العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ

أزمة الاقتصاد العالمي... وثروة التاج البريطاني

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

لم يعد الملوك وأصحاب الثروات الكبيرة يؤثرون الإنفاق على ملذاتهم وقصورهم بلا حساب، بل أصبحوا يشدون الأحزمة، تماشيا مع الأزمة الاقتصادية الدولية الأخيرة، التي هزّت العالم برمته، حيث بلغت عدوى الأزمة مستوى الملوك والمستثمرين وأصحاب الثروات الكبيرة، ما قد يطرح التساؤلات الكبيرة عن قدرة الأغنياء في التضحية بجزء من أموالهم الطائلة لدرء المخاطر المحدقة بحياة ملايين الناس من مختلف الشعوب والأمم، الذين ستعرضهم الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى خطر الموت جوعا، أم أنهم سيتمادون في كنز أموالهم من دون أن يشفقوا على أحد حتى آخر رمق من حياتهم؟

هذه المزايا تزويدهم بالمشروبات الروحية والصابون والملابس الجاهزة وبعض الامتيازات الأخرى.

من بين هؤلاء الملوك والأثرياء، الذين بدأوا يقلقون على مصير ثرواتهم من الانحسار، وصاروا يسلكون طريق التقشف والاستجداء كي يحافظوا على مستويات عالية من ثرواتهم ويسعون لتحقيق المزيد منها على حساب الغالبية الساحقة من الناس البسطاء والمحرومين، التي امتصت من دمائهم قوانين التعسف والقهر في مجتمعاتهم، الملكة اليزبيث الثانية ملكة المملكة المتحدة البريطانية التي أوردت عنها صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية خبرا مفاده، أن الملكة اليزبيث الثانية طلبت من حكومة بلادها، إعانة مالية إضافية بقيمة 20 مليون جنيه استرليني من أجل ترميم عدد من القصور الملكية المتهالكة التي هي بحاجة ماسة إلى أعمال الترميم، ولكن الحكومة البريطانية - بحسب الصحيفة نفسها - رفضت منح الملكة أية إعانات مالية على رغم إلحاحها بذلك، كما أنها رفضت طلب الملكة المتكرر بزيادة مخصصات القصر بمبلغ 4 ملايين جنيه استرليني سنويا خلال السنوات الثلاث المقبلة بسبب الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد البريطاني المتهالك أصلا، فقد أشار التقرير السنوي الأخير، بشأن الأحوال المالية للعائلة المالكة البريطانية، بأن المنحة السنوية المقدمة للعائلة لصيانة القصور والممتلكات ارتفعت من 800 ألف جنيه (103 ملايين دولار) لتصل إلى 1503 ملايين جنيه (27 مليون دولار أميركي) هذا العام 2008، وان العائلة المالكة البريطانية أصبحت تكلف دافعي الضرائب البريطانيين أكثر من 40 مليون جنيه استرليني (70 مليون دولار) سنويا لترتيب أوضاعها المالية.

وكانت مجلة «فوربز» الاقتصادية الأميركية الصادرة في شهر أغسطس/ أب 2008، قد صنفت الملكة اليزبيث الثانية (82 عاما) في المرتبة الثانية عشرة بين كبار الأثرياء في العالم بثروة تبلغ 650 مليون دولار أميركي.

وفي العام 1990، ذكرت إحدى الدراسات الاقتصادية البريطانية، عن أغنى 400 شخصية في بريطانيا، بأن الملكة اليزبيث الثانية هي أغنى امرأة في العالم، حيث كانت تملك في ذلك الوقت ثروة هائلة تقدر بنحو 6.7 مليارات جنيه استرليني أي ما يعادل ( 12.7 مليار دولار، وأظهرت الدراسة التي نشرت نتائجها صحيفة «صنداي تايمز» أن الارستقراطيين، وملاك الأراضي البريطانيين احتفظوا بنصيب الأسد من ثروات البلاد، ولكن ما كان بحوزة الملكة اليزبيث الثانية من الأموال والمجوهرات الثمينة والأعمال الفنية العالمية فاق كل الثروات، فهي تمتلك عدة لوحات فنية تشكيلية من أعمال الفنان الايطالي الشهير ليوناردو دافنشي، وعشرات أخرى من اللوحات النادرة لمشاهير الفن التشكيلي الهولنديين والايطاليين، بالإضافة إلى أنواع راقية من التحف الثمينة يحتاج تعدادها إلى كتابة مجلدات، ومجموعات من الطوابع البريدية التاريخية المدرجة في330 ألبوما ومجوهرات تشمل أكثر من 20 تاجا مرصَّعا بالذهب وأحجار الماس، تقدر قيمتها بأكثر من 61 مليون جنيه استرليني.

وقالت الدراسة، إن الملكة اليزبيث الثانية تمتلك إلى جانب كل هذه الثروة الاقتصادية الهائلة عشرات الألوف من الأراضي الصالحة للزراعة والبناء الإنشائي واسهما عقارية وبنكية تصل إلى نحو 2.5 مليار جنيه استرليني (4.8 مليارات دولار) واحتل ابنها الأكبر ولي العهد الأمير تشارلز المركز الثاني في قائمة الأغنياء - باعتباره وريث ثروتها الملكية، على الرغم من أن ثروته في ذلك الوقت قد تجاوزت مبلغ 200 مليون جنيه استرليني (380 مليون دولار أميركي)، وجاء في المركز الثالث دوق مانشستر الذي يملك مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للبناء في لندن وقدرت ثروته آنذاك بنحو 4.2 ملايين جنيه استرليني (8 مليارات دولار) وأظهرت الدراسة، أن ثلث الثروات التي شملتها قائمة الأغنياء في المملكة المتحدة البريطانية، هي مملوكة لكبار الاقطاعيين ملاك الأراضي الذين يمثلون ما أسمته الدراسة (بريطانيا القديمة) وثاني أكبر مجموعة من الأثرياء هي مجموعة ملاك العقارات ومقاولو البناء وتجار التجزئة.

وفي العام 1993، حققت الملكة اليزبيث الثانية، أرباحا بلغت 2.2 مليون جنيه استرليني بعد فتح قصر بكنغهام للسياح والمواطنين للاطلاع على معالمه الأثرية التاريخية، حين انتقلت الملكة للإقامة في اسكتلندا لمدة شهرين لإفساح المجال للجمهور لأول مرة للمساعدة على جمع الأموال لترميم قصر وندسور الذي دمر بعض جوانبه حريق كبير في العام 1992، حيث بلغت تكاليف إصلاح القصر أكثر من 40 مليون جنيه استرليني، حيث زار القصر خلال شهرين وهي الفترة المفتوحة للزيارة أكثر من 377 ألف شخص وهو ما زاد عن المتوقع بنسبة 25 في المئة، وبلغ ثمن الجولة داخل القصر 12 دولارا للشخص الواحد، وتم كذلك خلال السماح بالتجول في القصر فتح متجر صغير لبيع الهدايا والتذكارات مثل الأقداح الفاخرة وربطات العنق المصنوعة من الحرير لزيادة الدخل، وحينها صرح الناطق باسم قصر بكنغهام أن الملكة اليزبيث الثانية كانت «راضية تماما بالمبلغ الذي تم جمعه لإصلاح القصر وهي تشعر بسعادة بالغة لتلك النتائج».

وعلى رغم كل الأموال الطائلة التي تتمتع بها الملكة اليزبيث الثانية في تدبير أمورها الشخصية، فإنها ولأسباب قيل بأنها تقشفية، قررت في العام 1993، خفض المزايا العينية التي يحصل عليها الموظفون والعاملون في القصر بهدف تقليل النفقات المخصصة لهم، فقد تم وقتها إخطار نحو 400 من الموظفين والعاملين في القصر بالتغييرات التقشفية الجديدة في بيان إداري وزع عليهم، وتتضمن

وفي السنوات القليلة الماضية، أخذت المكانة الشعبية المرموقة للعائلة المالكة البريطانية تتراجع بصورة ملفتة للغاية بسبب كثرة الفضائح الأخلاقية والمالية، ففي بعض استطلاعات الرأي في البلاد، ظهرت رغبة الكثير من المواطنين بقيام نظام جمهوري جديد على غرار الأنظمة الجمهورية المتقدمة في أوروبا، محل النظام الملكي، وأوضحت الاستطلاعات، أن شخصين من ثلاثة أشخاص أن بريطانيا لن تواجه أية مصاعب أو تحديات كبيرة إذا ما تمت إزالة النظام الملكي، ولكن قدرة العائلة المالكة البريطانية على تجاوز كل التحديات الصعبة التي واجهتها، إضافة إلى حب أغلبية الشعب البريطاني للتاج الملكي التاريخي، بعد أن وجدوا فيه بقيادة الملكة اليزبيث الأم التي وقفت شامخة في لندن تتحدى قنابل النازيين الألمان خلال القصف البحري والغارات الجوية المكثفة التي تعرضت لها مختلف مناطق البلاد في ذروة الحرب العالمية الثانية، بحيث وصفها هتلر في ذلك الوقت بأنها «أخطر امرأة في أوروبا» بسبب تأثيرها القوي على الروح المعنوية للشعب البريطاني، كل ذلك أبقى العائلة المالكة حتى الآن على سدة الحكم.

ولكن لم يعد الثراء الفاحش والمستتر بالتقشف مقتصرا على الملكة اليزبيث الثانية ملكة المملكة المتحدة البريطانية وحدها في العالم، فقد كشفت مجلة «فوربز» الاقتصادية الأميركية النقاب عن أسرار ثروات العديد من المتنفذين العرب وغيرهم في العالم من الذين كانوا قد جمعوا ثروات هائلة من أموال عوائد النفط ومن أسواق المضاربات المالية العالمية والطرق التجارية الملتوية والضرائب المفروضة على المواطنين، واستكثروا على الفقراء والمحرومين في مختلف بقاع العالم حتى حصولهم على كسرة خبز.

ويأتي كل هذا الثراء الفاحش للأغنياء في العالم وطرق حصولهم على هذه الثروات الكبيرة ومسارات استخدامها لتلبية طموحاتهم الذاتية، بعيدا عن مساعدة الفقراء والمحتاجين، في وقت لايزال البنك الدولي يحذر في بياناته من اتساع مستويات الجوع والفقر المدقع في معظم مناطق العالم، حيث تشير الأرقام إلى وجود أكثر من 1,4 مليار إنسان في العالم يعيشون اليوم تحت مستوى الفقر، ومعظمهم في القارة الإفريقية، حيث تشير بعض التقديرات إلى ارتفاع عدد الفقراء في القارة منذ العام 2005، من 200 مليون إلى 280 مليون إنسان، ولذلك فقد حذرت منظمة «أوكسفام» الدولية من أن 500 مليون شخص إضافي قد ينضمون لاحقا للفقراء في العالم بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية وشحة موارد الدخل اليومي، ما سيلغي النتائج التي أحرزت في السنوات الخمس والعشرين الماضية لتحسين ظروف الحياة الاجتماعية للفقراء ومواجهة مخاطر الفقر في العالم، فيما ذكرت مصادر برنامج الغذاء العالمي التابع إلى الأمم المتحدة، أن هناك نحو 850 مليون إنسان يعانون اليوم من الفقر المزمن حول العالم.

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً