ثمة خلل في المخرجات التعليمية مثلا؟!

الثانية: الدستور والقوانين في مجملها تحفظ إلى حد ما، للبحرينيات حق العمل والمساواة في فرص التوظيف بالإضافة إلى حصولهنّ على الأجر نفسه، وهناك إجراءات مستحدثة تتعلق بتنظيم تشغيلهنّ وفرت بيئة لا بأس بها لجهة خروجهنّ إلى مجالات العمل، كحق التمتع بساعتين رضاعة يوميا في القطاع الحكومي بدلا من ساعة واحدة ولمدة عامين وما إلى ذلك، وعليه، إذا كانت بعض ظروف بيئة العمل قد تحسنت نوعا ما فلماذا ترتفع نسبة البطالة في أوساطهن مقارنة بالرجال؟

أما الثالثة، في حقيقة الأمر فهي إنّ المتأمل لطبيعة عمل البحرينيات سيجد أغلبهنّ في الوظائف الدنيا والوسطى الخدماتية، نقر أنّ قياس هذه الظاهرة يحتاج إلى رصد ومسح ميداني، ولكن ثمة ما يفرزه واقع العاملات كنموذج في قطاع مصانع الملابس الجاهزة ورياض الأطفال، يشيء بوجود فصل تعسفي بحقهن وانخفاض في أجورهنّ وحتى عدم إدراجهنّ في نظام التأمينات الاجتماعية وبالتالي حرمانهنّ من الاستفادة من مزايا التقاعد والعجز عن العمل بالإضافة إلى انعدام العلاوات والبدلات والحوافز التشجيعية وما شابه. هذا الواقع في حقيقته لا يشجّع على العمل ولا يتناسب ألبتة مع المستويات التعليمية المتحققة للمرأة البحرينية، كما إنّه يتضارب في الشكل والمضمون مع برامج تمكين النساء التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام. وعليه من المسئول عن هذه البيئة؟!

في هذا الإطار، يجوز طرح أسئلة كثيرة وفي اتجاهات مختلفة للجانب الرسمي، منها ما يتعلّق بوجود قصور وخلل في تطوير القوانين والإجراءات المتعلقة بتشغيل النساء وبرامج تمكينهن، وللمجتمع من زاوية التركيز وبشدة على خفايا تأثير الأعراف والتقاليد والثقافة السائدة في فعلها المستتر كقوانين تحد من خيارات النساء وترسمها باتجاه ما يرتضيه المجتمع ويرغبه ويقرّه فيما يتعلّق بعملهنّ خارج محيط البيت، خصوصا أنّ هناك تقديسا للعلاقات العائلية والاجتماعية عند تحديد طبيعة أدوار المرأة وأولوياتها التي من بينها حتما المشاركة في سوق العمل، آخذينَ بعين الاعتبار انفتاح السوق ومظاهر الاقتصاد الحر الذي يستلزم من القوى العاملة إجمالا ساعات عمل طويلة ومرنة قد تفوق الثماني ساعات يوميا وربما يتطلب العمل مساء في بعض المواقع، ما يعنى إطالة خروج المرأة إلى المجال العام واختلاطها بالرجال، هذا في الوقت الذي يلحظ فيه ارتفاع الأصوات الدينية المتشددة والمحافظة التي تشجّع على تزويجها مبكرا لضبط إيقاع علاقتها الأسرية وواجباتها كأم وزوجة، وذلك أمّا بعودتها نهائيا إلى البيت معززة ومكرمة والتوقف عن الشحططه والنزول إلى سوق العمل، وهو غالبا ما يتم بمجرد زواج الفتيات، وأما وتحت ضغط الحاجة المادية والعوز، فلا بأس من عملها ولكن إلى فترة محدودة من الزمن، ومن ثم دفعها طوعا إلى التقاعد المبكر الذي يستدبح بعض نواب البرلمان لإقراره، بهدف ضمان مردودا ماليا من معاشها التقاعدي يساعد الأزواج أو الأسر. وبذلك يضرب عصفورين بحجر، مادي نفعي من جهة، وقيمي أخلاقي من جهة أخرى يؤمن من خلاله الستر بحجر النساء في البيوت والمحافظة عليهنّ، وعلى كرامتهنّ، وعدم تعريضهنّ لملوثات الجو العام، والاختلاط بالرجال.

بعبارة أوضح، إذا كانت هذه هي أبرز الأسباب الحقيقة وراء ارتفاع نسبة بطالة النساء البحرينيات، إذا لا يجوز اقتصار البحث عن مسئولية هذه المعضلة عند الدولة وبما تشرّعه من قوانين وتضعه من استراتيجيات وخطط وبرامج فقط، إنما لابدّ من تجاوزها وتوجيه سهام الأسئلة للمجتمع وللكتل البرلمانية وللقطاع الخاص وللمرأة ذاتها؟ فالجميع مسئول والمرأة أيضا مسئولة عن هذه النسبة المخيفة والمخجلة في آن

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2207 - السبت 20 سبتمبر 2008م الموافق 19 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً