العدد 2251 - الإثنين 03 نوفمبر 2008م الموافق 04 ذي القعدة 1429هـ

بلعوا «الشمالية»... دون أن يحاسبهم أحد!

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

كان مؤلما جدا الغبن الذي بدا على وجه رئيس مجلس بلدي الشمالية يوسف البوري وهو يعلن أمام الملأ في المهرجان الخطابي مساء الجمعة الماضي أن حلم المدينة الشمالية «تلاشى»، لأنه رسم انكسارة آلاف الأسر التي كانت تعوّل على هذا المشروع «المبهم»، ولكن...

أصبح مستبعدا جدا أن يخرج أي مسئول هذه الأيام ليكشف تفاصيل اللعبة ويقطع حبل الصمت الذي لف هذه المدينة الغامضة، ليس لأنه يعجز أو يخاف من ذلك، ولكن لأن ليس هناك من يجرؤ منهم على رفع رأسه لحظة منشغلا بالرد ليكتشف بعدها أن حصته من الأراضي قد ظفر بها غيره. إنهم الآن في لحظة اقتسام الغنائم.

لم يعد أمرا مثيرا وغريبا سكوت المسئولين عن واقع المدينة، وتجاهلهم لحال الاستنفار وسيل الإحباطات في الشارع العام. بل من الطبيعي أن تصمت الجهات المعنية هذه الأيام، لأنها مشغولة بما هو أهم من صراخكم الذي سينتهي مهما طال. وقليل من البهارات الإعلامية وترويج صورة «مشرقة» للواقع الإسكاني عالميا كفيلة بإسكاتكم.

تلك الوثيقة التي رفعت قبل ايام لتفاجئ المجتمع البحريني أن 120 أرضا من المدينة الإسكانية المنتظرة قد بيعت إلى جهات (ليست مجهولة)، إنما هي واحدة من عدة وثائق ستنكشف لاحقا، ليتبدد العجب.

لِم الصمت؟ مثلكم لا يكترث

أيها السادة الراتعون في رمال مدينتنا، لم أنتم صامتون؟ الخوف لا يصيب أمثالكم. ماذا لو أطبقت أيديكم على البر والبحر، والتهمتم كل شبر فيه؟ من سيحاسبكم؟ اطمئنوا، لا المهرجانات الخطابية ولا اللجان النيابية والبلدية الموعودة ولا حتى اجتماعات «الكونغرس» تستطيع أن تسلب منكم «جلب شعيرة»، فضلا عن قطعة أرض حصلتم عليها بهبة أو صفقة. لماذا يستغرب هؤلاء الضائعون بلا بيوت من سكوتكم؟ أما آن لهم أن يتركوا مزاحمتكم في أرزاقكم؟

ربما أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه مواطنو «الشمالية» هو التفاؤل «المطلق» بهذا المشروع، دونما أن يضعوا في الحسبان تركيبة «المحاصصة البحرية» في جزيرتنا هذه. ولأن قلوبهم الطيبة تستطيع أن تنسى بسرعة كل سنوات الهوان، فإنهم وثقوا بكل الوعود واطمأنوا إلى أن الفرج قريب. وهم معذورون في تفاؤلهم؛ لأن الغارق بطبيعة الحال يحاول التعلق ولو بقشة، فلربما تنجيه من أمواج الفقر والحرمان وضيق اليد والمسكن.

أكتب بشيء من الانفعال ترفقا بأحوال الأسر المعدومة التي لم ترقُّ قلوب المسئولين لها، ولم تُحترم أحاسيسها، ولم يكلفوا أنفسهم على الأقل تهدئة النفوس المتوجسة من ضياع أحلامها بكلمات الطمأنة التي تعوّدناها بين مناسبة وأخرى.

لعبة الوعود الفارغة بجعل المواطن «أولا»، على رغم مرارتها فإنها أحلى بكثير من الصمت المستفز الذي يشي بإقرار صحة ما يشاع عن أن المدينة «الوهم» قد ضاعت وتلاشت. ولا عزاء للمنتظرين سوى الانتظام في طوابير انتظار أخرى.

قبلها كانت «سيحة بوري»

رئيس بلدي الشمالية الذي تحدث بغُصّة جليّة، يعلم جيدا أن ضياع المدينة الشمالية المحتمل سبقه ضياع عشرات الأراضي في البر والبحر، وعلى رأسها «سيحة» قريته الممتدة على تخوم شاسعة في إغماضة عين. وهي المساحة التي تفوق مساحة المدينة الشمالية في حجمها، إذ استملكت بـ «تبصيم» عشرة من المغلوب على أمرهم على أنها «هبة»، وتبخرت كما غيرها من دون أن يجرؤ أحد على المطالبة بها، حتى يومنا هذا، ونحن في عصر الشفافيات الوهمية.

ويدرك البوري جيدا أن المدينة الشمالية تتحول الآن إلى «مدينة تجارية» في ظل تطمينات حكومية مستمرة بأن المخطط الهيكلي الاستراتيجي حتى عام 2030 روعي فيه «توفير مساحات كبيرة للمشروعات الإسكانية المستقبلية وخدماتها المختلفة». كما يدرك أن الرؤية الاقتصادية الجديدة أيضا ركزت على استهداف المواطن «أولا» وإعطاء السكن أولوية في الموازنة، وأول وأكبر مصاديق الرؤية جاء عبر الموازنة التي لم ترْقَ إلى أدنى طموح البلديين والبرلمانيين، فضلا عن المواطنين الملسوعين في كرامتهم، التي وعدت «رؤية 2030» بالمحافظة عليها!

فإن كان البوري ومن معه من المهتمين بشأن المدينة يراهنون على استنطاق الصامتين ليقروا بمصيرها المظلم فليعذرونا هذه المرة أن نحبطهم، ونقول لهم: ساعدكم الله وعوّضكم، ابحثوا عن غيرها إن استطعتم، يا شباب «طارت لطيور بأرزاقها»

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2251 - الإثنين 03 نوفمبر 2008م الموافق 04 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً