العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ

الأزمة المالية العالمية ومؤسسات التمويل الإسلامي (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ثالثا: البنوك الإسلامية والمساعدة في حل الأزمة

بالنسبة إلى مقولة مدى إمكانات المصارف الإسلامية والدول النفطية الإسلامية في المساعدة في حل الأزمة المالية نقول إن هناك ثلاثة اعتبارات:

الأول: إن حجم اقتصاد الدول الإسلامية (ولا نقول الاقتصاد الإسلامي) هذا الحجم صغير مقارنة بحجم الاقتصاد العالمي. يكفي أن نشير إلى أن قمة العشرين في واشنطن للدول ذات الوزن الاقتصادي لم تضم سوى 3 دول إسلامية هي تركيا وحجم اقتصادها 0.66 تريليون دولار، إندونيسيا وحجم اقتصادها 0.43 تريليون دولار، والسعودية وحجم اقتصادها 0.38 تريليون دولار وذلك لعام 2007، والتقديرات للعام 2008 تعطي تركيا 0.8 تريليون والسعودية 0.53 تريليون وإندونيسيا 0.50 تريليون، أي أن الدول الإسلامية ذات الاقتصاديات الكبيرة إجمالي نواتجها المحلية هو 1.47 تريليون العام 2007 والمتوقع 1.83 تريليون العام 2008، وهو أقل من إجمالي اقتصاد كندا أو الهند أو المكسيك وهي دول غير نفطية. وينبغي أن نشير أن حجم الاقتصاد الأميركي نحو 14 تريليون دولار.

الثاني: إن الفوائض المالية من عوائد النفط تعد فوائض كبيرة بالمقاييس الشرق أوسطية ولكنها محدودة بالفوائض المالية لدول مثل الصين. فالفوائض المالية نحو تريليون دولار لدى دول النفط الخليجية، في حين أن لدى الصين 1.9 تريليون دولار، فإذا اخذنا في الحسبان أن هذه الفوائض ناتجة عن وصول النفط إلى أكثر من 140 دولارا للبرميل وأنه إلى نحو ما بين 45 - 60 دولارا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 نجد أن الفوائض ستنخفض بدرجة كبيرة لدى هذه الدول. ولعله من الملفت للنظر أنه في حين أن معظم الدول قدمت حوافز مالية لإنعاش اقتصاد ودعم صندوق النقد الدولي لمساعدة الدول الفقيرة فإن الدول الإسلامية لم تقم بشيء يذكر في هذا الصدد.

الثالث: إن دول الخليج النفطية تأثرت بالأزمة المالية العالمية، ومن دلائل ذلك المصارف الكويتية وإغلاق البورصة لعدة أيام، وكذلك مصارف دبي وسوق العقارات، كما تأثرت الدول الخليجية الأخرى بدرجات متفاوتة. وهذا منطقي لأن الاقتصاد العالمي الرأسمالي اقتصاد متشابك مع مختلف الدول ومن الصعب تصور أن يكون اقتصاد دولة ما أو منطقة جغرافية ما بمنأى عن التأثير بأزمة تحدث في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، حتى وإن كان لدى بعض الدول العربية النفطية فائض مؤقت، فإن معظم مصارفها تقليدية ترتبط بمصارف الدول الغربية، والمصارف الإسلامية أيضا لديها ارتباطات بأسواق المال العالمية سواء صرحت بذلك أم لم تعلن عن ذلك صراحة، أضف إلى هذا فإن الطلب على النفط سينخفض وكذلك الأسعار وحركة التجارة والاستثمار العالمي كل ذلك سيترك أثره على منطقة الخليج، ناهيك عن أن سياسة الاستثمار في بعض الدول الخليجية بما في ذلك أنشطة بعض المصارف الإسلامية قامت على أساس الاستثمار العقاري وكان بعض الاقتصاديين يتنبأون منذ فترة بأن ثمة فقاعات في العقارات، وخصوصا في دبي، وإن كارثة قد تحدث خلال فترة وجيزة. لا مراء أن بعض تلك الاسثتمارات للمصارف الإسلامية في أصول عينية، ولكن الحقيقة الأخرى أن هذه الأصول العينية بعضها قام على أساس المضاربة مما زاد من قيمتها السوقية عن القيمة الحقيقية وهو نفس ما واجه أزمة سوق العقارات في الولايات المتحدة.

وقد أبدى بعض الخبراء الاقتصاديين أمثال أنس بن فيصل الحجي وجهة نظر واضحة ومنطقية عن الأزمة بقوله «إن الأزمة سببها التدخل الحكومي بدفع البنوك لإقراض من دون ضمانات كافية، ومن ثم فهي مرتبطة بالقدرة على الدفع ولا علاقة لها فيما إذا كان العقد ربويّا أم لا، وإنه إذا توسعت البنوك الإسلامية في عمليات التمويل وبدأت بتمويل أصحاب الملاءات الضعيفة فأنه قد يصيبها ما أصاب البنوك الربوية (مقال بصحيفة الاقتصادية السعودي يوم 9 نوفمبر 2008 ص 13) ويضيف أن أموال تلك الشركات لم تتبخر وإنما ستعود مرة أخرى متى ارتفعت أسعار الأصول لأن القيمة الحقيقية موجودة وأن الخسائر دفترية وحسابية وهي تعبر عن انتقال الأموال من مالك إلى آخر. وانتقد الباحث مقولة إن العالم سيتبنى النظام المالي الإسلامي، أو إن الاقتصاد الإسلامي هو الحل، موضحا أن هذه أفكارا عامة ولا توجد آليات حقيقية للعمل بذلك، وإن التمويل الإسلامي ليس إلا جزءا بسيطا في اقتصاد الدول الإسلامية، ناهيك عن الاقتصاد العالمي.

الخلاصة

مما سبق نخلص إلى أنه من السابق لأوانه تصور دور رئيس لاقتصاد الدول الإسلامية يؤثر جوهريّا على توجهات النظام الاقتصادي العالمي، وأنه من المبالغة في التفاؤل القول إن العالم يبحث التحول للنظام المالي الإسلامي والصيرفة الإسلامية بدلا من البنوك ومؤسسات التمويل التقليدية، كما أنه ليس من الواقعية، ولا الحكمة في التفكير والبحث العلمي، القول إن النظام الرأسمالي في سبيله للانهيار لأن ركائزه أقوى مما نتصور، ولكنه من المنطقي أن أدوات العمل في الاقتصاد الرأسمالي والنظام المالي الرأسمالي تتطور وتبتكر أدوات جديدة وسياسات جديدة تقتبس بعضها من النظم الأخرى، فالفكر الرأسمالي لا يمثل عقيدة جامدة، وإنما هو متطور والنظام الاقتصادي القائم اليوم يختلف عن ذلك الذي ساد في مطلع القرن العشرين أو في القرن التاسع عشر، ولعل ذلك يفسر قوة وصلابة النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يسيطر على الاقتصاد العالمي، فأوروبا والولايات المتحدة فقط يسيطران على أكثر من 60 في المئة من الاقتصاد العالمي، والصين تتجه إلى خلطة اقتصادية تجمع بين الرأسمالية والاشتراكية، كذلك روسيا. وينبغي أن نذكر أن الدول العشرين في قمة واشنطن تسيطر على ما بين 85 - 90 في المئة من الاقتصاد العالمي وليس من بينها، بما في ذلك الدول الإسلامية، من أعلن إخفاق نظام الاقتصاد الرأسمالي أو أن النظام المالي الإسلامي هو البديل أو أن أسباب الأزمة الحالية هي الربا والبنوك الربوية. إن العالم يتحدث عن الضمانات للاقراض وضعف الملاءات المالية لبعض المقترضين، وهو من الأمور التي تحدث على رغم مخاطرها في النظم الرٍأسمالية ويجري تصحيحها إما عبر آلية السوق أو من خلال تدخل الحكومات في حالة ضخامة الأزمة كما هو حادث في الأزمة الراهنة، كما حدث في أزمة العام 1929.

لا مراء في أن كل مسلم يتمنى أن يسود ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي، وأن يعم الإسلام الكون بأسره، ولكن شتان بين الأماني وبين حقائق الواقع ومنطق التحليل العلمي الموضوعي بعقل متفتح وبصيرة ثاقبة

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً