العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ

الكويت تدفع ثمن «ديمقراطيتها» والجيران يسجلون معدلات تنمية عالية

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

بحسب الإحصاءات المتوافرة، هناك نحو 185 مليار دولار هي قيمة المشروعات المؤجلة في الكويت. وبحسب المتداول في الأوساط الاقتصادية والسياسية هناك قائمة من المشروعات الكبرى التي مازالت تنتظر من يفرج عنها منذ سنوات وبعضها دفن والآخر ينتظر دوره.

يعني هناك من يعطل التنمية في الكويت ويعرقلها ولعل تصريح وزيرة الإسكان ووزيرة الدولة لشئون التنمية الإدارية لصحيفة «القبس» الكويتية بأن البلد مشلول والتنمية معطلة إعتراف صريح بواقع الأمر ومن شخصية حكومية لديها معلومات ومعطيات وإن كان هذا الكلام يحسب عليها ولا يحسب لها، الناس أدمنت على جلد الذات والشكوى تحولت إلى ظاهرة مرضية والغالبية تتحدث بلغة الإحباط واليأس.

أنظروا ماذا يحدث في قطر والإمارات والسعودية وكيف تقام المشروعات الكبرى وآلية عملها وفترة التنفيذ التي تستغرقها... مدن بأكملها تبنى ومشروعات بالمليارات تنتهي بمواعيدها ولا صراخ ولا كلام، يعني التنمية ماشية والبلد ينمو ودورة المال تأخذ مداها من حيث الاستفادة والتوظيف والتشغيل... بعكس الكويت التي تسبق الآخرين والجيران بالأفكار والمبادرات لكنها تأتي في المؤخرة من حيث التنفيذ والإنجاز...

الموضوع ليس إنشائيا ولنعدد جملة من المشروعات الكبرى التي ماتت وهي تتنقل من مؤسسة إلى أخرى وتدرس في اللجان وتناقش بالإعلام والمجالس النيابية والوزارية وإن لم تمت فهي على الأقل صارت سلعه للابتزاز والمساومات بين الحكومة والمجلس...

المصفاة الرابعة أساسها بني على مدى احتياجات الكويت للوقود خصوصا في قطاع الكهرباء تركز على المنظومة الثلاثية المتعلقة بالسلامة والصحة والبيئة، طرحت كفكرة منذ العام 2001 وبدأت الدراسات حولها العام 2003 وقدرت الكلفة الأولية بعد إقرارها من المجلس الأعلى للبترول بنحو 3 مليارات دولار العام 2008 ولم تنته بعد من النقاشات داخل أروقة مجلس الأمة والحكومة لأن مجلس الأمة يعمل على تحويل المشروع إلى لجنة المناقصات والبت فيه، بينما الحكومة تقول إن لا حاجة لنا بذلك، وما بين تصعيد النواب وضعف الحكومة وترددها ضاعت المصفاة الرابعة وتضاعفت كلفها مئات الأضعاف...

مشروع آخر سبقه يندرج تحت العنوان نفسه تطوير أربع حقول نفطية في الشمال تحوي 185 بئرا بهدف الوصول بإنتاج النفط وعلى المدى البعيد إلى 4 ملايين برميل يوميا قامت الحكومة بعرضه العام 1997 بكلفة 7 مليارات دولار تقريبا ووافق عليه مجلس الوزراء العام 2000 وأقرت صيغة قانون تنظم الاستعانة بالشركات الأجنبية في مجال استخدام تكنولوجيا حديثة باستخراج النفط، تعطل المشروع بسبب الصراع الدائر بين الحكومة والمجلس على موضوع التملك وحدود المشاركة النفطية من قبل الشركات الأجنبية والنتيجة أن الدولة فقدت 8 مليارات دولار على أحسن تقدير نتيجة إيقاف الإنتاج بتلك الحقول خلال 3 سنوات فقط وترتب على ذلك عدم وجود طاقة إنتاجية احتياطية والخسائر تراوحت العام 2008 بين 15 و 20 مليار دولار، يعني نحو 11 سنة والمشروع مازال حبيس النقاش والطرح والمواجهة بين «المجلسين» الأمة والوزراء...

مثال آخر على المشروعات الكبرى المؤجلة بتنفيذها والانتهاء منها هو مشروع تطوير المنطقة الشمالية التي تضم مدينة الصبية وجزيرة بوبيان وتحويل هاتيتن المنطقتين إلى مركز تجاري وإقتصادي عالمي، يربط هذه المناطق في الكويت بإقامة جسر على طراز دولي هو جسر الصبية الذي اختلفت بلدية الكويت مع وزارة الأشغال على المسار الذي سيسلكه الجسر! كلفة المشروع كانت بحدود 7 ملايين دولار قفزت إلى 15 مليون دولار والمشروع بدأ العام 1999 ووافق المجلس البلدي على إنشاء الجسر العام 2000 ثم أوقف في فترة من العمل بسبب اعتراض شركة نفط الكويت على المرحلة الثالثة لتعارضه مع أراض غير متنازل عنها من قبل الشركة... أي أنه استغرق تسع سنوات في حين أن مدة الإنجاز خمس سنوات وتسبب بالتالي بزيادة الكلفة وأظهر عجز الإدارة الحكومية على القدرة بالتنفيذ والمتابعة...

وبالطبع القائمة لا تنتهي بدءا من مشروع إعادة إعمار تطوير جزيرة فيلكا وجزر الكويت والمدن التابعة منذ العام 1996 ومرورا بمدينة جابر الأحمد الإسكانية ومدينة خيران وصولا إلى قانون الخصخصة الذي لم يقر بعد وأن تم الإنتهاء منه في اللجان البرلمانية.

ماذا يعني هذا الكلام؟ ومن يعطل التنمية في الكويت؟ هل المشكلة بالممارسة الديمقراطية أم بالحكومة؟ وهل المسألة تتصل بالصراع على المال والمصالح والتنافس بين أصحاب النفوذ على «الكعكة» كما يقولون؟

الأسئلة صارت من الماضي والمواجهة تزداد حدة والاتهامات على أشدها وكل يشهر سيفه بالدفاع عن نفسه وعن موقفه...

النواب يتهمون الحكومة بالضعف والتقاعس عن ممارسة دورها ووضع الخطط التنموية موضع التنفيذ، فلا برنامج عمل حكومي يتم الالتزام به أو إخراجه إلى النور ومجلس وزراء يشكل وفقا لآلية هدفها احتواء السلطة التشريعية ومجاملة العوائل والقبائل والفعاليات التجارية وبالتالي إيجاد حكومات تقوم على الترضيات مع القوى السياسية كما يصرح بذلك النائب فيصل المسلم.

أنصار الحكومة والواقفون بالصف الآخر يعتبرون أن المجلس هو المعطل الحقيقي للتنمية والعائق أمام تنفيذ المشروعات الكبرى، والذي لم يخرج إلى النور أي مشروع كبير يمكن الاستشهاد به، والتنمية صارت عنده مرتبطة بالمصالح الحزبية والسياسية وليست بمصلحة الكويت.

ومن جديد المشكلة كما يزعم الاتجاه الأكبر والسائد تكمن بمجلس الأمة والممارسة الديمقراطية الخاطئة وهؤلاء كأنهم يقولون إن الديمقراطية هي سبب تأخر التنمية وتخلف الكويت عن جيرانها، فالمجلس بات ضحية الممارسة الديمقراطية لأن الذين وصلوا إلى قاعة عبدالله السالم هم الأعلى صوتا والقوى المؤثرة بالمجلس كل مجموعة لها أجندة خاصة بها والخلط بالأدوار هو أحد المشكلات العويصة التي تعاني منها الدولة، أي أن زحف السلطة التشريعية على الحكومة والتعدي على صلاحياتها من القضايا الخلافية والمسببة للإعاقة وإيقاف عجلة التنمية ولسان حال هؤلاء كأنه يقول إن الديمقراطية لا تتوافق مع التنمية وإن كانت المسألة لا تتوقف عند الاختلاف بالرؤى بالنسبة للأولويات بل تتعداها إلى القول بأن مشكلة الكويت صارت الممارسة للديمقراطية وليست النظام الديمقراطي فالخلل يبدأ من المجلس والعمل البرلماني يزداد انحدارا لأن الممارسة بالنهاية هي مسار وتاريخ كما هو شأن دول أخرى مثل سنغافورة مثلا...

أصحاب هذا الرأي «المسدود» لديهم قناعة بأن المشكلة تكمن بالقاعدة أي بالناس لأن الشعوب العربية والكويت جزء منها، غير مؤهلة بعد لممارسة الديمقراطية، فلا يجوز أن تطلع من الخيمة إلى مؤسسات الديمقراطية بلمح البصر وبسرعة خاطفة، فالخلط بالصلاحيات والأدوار هو أحد العلل، والسؤال لماذا المؤسسات عاجزة عن ممارسة دورها، قد يكون للصراع وهذا صحيح وجه مالي وسوء توزيع بالثروة لكن غياب المؤسسات الفعلية، مؤسسة الحزب ومؤسسة الدولة هو العنصر الغائب تماما عن المشهد السياسي والديمقراطي إن صح التعبير، فآليات السلطة لا تفرز قيادات كما شأن الدول الغربية والديمقراطية وأبسط تعبير عنها أن مؤسسة الحزب في أميركا أعطت الفرصة لإبن مهاجر كيني أن يكون رئيسا لأكبر دولة عظمى بالعالم من خلال المؤسسات... ومؤسسة الحزب اختارت ساركوزي على زعيم فرنسا جاك شيراك لينافسه بالرئاسة.

سلطة تزحف على سلطة، صراع مال، تخلف كامل بالممارسة الديمقراطية، غياب المؤسسات وعجزها والمسئولية تائهة بين الكبار ومن هم في واجهة العمل السياسي تلك هي عناوين الأزمة الدائمة والمستفحلة .

من الصعب أن ترى الكويت من دون ديمقراطية والأخطر منها أن يتم الترويج «لدكتاتورية رشيدة» على قاعدة أن ما يحدث في الإمارات ودبي تحديدا أو في قطر وحتى في السعودية من سباق على التنمية والمشروعات ينطلق من دون رافعة ديمقراطية تتغنى بها الكويت وتدفع ثمنها في الوقت الذي تجتاز فيه عواصم خليجية مسافات بعيدة ومتطورة ورائدة في مجالات التنمية والتطوير الاقتصادي والاجتماعي...

في هذا السياق نستعيد واقعة حصلت أيام حكم رئيس الوزراء رفيق الحريري عندما كانت ورشة إعادة الإعمار على اشدها والحديث عن الصفقات والعمولات والهدر يملأ مجلس النواب والصحافة، سأله صحافي زميل هناك... «هدر بالمشروعات يا دولة الرئيس؟»، أجابه... «أُمَّكْ بتعمل أكل وأنتم تأكلون ويبقى منه شيء بالصحن والطنجرة أليس كذلك؟»، رد عليه الصحافي، نعم، فقال عندها... «المهم أنتم كلكم أكلتم»... ويبدو أن هذا النهج له ما يشبهه بالقول والفعل..

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً