العدد 2238 - الثلثاء 21 أكتوبر 2008م الموافق 20 شوال 1429هـ

زيادةالتلميع دليل على التلوّث

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

المتابع لخطابات وخطب رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية وخطيب الجمعة بجامع الإمام المنتظر (ع) بداركليب الشيخ حميد المبارك، وخصوصا هذه الأيام يلحظ عليها التأسيس لنمط خطابي جريء وواقعي، بالإضافة إلى كونه متزنا وراقيا، ينبع من شخصية لها وزنها الديني والثقافي والرسمي أيضا باعتبارها تتسنم منصبا كبيرا في القضاء.

من سيقرأ هذه الكلمات من متابعي الشيخ ربما سيقول: لم تأتِ بجديد. ولكن ما أود إضافته في هذه السطور لمعلومات عموم البحرينيين بشتى انتماءاتهم، وللسلطة بصفة خاصة، إننا مازلنا نمتلك في مملكتنا هذه عقولا تفكّر باتزان وتقيّم الأمور ببعد نظر ثاقب، يمكننا أن نثق في نقدها وتوصيفها للأمور، ونراهن على حياديتها عند اختلاط المواقف وتفاقم التشظيات واحتداد الأمزجة.

فالشيخ المبارك وإن حاول أكثر من طرف حصره في زاوية معينة أو تيار محدد، إلا أنه كما يبدو أصر على أن ينأى بنفسه عن التجاذبات الانتمائية، وراح يلقي بثقله في كل مرة عند محطة يرى فيها النظرة الصائبة، من دون أن يحجّم نفسه عند خطوط محدودة. وهذا التوصيف، لا يعني عدم الاختلاف مع الشيخ في بعض المواقف، ولكن ذلك الاختلاف يتيح له المبارك نفسه مساحات واسعة من خلال خطابه المنفتح والحداثي بلغة دينية رصينة، تحتضن كل من يختلف معه في دائرة من الاحترام للرأي والرأي الآخر.

غاية ما في الأمر أن نظريات قيّمة ومتعددة يدأب الشيخ على طرحها دائما، مجتمع مثل البحرين يحتاج إلى التوقف عندها مليا، (حكومة وفعاليات مجتمعية)، في ظل مناوشات دينية وسياسية أنتجتها المرحلة الحالية.

لم أكد أنهي الاستشهاد في المقال السابق بدعوة المبارك في خطبة (الجمعة) قبل أسبوعين إلى تأسيس جبهة وطنية لدعم الملكية الدستورية، حتى رأيتني مضطرا للاستشهاد بخطبة الجمعة الماضية، لما تناولته من أطروحات مهمة من شأنها أن ترفع من مضامين الخطاب السياسي فضلا عن الديني على الساحة البحرينية.

السمعة والتعامل مع النقد

في خطبته الأخيرة حاول المبارك أن يوصّف مفهوم «حسن السمعة» في إطار أكبر مما ينظر إليه بعض المسئولين، وهي نظرة حملت في طياتها ملامح التطور الحضاري (الحقيقي) للإنسان الذي يقر بأهمية التعايش والوعي الاجتماعي، ليخلص إلى أن مقياس وعي الأمة والإنسان هو النقد. ففي عصر الحضارة بحسب المبارك «ما عاد مقياس حسن السمعة أن لا ينتقد المرء، وإنما مقياس حسن السمعة كيف يتعامل المرء مع النقد الذي يوجه إليه».

بهذه الصورة استطاع المبارك أن يلج إلى نقطة حساسة تشغل الشارع السياسي هذه الأيام، ليعالجها بصورة ذكية بعيدا عن الانتصار لطرف ضد آخر، وإنما في إطار النصح الحضاري. ففي حين لفت إلى أنه لا يتقمص دور الرجل المعارض للحكومة بل يتكلم على المستوى الحضاري للإنسان، فإنه سعى بذلك إلى إيصال رسالة مهمة لمن يهمه الأمر، وهي أن «إنسان اليوم يختلف عن إنسان الأمس. فقد تطورت المفاهيم الاجتماعية والسياسية ويجب أن نعيها جيدا. لا يجب ان يغضب أحدٌ عندما يخرج تقرير بأن بلادنا فيها مشكلات سياسية واجتماعية، والتحدي هو كيف نستوعب هذا النقد، وكيف تكون لدينا القدرة على والشجاعة على الاعتراف به والتعامل معه بشفافية ونضج». نجد بين سطور الخطبة التفاتة مهمة يشدد المبارك على ضرورة إدراكها، فالأمم والأنظمة التي تتطور «هي التي تكون قادرة على استيعاب النقد والاستفادة منه».

تعامُلٌ أخاله حاذقا مع وضع حساس ومشكلة دقت عليها الطبول، في فزعة جماعية لم تُبقِ ولم تذر لوطنية أحد ممن شاركوا في ندوة النقد المشار إليها. القوّة هنا تتجلى في تفكيك العقدة التي تتهيّب منها السلطة وكل من وقف ضد ظاهرة اللجوء إلى ندوة «الكونغرس»، بنَفَس هادئ وخطاب أكثر هدوءا، يريد أن يؤصل لقاعدة مهمة جدا، تحتاجها السلطة كما تحتاجها كل مؤسسات العالم الرسمية والأهلية، وهي أن التحدي ليس في مصدر النقد ولكن كيف نتعامل مع النقد.

زمن التلميع ولّى

خطاب لم يخلُ من الجرأة أوصله المبارك بقوله «لقد ولى زمن التلميع وأصبح شيئا من الماضي»، بل ذهب إلى أبعد من ذلك محذرا من أن خطاب التلميع أصبح يزيد الأمور سوءا وأصبح من أدلة التلوث لدى أي فرد أو فئة أو جماعة تمارسه. مستشهدا بقوله تعالى: «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه».

لا أظن أن السلطة تحتاج إلى المزيد من تنصيع الصورة وإخفاء العيوب بعد أعوام كثيرة قضتها في إجراء عمليات التجميل السياسي التي لم تولّد إلا الاحتقانات وإرباك الشارع البحريني، فكانت هي أول المتضررين. كما يتردد كثيرا من مقربين أن شعراء البلاط وكتّاب أعمدة التزلف اللامحدود أصبحت بعض الرموز القيادية في البلد تقابلهم بالتهكم واللامبالاة، لأنها أدركت أنهم متمصلحون لم يصنعوا سوى التراجع وتفاقم الأمور وتأزيم البلد وتهييج مشاعر أبنائه على بعضهم، لدرجة أن أحد أكثر النواب منافحة عن السلطة صرخ على زميله في السلطة التشريعية وهو يترنح بواحدة من معلقاته كعادته في أحد المحافل الرسمية، وقال له بصوت يسمعه من حوله: اسكت يا كذاب، اسكت يا منافق.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2238 - الثلثاء 21 أكتوبر 2008م الموافق 20 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً