العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ

الطائفة الثالثة في البحرين

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الملعب السياسي الجديد الذي شخصناه في الحلقة الماضية من هذا المقال قد خلق متغيرات ومحددات جديدة لابد من التنبؤ باحتمالات مستقبلية وباستمرار أن تكون خيوط اللعبة السياسية الجديدة في يد الحكم وعدم انفلاتها لغير صالحه، ومن هذه المحددات الجديدة الدوائر الانتخابية وكيفية التحكم والسيطرة على الأصوات الانتخابية وبما يحقق التوازن الطائفي أولا، ووجود قوي للقوى المتحالفة والمنحازة والمؤيدة والمتعاطفة والمعتمدة على الحكم ومع الحكم ثانيا، وهنا بدأت تنفيذ سياسة التجنيس بهدف تحقيق التوازن المذكور وانتقل الهاجس السياسي للمرتبة الأولى بعد أن كان الهاجس الأمني هو المهيمن على رغم بقاء الترابط العضوي بين الهاجسين، فالأمن يكمل السياسة في بقاء الوضع تحت السيطرة!.

وساعد الحكم في هذا الأمر متغيرات دولية منها مسألة حقوق الإنسان حيث أصبح حق الإنسان في طلب الجنسية جزءا من معايير دولية وأصبحت حقوق العمالة المهاجرة تطرح بقوة على العالم المتحضر.

إن أحد أهم التنبؤات المستقبلية القابلة للتحقيق وذلك بسبب ارتباطها بالمعايير الدولية للمنظمات ليست فقط الحقوقية والشفافية العالمية بل الاقتصادية والاستثمارية التي تقيس استقرار مناطق الاستثمار هو التوزيع العادل والشفاف والموضوعي للدوائر الانتخابية، ليعكس ذلك نفسه على التمثيل العادل والحقيقي للمواطنين في البرلمانات والمجالس البلدية والإدارة المحلية، وإن الضغوطات العالمية في هذا الشأن آتية لا محالة، وكذلك فإن استمرار مصداقية السلطات التشريعية في الدول النامية الداخلة في عمليات الإصلاح السياسي والديمقراطي وإن كانت سلطات تشريعية ترقيعية وشكلية وذات صلاحيات محدودة غير أنها ضمن المقاييس الدولية للمنظمات ذات العلاقة فان تركيزها واهتماماتها وضغوطاتها توجه صوب التمثيل العادل للمواطنين، وإن أهم أدوات التمثيل العادل هي الدوائر الانتخابية.

لذلك فإن استمرار الوضع غير الطبيعي والشاذ للدوائر الحالية سيواجه تدريجيا ضغوطات داخلية من المعارضة وخارجية من تلك المنظمات بل وحتى الدول الحليفة الغربية.

إن الاستعداد للأسوأ هو طريق وأسلوب مستخدم في إدارة الأزمات المقبلة والراهنة، ولذلك فإن سياسة التجنيس السياسي الراهنة تصب في الاستعداد لتحقيق الاحتمال المذكور والبدء في إعادة توزيع الدوائر الانتخابية ليكون التمثيل متكافئا من حيث كثافة السكان في كل دائرة.

غير أن هذه الاستراتيجية قصيرة النظر إذ لا تراعي جملة من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المستقبلية.

كما إنها لا تراعي احتمالية تشكيل طائفة ثالثة في المجتمع من المتجنسين الجدد، تلك الطائفة التي تميز نفسها أيضا ليس فقط من جانب المذهب مع الطائفة الشيعية وانسجامها مذهبيا مع الطائفة السنية، وهو الدافع الراهن في سكوت بل وموافقة بعض السنة لهذه السياسة التجنيسية، بل ستميز نفسها قيميا وثقافة وتقاليد وطريقة حياة وممارسات وانتماءات للأصول بل وارتباطات مع الخارج الأصل سياسيا واقتصاديا وثقافيا وقيميا ومصلحيا، وهو تمييز يعطي للطائفة الجديدة خصوصيتها عن الطائفتين الأساسيتين في البلاد، بل قد يؤدي ذلك إلى فزعات واصطفافات لأبناء هذه الطائفة الجديدة من كل الجنسيات وتوحدها لمواجهة الرفض والصد اللاشعوري الجمعي للمجتمع البحريني لها، الأمر الذي يؤدي إلى تحصين نفسها بالتمركز في مدن ومناطق محددة، وهذا ما يقوم به الحكم حاليا في تمركز جغرافي للمتجنسين في المحافظة الجنوبية لملئها وتكثيفها سكانيا ليكون أي توزيع جديد للدوائر الانتخابية يخدم الهدف الذي كشفناه أعلاه، كما ستقوم بتحصين نفسها عبر تمييز نفسها في الاحتفالات والمناسبات وحتى في التقاليد والممارسات بل ومن الممكن في الشعائر الدينية، بل ستميز نفسها في نوعية الوظائف والمهن والتجارة، وهي سمة أية طائفة أو أقليات تبدأ في تشكيل نسيجها القيمي والمصلحي أسوة بالجاليات الصينية والهندية والمكسيكية في أوروبا وأميركا التي أصبحت على رغم شرعية مواطنيتها لديها أحياؤها ومدنها وتجارتها واحتفالاتها وثقافتها الفرعية.

ومؤشرات تكوين الطائفة الجديدة بادية للعيان من وجود تجمعات خاصة بالمتجنسين وشيوخهم المسئولين في التوسط لحل المشكلات والخلافات ومقاهيهم وأعمالهم ومناطقهم شبه المغلقة.

غير أن الفرق بين هنا (البحرين) وهناك (أميركا وأوروبا وشرق آسيا) هو في الأهداف الوطنية للتجنيس ووجود استراتيجية وقوانين واضحة تهدف إلى استقطاب الكفاءات المهاجرة والاستثمارات والأموال والعقول المبدعة وتعزز المواطنية وليست الطائفية وتفرض القانون على الجميع وتحقق الحقوق للجميع بعدالة نسبية. وهذا ما يؤدي إلى استفادة المجتمع والاقتصاد بل والثقافة الكلية الوطنية من الثقافات الفرعية لهذه الجاليات.

إن تنوع وتعددية الثقافات في المجتمع الواحد ظاهرة إيجابية وحضارية وإنسانية بشرط أن يكون هذا المجتمع قد حسم أمر الحقوق والحريات وتأسيس دولة القانون والمؤسسات والمشاركة السياسية وتنفيذا حقيقيا لمبدأ المواطنة وتداول الحكم ووجود سلطات تشريعية ورقابية وقضائية قوية ونزيهة ومستقلة بحيث يتمكن المجتمع من امتصاص الأزمات والاحتقانات عبر مؤسسات ديمقراطية وقضائية بدلا عن تحصين كل طائفة وجالية وأقلية نفسها واعتماد أبنائها على التعاضد والتعصب الداخلي لهذه الطائفة أو تلك. ومن دون هذه المقومات الأساسية وغير المتوافرة في البلاد لغاية تاريخه فإن استمرار سياسة التجنيس الراهنة ستخلق طوائف من الإثنيات والأقليات المغلقة والمتصادمة مع ما هو مستقر اجتماعيا منذ القدم، بل وقد تحاول أن تفرض أجندتها الخاصة السياسية، في ظل مجتمع هش ريعي الاقتصاد، وقبلي الإدارة، وتجميد للعديد من المقومات الديمقراطية والحقوقية والمواطنية والسياسية والقضائية والمدنية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 2319 - السبت 10 يناير 2009م الموافق 13 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً