العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ

التوطين ومعادلة الكثافة السكانية

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن العلاقة المباشرة بين حجم السكان والنمو الاقتصادي حملت كثيرا من دول العالم إلى تخطيط أوضاعها الديمغرافية لتحقيق التوازن اللازم بين التنمية والنمو السكاني. وعند دراسة الوضع الديمغرافي في أية دولة تبرز لنا عوامل عدة يجدر التأمل فيها، فما هي هذه العوامل؟ وما هو حجم تأثيرها علينا في مملكة البحرين؟ ونظرا إلى التشعب الكبير الكامن في طبيعة هذا الموضوع سيركز هذا المقال على العوامل الرئيسية الآتية:

الكثافة السكانية Population Density

الكثافة السكانية في علم الجغرافيا هي مقياس إحصائي لعدد السكان في كل ميل أو كيلومتر مربع والتي يتحصل عليها بقسمة عدد السكان على مساحة الأرض. وتقسم تقارير السكان التي تصدرها الأمم المتحدة دول العالم إلى فئات ذات كثافة سكانية مرتفعة وأخرى ذات كثافة سكانية منخفضة, فإمارة موناكو مثلا تعتبر من أعلى دول العالم كثافة سكانية حيث يعيش 43000 شخص على كل ميل مربع، في حين تعتبر الكثافة السكانية في كندا أقل منخفضة حيث يعيش 9,27 أشخاص في كل ميل مربع. فالمساحة الجغرافية لموناكو تبلغ 4/3 ميل مربع، وعدد السكان فيها 32000 نسمة، في حين تبلغ مساحة كندا 3,559,294 ميلا مربعا، وحجم السكان 33 مليون نسمة، وتعتبر منغوليا أقل دول العالم كثافة من حيث السكان حيث يعيش أربعة اشخاص فقط على كل ميل مربع تليها استراليا حيث يعيش ستة اشخاص على كل ميل مربع، وفي الولايات المتحده الأميركية يعيش 76 شخصا على كل ميل مربع. ومن أهم عوامل تحديد نسبة الكثافة السكانيه توافر الإحصاءات الدقيقه لعدد السكان وحجم الرقعة الجغرافية.

وفي مملكة البحرين حيث المساحة الجغرافية هي 720 كيلومترا مربعا، تتضارب المعلومات بشأن الكثافة السكانية بسبب التضارب في عدد السكان. فإذا كان عدد السكان هو 1.046,814 نسمة بحسب ما صرح به أخيرا فإن الكثافة السكانية هي 1454 شخصا لكل كيلومتر مربع، اما اذا كان حجم السكان هو 760,000 نسمة فإن الكثافة السكانية للمملكة هي 1055 شخصا لكل كيلومتر مربع. وفي كلتا الحالتين تصنف البحرين بين الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة، حيث جاءت في المرتبة السابعة من بين 241 دولة تضمنها التقرير العالمي للسكان الصادر عن الأمم المتحدة. فالبحرين أعلى كثافة سكانية من الكويت (151)، وحتى من الصين (138)، وقطر (74)، وعمان (8.3)، وإيران (42)، ومصر (73). فماذا تعني لنا هذه المؤشرات الإحصائية؟

عندما تصبح البحرين السابعة على مستوى العالم في كثافتها السكانية فإن ذلك يعني ان عدد السكان في الوقت الحاضر يفوق بكثير الرقعة الجغرافية المتوافرة. وان أية سياسة غير مدروسة تتعلق بديموغرافية الوطن ستفجر أزمة اقتصادية وديمغرافية مستقبلا. فعندما تضيق الأرض بمن عليها لن يتمكن المواطن من الحصول على المسكن أو العمل اللائقين، وستشكل الكتل البشرية ضغطا هائلا على الموارد المحصورة في سلعة واحدة ذات أسعار متذبذبة هي النفط. وسنرى آثار هذا الضغط تنعكس في زيادة كثافة الطلاب في الصف المدرسي، وفي الاختناقات المرورية على رغم السباق المحموم بين مشروعات الطرق والزيادة الكبيرة في عدد المركبات، كما نلاحظه في الضغط على الخدمات الصحية والإسكانية.

ان ارتفاع نسبة الكثافة السكانية في مملكة البحرين يكشف عن خلل واضح في التركيبة السكانية يشكل خطرا على هوية المجتمع. من جهة اخرى فان غياب الشفافية في الإحصاءات الديمغرافية كما جاء في المادة 28 من التقرير الموازي للمفوض السامي لحقوق الإنسان للعام 2008 كشف عن معوقات تتعلق بغياب الشفافية في توفير الإحصاءات الصحيحة عن حجم التوطين تواجه أية محاولة جادة لمعالجة مشكلة الكثافة والخلل السكاني.

نمو طبيعي أم تجنيس أم عمالة وافدة؟

تشير الإحصاءات الرسمية إلى ان نسبة الزياده الطبيعية في عدد المواطنين تراوحت بين 2.5 في المئة و 4 في المئة في الفتره من العام 1941 حتى العام 2001. وبحسب هذه الإحصائيات الرسمية فإن مجمل سكان البحرين كان 742,645 نسمة حتى العام 2006 منهم 283,549 أجنبيّا.

الا ان العام 2007 يعتبر مفصليّا في تاريخ البحرين الديمغرافي، فقد اعلن الجهاز المركزي للمعلومات ان عدد سكان البحرين قفز إلى 1,046,814 نسمة، أي بزيادة قدرها 15.34 في المئة بالنسبة إلى البحرينيين وهي نسبة تفوق معدل النمو الطبيعي المصرح به خلال الستين سنة الماضية. كما قفزت الزيادة لغير البحرينيين بنسبة 82.46 في المئة. واذا كان لنا ان نتفهم نسبة الزيادة لغير البحرينيين بسبب العمالة الوافدة، فإنه من غير المقبول علميا اعتبار حجم الزياده بالنسبة إلى البحرينيين مردها النمو الطبيعي. فلا يوجد شعب على وجه الكرة الأرضية يتكاثر بنسبة 15 في المئة بعد ان كان متوسط نموه لا يزيد على2.5 في المئة، وليس بوسع دولة في العالم السماح لنفسها بمثل هذا الانفجار السكاني.

واذا ما استبعدنا الزيادة في العماله الوافدة، ونسبة النمو الطبيعي للبحرينيين (2.35 في المئة)، فإن الفرق بينهما ( 70434 نسمه) مرده توطين منظم ولكن بعواقب غير محسوبة.

ما العمل إذن؟

إذا كنا في المعدل قد جنسنا خلال السنوات الست الماضية 780 شخصا شهريا، وان هذا المعدل في ازدياد مطرد فإن إدارة حكيمة للكثافة السكانية في المملكة تستدعي منا اعادة النظر في سياسة التوطين المتبعة. فالبحرين المصنفة السابعة عالميا من حيث الكثافة السكانية مؤهلة لتصبح اكثر كثافة واكتظاظا بالبشر خلال فترة وجيزة اذا ما استمر التوطين على وتيرته الحالية. فهل بوسع المملكه تحمل هذا العبء الديمغرافي؟ لن اتطرق هنا إلى عواقب التوطين على الهوية الوطنية التي كثيرا ماكررناها في خطابنا السياسي، بل نكتفي هنا بلفت الأنظار إلى تأثيرات التوطين السلبية على معيشة المواطن وموارد الوطن، والتزامات الدولة تجاه المواطنين والمستوطنين.

فإذا اغرتنا الزيادة في اسعار النفط لاتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بديمغرافية الوطن وهويته، فإن هذه الزياده قد هوت إلى اكثر من النصف بعد فترة عسل محدودة.

فالثروات الناضبة لا يجب التعويل عليها في رسم استراتيجية هيكيلية طويلة الأمد لكونها عاملا متغيرا في حين تبقى الالتزامات المترتبة على التوطين ثابتة تلاحقنا جميعا حكاما ومحكومين لأجيال قادمه. فهل سنعيد تقييم سياستنا هذه بتمعن وروية؟ ام ان الانشغال بالشجرة سيحجب عنا رؤية الغابة؟ سؤال توجب المسئولية الوطنية التبصر في الإجابة عنه من قبل كل فرد منا.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً