العدد 2286 - الإثنين 08 ديسمبر 2008م الموافق 09 ذي الحجة 1429هـ

عيد عُمان... واعتباطية لجان الرؤية

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

التحاق سلطنة عمان هذا العام بركب الدول التي «انشقت» عن رؤية المملكة العربية السعودية في اعتماد عيد الأضحى المبارك، كما أنه أحدث جدلا وارتباكا في الشارع العماني، فقد أفضى بالمقابل إلى عدة دلالات مهمة أبرزها انتهاء عهد الاتكالية العربية والخليجية في إثبات رؤية الهلال على منطقة واحدة وحصر قرار مطالع الشهور لمئات الملايين من الناس في أيدي عدة أشخاص.

العيد العماني هذا العام، الذي اشتركت فيه السلطنة مع أكثر من نصف الشعب البحريني وجزء كبير من شعوب المنطقة، لم يكن تمردا فلكيا، وإنما خطوة جريئة لإعطاء لجان الرؤية الرسمية في بلداننا الخليجية على الأقل دورا اعتباريا، بدلا من أن تكون شكلية واعتباطية تنتظر قرار نظيرتها السعودية فتمشي خلفه. كما أنه يعطي لعلماء الدين والفلكيين في أنحاء الخليج اعتبارهم، بعد تهميش دورهم في رؤية الأهلة واستغفال جهودهم والاعتماد على هيئة الرؤية السعودية التي لها كامل الاحترام. آن لشعوب الخليج أن تقر أعيادها ومناسباتها بنفسها، من دون اعتماد «أعمى» على الغير.

العيد العماني الذي يصادف اليوم (الثلثاء) وتشترك معه بلدان كثيرة، ليس بالضرورة أن يكون هو الأصح فلكيا، لكنه يعطي دافعا لبقية الدول وعلى رأسها مملكة البحرين أن تعيد النظر في حساباتها الفلكية وطرق اعتماد أهلة الشهور، وتبدأ بتفعيل حقيقي لدور لجان وهيئات استطلاع الرؤية التي تصرف عليها الموازنات الطائلة، ولكن الكل يعلم أنها رهن إشارة الجارة السعودية.

ينظر الكثيرون إلى هذا الاختلاف الفلكي على أنه انشقاق في صفوف الأمة العربية الإسلامية، ويؤكدون أن أمة لم تستطع التوحد في هلالها لن تستطيع التوحد في مواجهة الأخطار الأمنية المحدقة. كما ينظر آخرون إلى أن تفكك الأعياد أفقد الشعوب العربية حلاوتها، وخصوصا أن الاختلاف وصل إلى البيت الواحد. وتلك النظرات على رغم ما تحمل من واقعية فإن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ إن وحدة الأمة كما يراها صنف آخر لا تنحصر في اتحاد الرؤية «الفلكية»، بل إنها محتاجة إلى أن تتوحد في الرؤى السياسية والاقتصادية الجريئة التي تراعي مصالح شعوبها بدلا من استنزاف خيراتهم لصالح الغرب وكروش المتنفذين.

بين جمالية الوحدة والتعددية

جماليتان يطمح إليهما الناس في أوطاننا العربية؛ جمالية الوحدة وجمالية التعددية. وبين الاثنتين مساحة مشتركة كبيرة لابد أن نستثمرها، فلا تضاد بين المفهومين إلا فيما يمكن التغافل عنه من أجل مصالح أكبر. وهو ما ينطبق على قضية «الرؤية». فكما للوحدة بعد جمالي يعطي للفرح الاجتماعي معنى أسمى فإن للتعددية أيضا دلالات إيجابية تعزز من قيمة الإسلام في قبال الأديان الأخرى.

هناك آراء كثيرة تدعم القبول/ الرضوخ للتعددية في حال يئسنا من التوحد الفلكي، ومنها ما قاله الرئيس الجديد للمجلس العلمائي سيدمجيد المشعل في ورقة أعدها بهذا الشأن إثر الاختلاف الذي حصل في عيد الفطر الماضي وانقسامه لثلاثة أعياد، إذ اعتبر أن هذا التعدّد والاختلاف «يعبّر عن مستوى من الحريّة الفكريّة يكتنزها الإسلام ويمارسها فقهاؤه وعلماؤه، وكذلك عموم المسلمين». فالاختلاف في الهلال كما يراه المشعل «صورة واضحة لها انعكاسها العمليّ لنظريّة الاجتهاد، وحريّة الرّأي الفقهيّ، والقناعة الذاتيّة، والموقف العمليّ الذي يمارسه المسلمون في مختلف جوانب حياتهم الدينيّة كلُّ ذلك في ضوء الضوابط العلميّة الدّقيقة». كما يرى المشعل أنّ هذا التّعدّد والاختلاف العلميّ والعملي «يمثّل درسا عمليّا لحالة التّعايش الذي ينبغي أنْ يتربّى عليه المسلمون ويعيشونه فيما بينهم، فإذا استقبل كلّ واحد الآخر الذي يختلف معه في العيد وابتسم في وجهه وهنّأه بالعيد، ليستقبل بدوره في اليوم الآخر التّهاني من أخيه الذي سبقه في العيد، فإنّهم عبر هذه الصورة الجميلة - على بساطتها - يمارسون قِيم التّعايش والمحبّة والسماحة والقبول بالآخر».

لا استغفال ولا إكراه في العيد

هذه النظرة المغايرة لاختلاف الرؤية تجعلنا نعيد التفكير في ما نمارسه من نقد جارح مفتوح على مصراعيه لعملية التفكك الفلكي في مجتمعاتنا. وما تم تداوله من معلومات عن أن صلاة عيد الأضحى اقيمت يوم أمس في بعض المناطق العمانية التي تقطنها غالبية من المسلمين السنة كمحافظات مسندم وظفار والبريمي، وليس اليوم كما أعلنت السلطات العمانية، يشابه إلى حد كبير ما يحصل من اختلاف في مملكة البحرين، فالعيد الرسمي بدأ منذ أمس (الاثنين)، ولكن هناك جزء كبير من البحرينيين سيؤدون صلاة العيد اليوم.

وللجميع نقول بروح المحبة والتآخي: عيدكم مبارك وأعاد الله عليكم العيد في وحدة حقيقية تحقق جميع مطالبكم وتنعمون فيها بالأمن والاستقرار، وترون إخوتكم في فلسطين والعراق وغيرها في حال افضل من هذا الحال. وحينها لا ضير لو صارت لنا حتى ثلاثة أعياد. فهذه التعددية تعكس شفافية ديننا الحنيف في احترامه للقناعات الذاتية للمسلمين (في الموضوعات الخارجية) من دون تبعيّة عمياء ولا إملاءات فوقيّة، وتؤكد ألا استغفال ولا إكراه في العيد

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2286 - الإثنين 08 ديسمبر 2008م الموافق 09 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً