العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ

الحياء... نقطة

في التهديدات الأميركية الجديدة

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

إذا كانت الولايات المتحدة استطاعت ما بين العامين استصدار سلسلة من القرارات الدولية ضد العراق عندما قام زعيمه المخلوع صدام حسين بعملية الغزو المسلح لدولة ذات سيادة، هي الكويت، فإنها (الولايات المتحدة)، ربما رأت في السنين اللاحقات أنه ليس هناك أي داع لأن تلجأ كل مرة إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن حين يتعلق الأمر مباشرة بمصالحها الخاصة، وما تراه مناسبا لتطبيقه، وربما خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) إن استدعى الأمر.

هذا ما جربته الولايات المتحدة في عدة حروب سابقة وتالية لتركيع بعض من الأنظمة المستقلة وما يتواءم مع ما تراه.

وإذا كانت طبيعة الهياكل الإدارية، ومنها الرئاسية، تتعقلن كلما اتجه الهرم إلى الأعلى وضاقت الدوائر التي يصدر عنها القرار، وتتسم أعمالها بدبلوماسية الحديث فيما يخص العلاقات الثنائية أو الجمعية مع الدول الأخرى، فإن الإدارة الأميركية في الأشهر القليلة الماضية قررت أن «تلعب على المكشوف» بدلا من إضاعة الوقت في الدروب والمسالك الدبلوماسية، التي ستؤدي في النهاية إلى النتيجة ذاتها، فصارت كل المستويات تتحدث باللهجة ذاتها من دون أن تترك أي باب موارب للدبلوماسية والحلول المرضية لجميع الأطراف.

إن ما حدث للعراق على يد الولايات المتحدة، سواء كانت منفردة أو متحالفة مع آخرين أقل شأنا وقوة، لدليل واضح على إمكان «أمركة» العالم كما تشتهي، وواضح أن هناك مهمة تشكل خطا مستقيما في رأس الإدارة الأميركية الحالية، ولا تريد أن تنتهي ولايتها من دون أن تحقق هذه المهمة، وهي التخلص من أكبر قدر من «الأعداء»، وتأمين مساحة أكبر لتنفس الكيان الصهيوني، وفرض شروطه على الفلسطينيين والجيران الآخرين.

وإذا كان المثل الشعبي المحلي يمثل الحياء بأنه أمر دقيق وبالغ الحساسية، إذ انه لا يتعدى «نقطة»، إن زالت لا ترجع، فإن الإدارة الأميركية ربما أزالت هذه النقطة إلى غير رجعة، فالمسئولون الأميركيون الذين يظهرون على شاشات التلفزة هذه الأيام، وهذه الأيام تحديدا بعدما حققوا الانتصار العسكري في العراق، بدأوا بصراحة في القول ان على الدول الأخرى ـ أي محور الشر في نظرهم ـ الاستفادة من الدرس العراقي، ولكن «محور الشر» هذا لم ينتبه إلى أن الأمر موجه إليه، فما كان منهم، بدءا من وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد، وانتهاء بالرئيس الأميركي جورج بوش، مرورا بوزير الخارجية كولن باول، إلا التصريح مباشرة، بأن سورية هي الدولة المعنية بهذا الحديث، وأن ملف «أسلحة الدمار الشامل» انتقل إليها من بعد العراق، وصارت سورية متهمة بـ «السعي»، مجرد السعي، إلى الحصول على الأسلحة الفتاكة في نظر الإدارة الأميركية، وذلك بعدما وجهوا إليها تهمة إيواء المطلوبين من القيادة العراقية لديها.

نقطة الحياء التي زالت تماما في هذه التصريحات قول عدد من المسئولين الأميركيين ما معناه ان سورية ستنقذ نفسها من العقوبات الأميركية ـ الممتدة من العقوبات الاقتصادية وحتى القنابل العنقودية ـ إن هي استجابت «لنا»، وأبدت مزيدا من الحرص على التعاون «معنا»، وحتى لو تعاونت سورية مع الولايات المتحدة، وبما يحفظ للقطر العربي بعضا من كرامته واستقلاله، فإن هذا لن يعد كافيا من وجهة النظر الأميركية، ولن يكفيها إلا الجلوس على كرسي الحكم وإدارة البلاد كما تريد بحجة أن الأنظمة الحاكمة لا تعرف مصالح شعوبها، وأنها أصبحت ولي أمر العالم العربي غير الراشد، والذي يجب الحجر عليه والتصرف بثرواته.

المشكلة هنا أن ليس في اليد حيلة، فلا الدول العربية مجتمعة قادرة على التصدي للقوة الأميركية، ولا الشوارع العربية التي تهدر بالمظاهرات والغليان تستطيع أن تغير شيئا من المخطط الأميركي، وأثبتت الدول الأوروبية التي عارضت استخدام القوة ضد العراق أنها أضعف من أن تصمد أمام السوق الأميركية الجذابة لصادراتها الضخمة، وأن الموازنة في المصالح بين الولايات المتحدة والعالم العربي المفتت والمنكفئ على نفسه وعلى صراعات وخلافات لا تنتهي، ليس في صالح الطرف الثاني.

تجربة العراق علمت الولايات المتحدة أنها تستطيع عمل أي شيء على رغم كل العالم وإن اتحد ضدها، وأن الخاسر هو من يقف خارج الفلك الأميركي الذي بات يتوحش يوما بعد يوم، وتصريحات الحق في إعادة إعمار العراق، أو «الحصة من الجبنة العراقية»، ترجمة واضحة ولا تقبل التأويل لخطاب بوش بعيد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، «إما معنا وإما ضدنا»، أي إما أن تكونوا في ركابنا، وإما أن تحلق طائرات الموت فوق رؤوسكم، ولا مجال لموقف إنساني متفكر أو موازن.

التساؤل عن المستقبل، لم يعد رهينا بالشعوب العربية التي توحدت في أطراف هذا الوطن، مع شعوب في القارات الخمس، وحتى في الولايات المتحدة عينها ضد الحرب والدمار، وإنما بالقيادات، القيادات العربية والإسلامية والأخرى التي ترى أن الوقاحة الأميركية قد بلغت مداها، ولن يكون هناك أي أفق للثقافات المحلية والإقليمية، وأي نوع من الخصوصية إن بقيت على صمتها وخشيتها.

وهذه نقطة حياء أخرى إزاء التاريخ... إن ذهبت، فلن تعود

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً