العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ

محسنة توفيق: سينما يوسف شاهين مختلفة ومَنْ لم يعمل معه لم يمثل

وصفها المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين بأنها من «مجاذيب السينما المصرية»، وهي حالة خاصة جدا، تعرف من ملامحها أننا نعيش أزمة، وترى على وجهها واقعنا الأليم، دائما مهمومة بهموم الوطن، وأطلق عليها النقاد «الكنز»... هي الفنانة المتمردة المختلفة محسنة توفيق التي كان معها هذا الحوار:

في البداية... كيف كان التعرف بـ «جو» وكيف كانت البداية؟

- لا أخفي أن تعرفي بشاهين قديم قدم تعرفي بالفن، أقصد الفن الذي يتحدث عن الناس، فكنت صغيرة عندما ذهبت إلى السينما الصيفية بجوار منزلنا وشاهدت فيلم «ابن النيل»... هذا الفيلم كان له أبلغ الأثر في تغيير علاقتي بالحياة وبالمحيط الذي نشأت فيه، هذا الفيلم جعلني أنظر إلى عموم الناس الذين كان يتحدث عنهم شاهين، في هذا الفيلم جعلني شاهين على رغم هذه السن الصغيرة أدرك معنى قيمة هذا الوطن من خلال أبنائه، فهذا هو الفن الحقيقي الذي يبقى. قد يكون الفيلم على المستوى الفني أقل من أعمال أخرى ولكني أعتقد أن عبقرية هذا الفيلم تكمن في أن يوسف شاهين جعلنا للمرة الأولى نرى أنفسنا. أما عن تعرفه هو بي فكان قبيل فيلم «العصفور» العام 1972، فقد شاهدني مصادفة في فيلم من إخراج ماجدة هلال وهو بالمناسبة كان مشروع تخرجها من المعهد واختارني لأداء دور «بهية» أي أنه - وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون - لم يخترني في فيلم «حادثة شرف» أول فيلم مثلته، ولا من مسرحية «أجاممنون».

دور «بهية» من العلامات المهمة في تاريخ السينما المصرية... كيف رأيت الدور قبل الفيلم وبعده؟

- الغريب أن هذا الدور لم يكن بهذه الروعة على الورق، فأنا اعتقدت أنه دور جميل وفرصة لكي أقف أمام كاميرا هذا العبقري، طبعا كنت خائفة جدا، وعلى ما أذكر أنني لم أشعر بهذا الشعور مطلقا في عمل آخر، المهم أنه بعد تصوير الفيلم وعرضه على شاشة السينما أصابني الذهول، بل أعتقد أنه أصاب جميع العاملين في الفيلم لأننا وجدنا أن شخصية «بهية» هي محور الأحداث وملمة بخيوط جميع الشخصيات فيه.

كاميرا يوسف شاهين الساحرة... ماذا عن شعورك أثناء الوقوف أمامها؟

- هي فعلا ساحرة، ولكن سحرها يكمن فيما يشعر به شاهين نفسه من حبه واعتزازه بما يقدمه، وأعتقد أنني أيضا كوني ممثلة مثل كل من وقف أمام تلك الكاميرا الساحرة أحببناه، لأنك أمامه تفعل كل ما بوسعك من حركة، إذا تطلب الأمر من إحساس سواء بالحزن أم بالفرح، تبقى مفعما بالحيوية والنشاط الذهني طوال الوقت. سحره يكمن في أننا تعلمنا منه الكثير، تعلمنا منه لغة العين والجسد، اكتشفنا معه أنفسنا، اكتشفنا معه إحساسنا ببلدنا، اكتشفنا معه الناس. أذكر أن أهم لحظات وقوفي أمام كاميرا شاهين كان وقت تصوير مشهد النهاية في فيلم «العصفور» عندما خرجت جموع الناس في الشوارع والميادين بعد خطاب تنحي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مطالبين إياه بالعدول عن هذا القرار، شعرت أثناء المشهد بأننا فعلا في هذه اللحظة التاريخية التي عايشتها في الحقيقة عندما خرجت وشاهدت الناس وكأنها مدفوعة دفعا من نوافذ منازلها إلى الشوارع وهي تقول «لا» لتنحي عبدالناصر، المشهد كان معبرا وعايشته كـ «بهية» هذه السيدة التي أحست بالخطر فعلا مثل جموع هذا الشعب وليس بصفتي (محسنة) التي مرت بالتجربة نفسها ولكن بتفلسف الطبقة التي كانت منها. وأذكر أثناء المشهد أنني استأذنته في إضافة كلمة «هنحارب» على المكتوب في السيناريو، ووافق، وهذا دليل على صدقه باعتباره إنسانا قبل أن يكون فنانا صادقا، وهذا ما جعلني أجهش بالبكاء بعد تصوير هذا المشهد لأنني كنت مازلت وقتها شاعرة بمرارة الهزيمة.

آفاق شاهينية

لم تكوني في عمر «بهية» في «العصفور»... ألم يشكل هذا عائقا لديك؟

- إطلاقا، لأنني على اعتقاد راسخ بأن الشعوب تفهم أكثر وتشعر بدقة، وخصوصا في اللحظات الفارقة في التاريخ، فلا عجب أن أؤدي دور سيدة وخصوصا مع اهتمامي بـ «الناس الغلابة» التي منهم «بهية» الأم المطلقة المحبطة المثقلة بالأعباء التي تحب من دون أمل، فقبولي للدور كان أشبه بالواجب الوطني الذي أؤديه لأبناء هذا الوطن في هذه اللحظة بعد النكسة، وأعتقد أنني أحسست بعد هذا العمر الطويل بأن الشعب في مظاهراته العام 1967 كان قد وصل إلى مرحلة كبيرة من النضج، لأنه خرج ولم يهتم بالنتائج أو العواقب، فكيف أرفض دور «بهية» وهو بهذه الخصوصية.

ماذا طلب منك شاهين في دور «بهية»؟

- يوسف شاهين لم يكن يبحث عن «فورمة تمثيل» بقدر ما كان يبحث عن اللحظات الحقيقية التي يعيشها البشر الحقيقيون. إحساسي بالسينما ظهر مع يوسف، فهو من فتح لي الأفق فتحا سواء في «العصفور» أم في «إسكندرية ليه» أم في «الوداع يا بونابرت»، ولكن هناك مشهدا لن أنساه طوال حياتي، ففي فيلم «العصفور» كنت جالسة في «الأوتوبيس» شاردة مهمومة، وكان شاهين يجلس أمامي يحدثني فيما يدور في خيالي، فسرحت معه ومع كلامه، وأحسست أثناء المشهد بأنه سيكون مشهدا جميلا لي على مستوى التمثيل... وفعلا عندما شاهدته كان كذلك.

نترك «العصفور» ونذهب إلى ثاني تعاون بينكما وهو «إسكندرية ليه» ماذا كان الاختلاف بين التجربتين؟

- الاختلاف بين التجربتين هو تماما الاختلاف بين الشخصيتين، فـ «مريم» هي أم «عفريتة» تحب ابنها وخائفة عليه، تلعب بالبيضة والحجر أحيانا، تريد أن تجعل ابنها يسافر كي يتعلم في أميركا، فالشخصية كانت جميلة وعميقة، طبعا لم أكن خائفة خوفي في «العصفور»، ولكن كان استعدادي كبيرا في هذا الفيلم لأنها ببساطة شخصية «أم يوسف» نفسها، وأعتقد أنه راض عنها تماما عندما قدمتها في الفيلم.

ما أهم لحظات فيلم «إسكندرية ليه» في رأيك؟

- أعتقد مشهد الوداع في الميناء، فكان «يحيى» الابن (محسن محيي الدين) على ظهر الباخرة الكبيرة المسافرة إلى أميركا ونحن أسرته نودعه على الرصيف، وكنت أنا وأبوه (محمود المليجي) وأخته (ليلي حمادة) وهناك تفاصيل شعرت بأنها لحظة حقيقية جدا عندما أشرت إلى «يحيى» بيدي بأن يقص شعره عندما يصل إلى هناك... الفيلم به لحظات إنسانية جميلة وأعتقد أن هذا المشهد هو الأعمق والأجمل.

مذاق كاميرات شاهين

وماذا عن «الوداع يا بونابرت»؟

- هو عمل من أعمال شاهين التي أبدع فيها على مستوى الصورة، ولكنني اختلفت معه في بعض الأشياء لا أحب أن أذكرها، ولكنها كانت في العمل وليست خارجه.

ما الدور الذي أعجبك وتمنيتي أن تمثليه في أفلام شاهين؟

- هناك الكثير من الأدوار، أولها طبعا دور «وصيفة» في فيلم «الأرض» الذي قامت به نجوم إبراهيم، ودور «فاطمة» في «عودة الابن الضال» وقامت به سهير المرشدي، ودور «صديقة» في «اليوم السادس» وقامت به داليدا، هذه منها، ولكن الوقوف فقط أمام كاميرا شاهين له مذاق خاص حتى في الأدوار الصغيرة، فتخيل كنت سأكون سعيدة جدا لو قمت بدور «خضرة» في فيلم «الأرض» التي قامت به فاطمة عمارة.

هل عرضت عليك أعمالا ورفضتها؟

- نعم... عرض علي دور في فيلم «الآخر» ورفضته وغضب مني يوسف، وأنا في هذه اللحظات أعلن عن ندمي لأني لم أقم بالدور.

لماذا؟

- لأنني لم أكن أدرك هذا الحب وهذا العشق لشاهين إلا في وقت الخطر على حياته، طبعا كنت مدركة أهميته من قبل، ولكن آنذاك أدركتها أضعاف أضعاف ما كنت أتوقع، فعندما نحب أحدا ليس شرطا أن يكون الأهم في الدنيا ولكن نحن نحبه لأننا نحبه، ويا ليته عرف في محنة مرضه كل ما أكنه له من حب وامتنان، ففي ذلك الوقت بالذات أدركت لماذا كنت أطالبه بالمزيد.

في رأيك من أهم ممثل وقف أمام كاميرا شاهين؟

- الفنان العظيم محمود المليجي، فقد استطاع شاهين أن يظهر لنا مدى جمال هذا الممثل الجميل، وأنا محظوظة لأنني مثلت أمامه في «العصفور» و «إسكندرية ليه»، وكنا أصحاب ومتفاهمين جدا، وبالمناسبة كنت زوجة له في فيلم وطليقته في الفيلم الآخر.

وماذا عن الأعمال التي أعجبتك لشاهين؟

- معظم أعماله القديمة أحبها جدا، أما حديثا فأحببت «المهاجر» فهو فيلم قدم فيه شاهين رؤية سينمائية عالية، ولا يقارن بالأعمال التي عرضت في دور العرض وقتها.

العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً