العدد 2300 - الإثنين 22 ديسمبر 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1429هـ

الرسالة الزيدية: كيف سيقرأها أوباما؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ما فعله منتظر الزيدي ومنذ لحظاته الأولى أصبح حديث العالم كله، فلأول مرة يُقذف حاكم بحذاء، فضلا عن ان المقذوف رئيس لأقوى وأعظم دولة في العالم.

عالمنا العربي - في مجمله - استقبل هذا الحديث بفرح كبير، فمنذ الساعات الأولى بدأت أستقبل رسائل هاتفية تحوي قصائد مؤيدة لما قام به منتظر الزيدي، رسائل من داخل المملكة ومن خارجها، قصائد بالفصحى وأخرى بالعامية، نكات على هذا أو ذاك، تهاني حارة من الداخل والخارج، الكل يعبّر عن تعاطفه وفرحته بالصورة التي يراها.

الإعلام العربي لم يتوقف عن طرح ما فعله الزيدي في كل وسائل الإعلام، ومنظر قذفه للحذاء باتجاه بوش، كان الحدث الأبرز في القنوات الفضائية، أما الكتّاب العرب فقد تنافسوا في طرق تناول الموضوع، كما تنافسوا في الحديث عن آثار ما فعله الزيدي على الرئيس بوش وإدارته.

لكن قلة لا تكاد تُذكر من الكتّاب استنكرت هذا العمل باعتباره يتنافى مع مهنة الصحافة، كما يتنافى مع آداب الضيافة، وهو - كما قالوا - لن يحقق أي شيء للعراق، وسيعطي انطباعا سيئا عن العرب.

أكثر الذين شنوا حملة على منتظر الزيدي من السعوديين الكاتب في صحيفة «الرياض» محمد المحمود، فقد اعتبر عمله «جريمة سلوكية» ووصفه بأنه «إعلامي عراقي همجي» وهاجم بشدة كل الذين وقفوا معه، ونعتهم بأبشع الصفات، وقال عنهم: إنهم نتاج الواقع المأساوي للعقل الجمعي العربي، وانتهى إلى أن بوش وحكومته لن ينالهم أي ضرر من ذلك الفعل!

ومثله فعل الكاتب في «عكاظ» عبدالله أبوالسمح، فقد وصف الزيدي بالجبن، وأثنى على الديمقراطية الأميركية مدللا عليها بأن «الجبان» خرج من المحكمة يمشي على رجليه! ولست أدري على أي رجلين كان يمشي ذلك «الجبان»! بطبيعة الحال هناك مثلهما في هذا البلد أو ذاك ولكل واحد أجندته الخاصة.

على أية حال لكلٍّ الحق أن يقول ما يشاء، وأن يفكر بالطريقة التي تعجبه، ولكن ليس لأحد الحق أن يطلق ألفاظا سيئة على معظم العرب الذين يخالفونه الرأي فهذا لا يتفق مع الديمقراطية أو الحرية التي يدّعون بأن بوش قد حققها في العراق.

السيد «منتظر الزيدي» سيحاكم أمام محكمة مختصة بالإرهاب، وهذا يؤكد ديمقراطية الحكومة العراقية، كما يؤكد مقولة بوش إن «منتظر» كان يمارس حريته!

السيد «منتظر» عبّر بطريقته عن مدى حقده على من احتل بلده ودمرها، ورسالته فهمها بوش والأميركان، كما فهمها كلُّ من احتفل بفعله، لكن الأهم - في نظري - كيف سيفهمها الرئيس القادم (أوباما)؟

من المعروف أن السيد «أوباما» وعد ناخبيه أن الجيش الأميركي سيغادر العراق، ومعروف - أيضا - أنه كان ضد غزو العراق، ولكن - من المعروف أيضا - أن الوعود الانتخابية شيء وتحقيقها شيء آخر.

هناك اتفاقية أمنية وُقّعت بين أميركا والعراق، وهذه الاتفاقية تحوي نصوصا مطاطة قد تبقي الأميركان وقتا طويلا في العراق، والاجتهادات في فهم تلك النصوص بدأت الآن، وبدأ القول إن الجيش الأميركي سيبقى في بعض المدن خلافا للاتفاقية الأمنية، كما أن بعض قادة العراق يعتقد أن مصلحة العراق في بقاء الجيش لعشر سنوات أو أكثر! وهكذا وجدنا - وسنجد - أن الأميركان - في ظل عقليتهم الحالية - سيحاولون البقاء في العراق مادام أن لهم أو للصهاينة مصلحة في ذلك.

الرئيس القادم (أوباما) عليه أن يقرأ بدقة رسالة «منتظر» وألا يصدق أن أحدا في العراق يرحب بالاحتلال، وأنه لم يسبق لأحد أن رحب باحتلال بلاده وتدميرها إلا شرذمة من المستفيدين من الاحتلال.

عليه أن يقرأ بدقة الفرح العارم في الشارع العربي لما فعله «منتظر» ودلالة هذا الفرح...

عليه أن يدرك أن هذا الفرح يُعبّر عن الكراهية الشديدة لسياسة سلفه (بوش) ليس في العراق وحدها بل وفي فلسطين وأفغانستان.

عليه أن يقرأ ردة الفعل في الشارع الأميركي ليعرف أن كثيرا من الأميركان كانوا ضد سياسة سلفه، فقد تسبب في موت الآلاف منهم، كما تسبب في الأزمة الاقتصادية الهائلة التي لحقت بالأميركان خاصة والعالم عامة.

على الرئيس القادم أن يسحب كامل جيشه من العراق، وأن يترك العراق لأهله، كما عليه أن يفعل الشيء نفسه في أفغانستان فقد مضى زمن الاستعمار، وكما هُزم الأميركان في العراق فستلحق بهم الهزيمة في أفغانستان، الحل ليس في زيادة الجيش هناك بل في سحبه وترك أفغانستان لأهلها.

على الرئيس القادم ألا يسير على هدي سلفه في موضوع القضية الفلسطينية، فقد تحدث بوش كثيرا لكنه لم يفعل شيئا واكتفى بتشجيع حصار غزة والتضييق على أهلها، ومنع الطعام والدواء عنهم.

عليه أن يحقق العدالة للفلسطينيين، كما أن عليه أن ينهي أكذوبة الإرهاب التي استغلها سلفه لمحاربة كل المناشط الإسلامية في العالم كله.

إنْ أحسن الرئيس القادم قراءة رسالة «منتظر» فسيتحقق الخير لوطنه ولأوطاننا، وإلا فإن الرسائل الأسوأ لن تتوقف

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2300 - الإثنين 22 ديسمبر 2008م الموافق 23 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً