العدد 2221 - السبت 04 أكتوبر 2008م الموافق 03 شوال 1429هـ

ديوان الخدمة المدنية... لا لزوم لما لا يلزم

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عنون ديوان الخدمة المدنية رده على مقالي المنشور في صحيفة «الوسط» بتاريخ 16 سبتمبر / أيلول 2008م كما يأتي: «الخدمة المدنية أصدر التعليمات وفق القانون ولم يجتهد».

وجاء الرد على لسان الأخ ابراهيم كمال الذي عرفته موظفا مجتهدا على الدَّوام. وبما أن الاجتهاد يعني الإبداع والتطوير فلا ندري ما الحرج في ذلك مادام يتم وفق القانون.

سأتناول الموضوع هنا من جانبين:

الأول: هو قناعة الديوان بتطابق تعميمه مع قانون الخدمة المدنية. وللتحقق من ذلك دعونا نستعرض فحوى التعميم لمقارنته بالمواد القانونية ذات الصلة.

اولا: التعميم

وجه التعميم الجهات الحكومية إلى اتخاذ الإجراءات الصارمة بحق الموظفين في حال مخالفتهم القوانين. ويرى الديوان في ذلك تطابقا مع المادة (60) من القانون التي تنص على عدم جواز توقيع الجزاء على الموظف، إلا بعد التحقيق معه... الخ.

قام الديوان في تعميمه بوصف طبيعة الجزاء للجهات الحكومية, وحددها بالصرامة التي تصل إلى حد الفصل من الخدمة. وهذا يعني ضمنا أن الجزاء تم تفصيله على الموظف سلفا لجهة التحقيق سواء أكانت هذه الجهة لجنة تحقيق أم مجلس تأديب نص على تشكيلهما قانون الخدمة، ولكن من دون أثر لوجودهما، وقد يكون هذا سببا في عدم إشارة الديوان إليهما في تعميمه.

وبحسب نصِّ القانون واللائحة الدَّاخلية، فإن التوصية بفصل الموظف عن العمل تصدرها لجنة التحقيق ويقرها مجلس التأديب، من هنا فإن إقحام الديوان نفسه في تفصيل الجزاء هو تجاهل للمواد القانونية المشار اليها، وكذلك لجهة التحقيق ومن ضمنها السلطة القضائية التي قد لا ترى في النهاية أن الفصل من الخدمة هو الجزاء المناسب لطبيعة المخالفة. فأين إذن هذا التطابق بين مضمون التعميم ونص القانون؟ سؤال نتركه لذوي الاختصاص ولكل ذي لب حصيف للتمعن. وإلى حين استقراء الحقيقة يبقى تعميم ديوان الخدمة زوبعة في فنجان لا لزوم لها.

ثانيا: ليست لائحة داخلية بل قانون موازٍ

يرى الديوان في رده أن لائحته الداخلية لم تنشئ حكما جديدا يتطلب عرضه على السلطة التشريعية لكونها وضعت آليات وضوابط وإجراءات تنفذ أحكام قانون الخدمة المدنية. وأستغرب الرد ان يفوت على الكاتب بوصفه عضوا سابقا في مجلس الشورى ومديرا تنفيذيّا لديوان الخدمة مثل هذا الأمر.

ونحن بدورنا نتفق مع الديوان لو جاءت لائحته كذلك. ولمعرفة الحقيقه دعونا نقارن بعضا من مواد اللائحة مع رديفاتها في القانون، للتدليل على أنها ليست لائحة بحسب التعريف القانوني بل قانون مواز وجب عرضه على السلطة التشريعية المخوله دستوريّا وضع القوانين.

- نصت المادة (181) من اللائحة الداخلية على ما يأتي:

«لا يجوز تشغيل الإناث في أي مشروع صناعي حكومي أو أي فرع منه ما بين الساعة الثامنة مساء وحتى السابعة صباحا الا في الظروف الاستثنائية...».

هذه المادة أنشأت حكما وسنت سياسة جديدة لا تدخل من ضمن اختصاص اللائحة المتمثلة في وضع الإجراءات المنفذة لمواد القانون.

فأية مادة في القانون يا ترى تفعلها هذه المادة أو تنظم إجراءاتها؟

وهل بوسعنا عند قراءة هذه المادة اعتبارها آلية او إجراء؟ ام انها حكم جديد؟ سؤال متروك لذوي الأختصاص للإجابة عليه.

- نصت الماده (36) من اللائحة على ما يأتي:

«تنشأ جائزة تسمى جائزة الجودة وتمنح للجهة الحكومية المتميزة في تطبيق نظم إدارة الجودة، ويضع ديوان الخدمة المدنية المعايير والقواعد الخاصة بمنح هذه الجائزة».

اللائحة هنا لم تنشئ حكما جديدا فقط بل كلفت الديوان وضع المعايير والقواعد والإجراءات الخاصه بمنح الجائزة. فمن المعروف ان التكليف هو من اختصاص القانون، وأن اللائحة هي المتضمنة للإجراءات المنظمة، واذا ما تقمصت اللائحة مهمة التكليف فأية أداة ستكون مهمتها وضع الإجراءات المنفذة للقانون إن لم تكن اللائحة الداخلية؟ ألا تشكل هذه المادة تداخلا واضحا مع سلطة القانون؟

- استثنى قانون الخدمه المدنية في المادة (33) شاغلي الوظائف العليا ومن في حكمهم من التعويض عن العمل الإضافي، وهي الوظائف المشغولة بموجب مرسوم أو قرار من رئيس مجلس الوزراء ومن في حكمهم. وكذلك فعلت اللائحة الداخلية في المادة رقم (136) , ولكنها عادت في البند رقم (4) وشملت شاغلي الوظائف من الدرجة الأولى حتى الرابعة التنفيذية بالتعويض وذلك في تناقض حاد مع القانون ومع الجزء الأول من المادة (136) في اللائحة ذاتها، حيث ان هذه الوظائف هي حسب تعريف القانون هي في حكم الوظائف المستثناة من العمل الأضافي (الماده 33) والمادة (2) المتعلقة بتعريف الوظائف العليا.

- نصت المادة (13) من القانون على اشتراط اجتياز المرشح للامتحان الخاص بشغل الوظيفة، وأناطت باللائحة التنفيذية مهمة وضع القواعد والضوابط الخاصة بأنواع الامتحانات. في حين اكتفت اللائحة بوصف الامتحانات بين تحريري وشفوي وعملي ولم تتطرق إلى القواعد والضوابط التي نص عليها البند (ح) من المادة (13) من قانون الخدمة المدنية. كما تجنبت اللائحة أي ذكر للجان التي ستشرف على هذه الامتحانات واجراءات إعلان نتائجها عملا بمبدأ الجدارة الذي نصت عليه المادة (4) من القانون. وهذا التجاهل نراه واضحا في ظاهرة تحول بعض الأجهزه الرسمية إلى خلايا لمنظمات سياسية وأوكار فئوية بسبب الالتفاف على القانون.

- خلت اللائحة الداخلية من أية قواعد وأحكام تتعلق بترتيب وتقييم وتصنيف الوظائف كما نصت على ذلك المادة (8) من القانون التي كلفت اللائحة بوضعها.

- نصت المادة (16) من اللائحة على مركزية التوظيف في ديوان الخدمة، في حين يكرر مسئولوه في مناسبات عدة أن التوظيف في الخدمة المدنية لا مركزي وأن الديوان قام بتفويضه للجهات الحكومية.

- أجازت الماده (212) من اللائحة منح الموظف راتبا شاملا لجميع العلاوات في حالة استدعائه من جهة حكومية، وهذا حكم جديد لم ينص عليه القانون. كما لم توضح اللائحة طبيعة الاستدعاء.

- ألغت المادة (55) من اللائحة شرط انقضاء سنة في الوظيفة قبل الترقية والذي نصت عليه الماده (25) من القانون الذي خول اللائحة إضافة أحكام مكملة للترقية بشرط عدم تعارضها مع الأحكام المنصوص عليها في القانون. وهذا ما لم يلتزم به الديوان عند إعداد لائحته.

- تقمصت اللائحة الداخلية صفة القانون, فقد جاء نص المادة (68) من اللائحة كما يأتي:

«يصدر ديوان الخدمة المدنية الإجراءات اللازمة لمنح العلاوة الدورية السنوية».

فما دامت اللائحة هي الأداة المكلفة وضع الإجراءات فكيف تتحول إلى أداة تكليف كما لو كانت قانونا. واذا لم تكن اللائحة هي الأداة المتضمنة للإجراءات والقواعد, فما هي الأداة البديلة يا ترى؟ ألا تشكل هذه المادة في اللائحة تداخلا مع القانون الذي يعتبر الأداة القانونية المناسبة لمثل هذه المواد؟

هذه بضع أمثلة وهناك المزيد الذي ليس بوسع مقال واحد تناوله، وجميعها أمور ستشغل بال كل متأمل من السلطة التشريعية ليكتشف أن اللوائح الداخلية يمكن ان تتحول في غفلة إلى قوانين موازية، وليسدل الستار عن فصل جديد يتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات.

ففي الوقت الذي يتفق فيه الجميع على أن اللائحة الداخلية هي أداة لوضع اللوائح والإجراءات المنفذة, يصر ديوان الخدمة من جانبه على أن ما أصدره هو لائحة داخلية. ومن جانبنا نقول «ومع ذلك فهي قانون», وللإخوة في السلطة التشريعية القول الفصل.

وفي الختام نسعد كثيرا أن يكون الديوان جهازا متخصصا وحائزا ثقة القيادة السياسية كما جاء في الرد. ولكي تصبح هذه الثقة متبادلة وفي محلها لابد من استيفاء متطلباتها المتمثلة في عدم إثارة وتأجيج الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات العمالية والحقوقية المحلية منها والدولية على الجهة الرسمية وذلك بالقراءة المتأنية لمضمون القانون. فالصدى الذي أحدثه التعميم يكشف عجزا في هذا الجانب نتمنى من المسئولين في ديوان الخدمة تداركه

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2221 - السبت 04 أكتوبر 2008م الموافق 03 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً