العدد 2286 - الإثنين 08 ديسمبر 2008م الموافق 09 ذي الحجة 1429هـ

الحج والوحدة الإسلامية

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يسعد المسلمون هذه الأيام بمناسبتين عظيمتين، مناسبة الحج ومناسبة عيد الأضحى المبارك، والسعادة - فيما أعتقد - تعم الجميع، من حَجَّ من المسلمين أو من لم يستطع الحج، لأن مشاعر السعادة، ومشاعر الإيمان وحلاوته تنتقل إلى كل مسلم لأنه يعيش هذه المشاعر المفرحة مع كل حاج ذاق حلاوة الحج كما ذاق سعادة العيد الأكبر.

عيدا المسلمين يأتيان بعد عبادة كبرى، شكرا لله واعترافا بفضله، فعيد الفطر بعد عبادة الصوم، أما عيد الأضحى فبعد أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، بطبيعة الحال يؤدي المسلمون شعائر حجهم، فمنهم من يكون حجه هو الأول، ومنهم من يحج تطوعا يبتغي الأجر، والله - سبحانه - الأكرم يعطي من يشاء كيف يشاء ومتى يشاء، لكن عبادة الحج لها مدلولات كبرى في حياة الإنسان يجب عليه أن يتأملها جيدا، ويعيش فوائدها طيلة حياته، وهذا هو الهدف الأسمى من الحج، ومن لم يستفد من دروس الحج فعليه أن يعيد النظر في حجه.

الحج فرصة للتطهر من الذنوب كافة، لأن من حج ولم يرتكب ذنبا عظيما عاد من حجه نقيّا من كل ذنوبه، لكن هذه النقاوة تحتاج إلى من يحافظ عليها إلى الأبد، فليس من المقبول أن يعود الحاج إلى ما كان عليه من أفعال خاطئة بعد الحج، والأصل أن يبقى على طهارته ونقاوته إلى أن يموت وهذا واحد من أهداف الحج الكبرى.

والحج فرصة كبرى يتأملها كل حاج ليعيد النظر - فيما بعد - عن كيفية تطبيقه لفكرة وحدة الأمة وقوَّتها وتماسكها.

معظم مناسك الحج تؤكد ضرورة الوحدة بين أبناء الأمة الواحدة، فالمسلمون جميعا يؤدون العبادات نفسها، وبالطريقة نفسها، وفي الوقت نفسه غالبا والمسلمون - أيضا - يقومون بالأدوار نفسها، ويؤدون - غالبا - العبادات نفسها، ويلبسون الثياب نفسها، كل هذا يدفعهم إلى التفكير في أصل نشأتهم، وأنها واحدة ومن عند الله سبحانه.

وفي الحج يجتمع المسلمون من شتى أصقاع العالم، على اختلاف أشكالهم وألوانهم وألسنتهم وتراثهم الثقافي والاجتماعي والتاريخي لكنهم مع كل هذه الاختلافات يعبدون ربّا واحدا ويؤمنون بدين واحد، ويتجهون إلى قبلة واحدة... لهذا كله معنى في غاية الأهمية، ملخصه أننا أمة واحدة مهما اختلفنا في الظاهر، وأن من لوازم هذه الأمة أن تكون موحدة إذا أرادت أن تكون قوية لها قيمتها الحقيقية بين سائر أمم الأرض.

نختلف في أشياء، قد تزيد أحيانا وقد تنقص أحيانا أخرى، ولا شيء في هذا النوع من الاختلاف، ويجب أن نستثمره ليحقق لنا مزيدا من القوة والكرامة، لكننا يجب أن نتفق على المبادئ الكبرى كأمة واحدة يشعر بعضنا بحاجته إلى الآخر، وأنه جزء من كيانه الكبير الذي يجب ألا يتخلى عنه أبدا.

أشعر بالألم، والخزي أحيانا عندما أقارن حاضرنا بماضينا، ولكن العاقل يستفيد من ماضيه ليقوي حاضره... ماضينا يؤكد أننا كنا أمة رائعة بكل التفاصيل، قدمنا الحضارة بكل مقاييسها للبشر عامة، وماضينا القريب يؤكد أننا فقدنا معظم ما نملك عندما انهارت دولة المسلمين في اسطنبول - على رغم كل ما قيل عن هذه الدولة - لأننا حققنا كل ذلك عندما كنا أمة واحدة نعمل يدا واحدة ولا نترك بعضنا بعضا، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى.

الحج يجب أن يدفعنا باتجاه الوحدة - على أي طريقة - ليس مهما أن تكون كل دول المسلمين دولة واحدة، المهم أن يعملوا معا يدا واحدة ليكونوا قوة لها هيبتها.

أليس من العيب أن يترك المسلمون إخوانهم في غزة وفي الصومال جياعا مرضى وهم يتفرجون على ما يحدث لهم من مآس وكأن الأمر لا يعنيهم؟ أين حقوق المسلمين بعضهم على بعض؟ أليس من العيب أن تملك أمتنا ثروات طائلة مادية ومعنوية وتكون عالة على الآخرين، طعامنا منهم، ولباسنا منهم، وسلاحنا منهم؟ أليس من العيب أن يتناحر المسلمون بينهم، بسلاحهم تارة وألسنتهم تارة أخرى؟!

كل ذلك يدعو كل مسلم إلى أن يعيد النظر في طريقة تعاطيه مع سائر عبادته، وأهمها الحج الذي نعيش أيامه ومعانيه وأهدافه الكبرى.

وكما يفرح بعضنا في العيد - ومن حقنا أن نفرح - لكن من حق الآخرين أن نعمل بكل طاقاتنا لكي يشاركونا في هذا الفرح، فهم إخواننا في الدين، والأمة الحية القوية لا تكل ولا تمل ولا تطيل النوم.

وأخيرا... الشكر كل الشكر لحكومة المملكة العربية السعودية التي بذلت كل الجهد لتقديم كل شيء لراحة الحجاح وأمنهم

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2286 - الإثنين 08 ديسمبر 2008م الموافق 09 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً