العدد 2272 - الإثنين 24 نوفمبر 2008م الموافق 25 ذي القعدة 1429هـ

الحجّاج بن يوسف... والصهاينة

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

رغم كلّ ما قيل عنه، وما وصف به، وما ثبت عنه، من ظلم وجبروت، إلاّ أنّ الحجّاج بن يوسف كان له حسنات لا تنسى! وكم تمنيتُ اليوم أنْ يكون فينا حجّاج يرفع رؤوسنا التي طال انحناؤها، وينتشلنا من الذل الذي ألفناه طويلا!

امرأة مسلمة هاجمها لصوص قرب مدينة «الديبل» الواقعة في الهند، التي يحكمها الملك داهر، هذه المرأة استغاثت بالحجّاج، وبلغته هذه الاستغاثة، فأرسل إلى الملك داهر يطلب منه إرجاع المرأة إلى بلادها وإلاّ هاجمه، وعندما رفض الملك هذا الطلب بحجّة أنّه غير قادر على إرغام اللصوص على إرجاعها هاجمه الحجّاج وفتح بلاده وأخضعها للامبراطورية الإسلامية وأعاد المسلمة إلى بلادها معززة مكّرمة مرفوعة الرأس؛ هي وكلّ مسلم على وجه الأرض، وأعطى المسلمين بهذا الفعل منزلة ومكانة بين أمم الأرض.

فعلها المعتصم بعد ذلك، ولنفس السبب - أيضا - امرأة مسلمة استغاثت به، فحرّم على نفسه كل ملذات الحياة حتى ينقذها، وسار بنفسه على رأس الجيش الذي هاجم عمورية، وفتحها، وإعاد المرأة إلى بلادها، وأعطى بهذا الفعل درسا لكلّ أمم الأرض أنّ المسلمين لا ينبغي الاستهانة بهم.

مرة أخرة... كم أتمنى أنْ يكون بيننا حجّاج - على سوئه - أو معتصم، أو أقل من ذلك، لكي نتمكّن من رفع رؤوسنا.

كم من مسلمةٍ اليوم في سجون الصهاينة ظلما وعدوانا! كم من مسلمةٍ اليوم في سجون الأميركان لا يعرف مصيرها! كم من مسلمةٍ انتهك عرضها! كم من مسلمةٍ محاصرة في غزّة لا تجد قوت يومها! كم من مسلمةٍ لا تجد دواء أو طعاما أو مسكنا في سجن كبير اسمه «غزة»! كم مسلمة تقتل كلّ يوم بصواريخ الصهاينة في فلسطين، ومثلهنّ، بل وأكثر منهنّ بالقصف الأميركي الذي لا يتوقف.

صاحت نساء المسلمين، استنجدن بالرؤساء، ذكّروهم بأخوّة الدين واللغة، تحدثنَ عن القوانين والعهود ومعاهدات الدفاع المشترك، حاولنَ إثارة النخوات العربية، لكن صياحهنّ وكلامهنّ ذهب أدراج الرياح فلا أحد يسمع، ولا أحد يستجيب!

ماتت امرأة، تلتها أخرى، ثالثة ورابعة، فتكت الأمراض بالأطفال والنساء، عاد الصياح من جديد: نريد طعاما... دواء... عالجونا في مستشفياتكم... انقذونا بحق الإنسانية، بحق كلّ قوانين السماء والأرض... لكن المشهد لم يتغيّر... السجن الكبير مازال مغلقا... والاتفاقات - وحدَها - هي التي تحدد متى يفتح! لا يهم إنْ مات واحد أو ألف! المهم أنْ لا يكون هناك أي خرق في الاتفاقات المقدسة.

كثر الصياح، ضجت الشعوب، لم يعد الأمر يحتمل السكوت، عندها نطق الزعيم: لن نصمت... سنكسر الحصار... سنوصل الطعام والشراب والدواء... سندفع المال، سنرفع معاناة إخواتنا وإخواننا... لكن الزعيم اكتفى بهذه التصريحات، لا شيء آخر، وتواصل الحصار، وكثر الموتى والجوعى، والمرضى.

النخوة الإفرنجية كانت الأسرع... وتسابق الرومان لإنقاذ العرب، هزتهم الإنسانية، حركتهم المآسي التي يرونها ويسمعون عنها... غامروا بحياتهم، صمموا على الوصول لأهدافهم مهما يكن الثمن.

وصل الفرنجة إلى بلاد العرب... ناصروهم، وقفوا معهم... لله درّهم... وبقدر فرحتنا بما صنعوا بقدر ما زادت رؤوسنا طأطأة... آه... أين العرب الأشاوس! أين إخوة الدين!

امرأة إفرنجية تخلفت عن قومها عندما غادروا غزّة، حاولت أنْ تغادر بعد ذلك، لكن القوم منعوها عقابا لها عما صنعت! أرأيتم كيف وصل بنا الحال؟!

يا قوم: الفرنجة يضعون للحيوانات قوانين تضمن حقوقها، يُعاقبون من يسيء إليها فكيف بمن قتلها! ألا يستحق أولئك المحاصرون ومن على شاكلتهم حقوقا مثل حقوق حيوانات الفرنجة؟!

دعوكم من الفرنجة الذين تضعون لهم اعتبارا في معظم ما تفعلون: خذوا الإسلام - وأنتم مسلمون - فقد أخبر رسولكم الكريم أنّ أحدهم دخل النار بسبب قطة؛ لأنه حبسها ولم يطعمها، وأنّ أحدهم دخل الجنة؛ لأنه سقى كلبا ماء! ألا يستحق إخوانكم وأخواتكم منكم معاملة مثل معاملة الحيوانات على أقل تقدير!

يوم أنْ سقطت أفغانستان كتبت محذرا من سقوط دولة أخرى... وسقطت بغداد، ويومها كتبت محذرا من سقوط سورية، ولولا إرادة الله ثم قوّة المقاومة العراقية لسقطت سورية منذ سنوات ولتلتها دول أخرى.

مجاملة الآخرين على حساب كرامة الشعوب وحياتها لن ينفع، بل سيزيد الآخرين كفرا وطغيانا واحتقارا لكل الشعوب الإسلامية.., أتلومونني إذا أحببت الحجّاج؟!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2272 - الإثنين 24 نوفمبر 2008م الموافق 25 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً