العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ

ما لم تذكره رؤية البحرين «2030»

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

مهما حملت المسيرة «المليونية» في العاصمة الإيطالية روما أمس الأول ضد رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، من خلفيات عنصرية وتنازع بين اليمين واليسار، فإنها رفعت في المقابل شعارين في غاية الأهمية؛ الأول أن «إيطاليا ليست فقط برلسكوني»، والثاني أن برلسكوني «عاجز عن إدارة أزمات إيطاليا الاجتماعية والمالية». وهما الشعاران نفسهما اللذان تكتنفهما بصورة أو بأخرى الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين حتى العام 2030 التي دشنها عاهل البلاد الأسبوع الماضي، ولقيت ترحيب الكثيرين.

إنصافا، قيام البحرين بهذه الخطوة في حد ذاته يعتبر اختراقا كبيرا لحاجز التخطيط ضيّق المدى الذي ترك آثاره على غالبية مناطق المملكة التي لم تذق حلاوة التطور والعمران حتى يومنا هذا من القرن الواحد والعشرين. كما أنه «أوتوماتيكيا» يعد اعترافا ضمنيا بعشوائية الكثير من القرارات التنموية التي فشلت في تغيير واقع الحال لآلاف الأسر البحرينية، وخصوصا على مستوى الإسكان والفقر.

لسنا في مقام التصيد هنا، وإنما جرأة القيادة في اعتماد وتدشين الرؤية الاقتصادية المستقبلية تجعلنا في المقابل أكثر جرأة على مساعدتها في تحديد مواطن النقص واقتراح البدائل الإدارية للتنمية والإعمار، بدلا من الاستغراق في التصفيق والزغردات وتحويل الرؤية إلى مجرد مناسبة عرس وطني، تنتهي بانتهاء صدى تصفيقاتنا.

البحرين كانت فعلا ومنذ سنوات عدة بحاجة إلى خطة بهذا الحجم وأكثر، ولو كنا وضعناها قبل ثلاثين سنة، لكانت رؤية «2030» لا تأتي على ذكر الفقر والرواتب، بل تخطط لاستدامة تنموية ترقى لمصاف الدول المتقدمة، وتؤطر الآن لمرحلة اقتصادية جديدة تتناسب وما تعيشه دول في مستوى دخل البحرين أو أقل منها حاليا. وما هذا بإجحاف في حق ما أنجزته السنوات الثلاثون التي أعطت وطوّرت فعلا، ولكن بعد هذا المشوار الطويل اكتشفنا أنه إعمار وتطوير بعين واحدة، أعزَّ قوما وأذلَّ آخرين، لأنه لم يكن عبر دراسة بعيدة المدى.

البحرين ليست للمتنفذين فقط

هناك مفردة اختزلتها الرؤية البحرينية، أكدت استهداف المواطن البحريني كما وجه إلى ذلك عاهل البلاد في خطابه خلال افتتاح دور الانعقاد الثالث؛ لأن زمن استفراد المتنفذ البحريني بثروات الوطن لم يأت بشيء سوى المزيد من الفقر والاحتجاجات، وجاء الزمن الذي تكون فيه خيرات البحرين للبحرينيين كلهم، وليست لطبقة دون أخرى. وهو قول ضمني بأن ثمة طبقة كبيرة كانت ممنوعة من الاستفادة من ثمار التنمية طوال سنين مضت.

اما الجنبة الأخرى التي تشابهت فيها الرؤية البحرينية مع مبررات المسيرة الاحتجاجية الضخمة في روما، هي الحذر من عواقب العجز عن إدارة أزمات المجتمع «الاجتماعية والمالية». وهو ما ركزت عليه الرؤية كثيرا عبر خططها في الجانب الاجتماعي الذي تمثل في السعي لرفع الرواتب والإسراع بتوفير السكن الملائم، والجانب الاقتصادي بتعزيز الاستثمار الذي ينبغي أن يشعر المواطن بآثاره قبل الأجانب.

كل ما أشير إليه حسنات لابد أن تذكر لرؤية البحرين «2030»، شريطة أن ترى النور في موعدها. وكما قال زعيم المعارضة الايطالي وولتر فيلتروني أثناء المسيرة الاحتجاجية: «دعونا نتذكر دائما أن إيطاليا أخرى أمر ممكن وسوف نبنيها معا»، فنحن نقول: إن بحرينَ أخرى خالية من الفساد المالي والإداري أمر ممكن، وسوف نبنيها معا. بل ان ما يجمعنا في هذا البلد المسلم المسالم الطيب أكثر بكثير مما يجمع التيارات اليمينية واليسارية في إيطاليا، وبالتالي فالفرصة هنا أفضل بكثير.

غرس الطمأنينة في النفوس

ما لم تذكره «الرؤية» لفَتَ إليه بيان وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في بيانه الذي كشف فيه أمس عن خطة استراتيجية وضعتها وزارته لتنفيذ الرؤية الاقتصادية (2030). إذ لفت إلى أن ضمن محاور الاستراتيجية «توفير بيئة آمنة مستقرة، باستخدام الأساليب الشرطية الحديثة والشراكة الوثيقة مع المجتمع من أجل الوقاية والحد من الجريمة وتحصين المواطنين وغرس الطمأنينة في النفوس، وهذا بدوره يخلق بيئة استثمارية ناجحة ينمو ويترعرع فيها الاقتصاد».

«غياب الثقة» هي الحلقة التي يجمع غالبية البحرينيين على أنها مفقودة في سلسلة الحراك الاجتماعي المشترك في مملكة البحرين، والتي بسببها مازالت بؤر التوتر والاحتقانات في الشارع العام تلقى صداها عند البعض. ولطالما ناشد الخبراء الحقوقيون القيادة البحرينية باستيعاب خطورة هذه العقدة، والعمل على احتوائها ببرامج واقعية تزيل هاجس الخوف ومفهوم التصادم بين الشرطة والمجتمع.

وزير الداخلية أشار ضمن استراتيجية الوزارة إلى غرس الطمأنينة في النفوس، وهي «مربط الفرس». فلنقر بأن لا مشروع شرطة المجتمع استطاع أن يزرع هذه الطمأنينة، ولا حملات «الشراكة المجتمعية» الإعلامية والترويجية وطّدت العلاقات الغائبة، ولا التلويح بالعصا والقبضة الحديدية استطاع أيضا أن يمنع التأجيج المستمر. إذا هناك مساحة أخرى (محظورة) لا تجرؤ الجهات المعنية على الخوض فيها، بينما بفتحها على مصراعيها يكمن الحل، وبالمكاشفة والمصالحة فيها تستطيع رؤية البحرين المستقبلية بما فيها استراتيجية وزارة الداخلية، غرس الطمأنينة في النفوس، وتخطي مرحلة المصادمات السياسية التي عرقلت ومازالت الكثير من جهود التنمية في بلدنا العزيز. ولنعترف أيضا بأن على رأس تلك المساحات المحرمة ملفات التجنيس السياسي والتقرير المثير والتمييز الطائفي. فمن يقبل؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً