العدد 232 - الجمعة 25 أبريل 2003م الموافق 22 صفر 1424هـ

الضمان الاجتماعي وسيلة أساسية لتحصين المجتمع من الهفوات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الضمان الاجتماعي جزء أساسي من اقتصاد أي مجتمع متطور، هذا ما قاله سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في اللقاء المنشور في «الوسط» هذا اليوم (انظر ص 2).

وفعلا فإن الدول التي وفرت الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل هي التي أنقذت نفسها من مخاطر الاضطرابات السياسية والاجتماعية. والبحرين تعاني من أزمة بطالة، إذ يبلغ عدد العاطلين فيها 27 ألف مواطن، والنسبة التي أعلنها سمو ولي العهد مطلع هذا العام هي الأولى التي تصدر من جهة رسمية عليا وتتحدث عن معدل البطالة يبلغ 15 في المئة.

ولقد كانت إحدى شرارات الحركة الجماهيرية التي تحركت في منتصف التسعينات هي إضراب العاطلين عن العمل في يونيو/حزيران 1994. وكان رد فعل وزارتي العمل والداخلية عنيفا، إذ تم اعتقال عدد من الذين اعتصموا، ومن ثم توالت الحوادث وتداخلت، وبحمد الله تم إسدال الستار على مرحلة قانون أمن الدولة. ولكن مشكلة البطالة بقيت على ما هي عليه، مع استثناء ستة أشهر من العام 2001 عندما قدمت الدولة ضمانا اجتماعيا قدره 100 دينار للمتزوج و70 دينارا للأعزب، وأوكلت إلى إحدى شركات الاستشارات الإدارية مهمة صوغ برنامج تدريبي لإحلال الباحثين عن عمل في وظائف مناسبة.

إلا أن فترة الستة أشهر انتهت، ولم تفلح برامج الإحلال في حل الأزمة، لأنها معقدة ومرتبطة بعدة أمور، منها: تشبع القطاع الحكومي بالموظفين، وسعي عدد من القطاعات إلى المنافسة بعد تحريرها أو خصخصتها، ومنافسة العمالة الأجنبية السائبة والرخيصة للمواطن، وحاجة رجل الأعمال والقطاع الخاص لأيدي عاملة مطيعة وتقوم بالعمل المتواصل لكي ينافس أقرانه في الأسواق المحلية والخليجية، بالإضافة إلى بقاء سياسات غير رسمية تميز بين المواطنين في الوظيفة، وغيرها من العوامل التي تزداد تعقيدا مع الأيام.

إلا أن الصورة الأخرى التي تحدَّث عنها ولي العهد هي وجود اقتصادين في البحرين، اقتصاد على مستوى الدول المتقدمة مثل قطاع المصارف، واقتصاد على مستوى الدول الفقيرة في قطاعات عدة. وإن البحرين لن تستفيد على المدى البعيد من وجود نوعين من الاقتصاد، إذ يجب السعي للصعود بالاقتصاد العالم ـ ثالثي إلى اقتصادات العالم الأول.

وما يعقّد الوضع هو التشريعات التي صممت بصورة غير استراتيجية، وبالتالي فإن ما تقوم به هذه الوزارة أو تلك إنما يحاول معالجة موضوع صغير محاط بقضايا كبرى أخرى غير معالجة.

إن البحرين تسير في اتجاه الإصلاح الاقتصادي والذي من دونه لن يستفيد الشعب من الانفتاح السياسي. والإصلاح الاقتصادي يركز حاليا على تحرير وتخصيص عدد من القطاعات المهمة سعيا إلى خفض الأسعار وتوفير خدمات أفضل للمستهلكين وسد العجز في موازنة الدولة عبر الاستعانة بأموال القطاع الخاص.

ولكن البحرين أيضا عضو في منظمة التجارة الدولية، وسواء أخّرنا الأمر قليلا أم كثيرا فسرعان ما سنجد أنفسنا مرغمين على استحداث ضرائب حكومية، وربما يبدأ الأمر بضريبة الـ VAT، وهي الضريبة التي يدفعها المستهلك على أية سلعة يشتريها (ما عدا بعض السلع الأساسية) وتتسلمها موازنة الدولة. وهذه الضريبة تتراوح بين 10 و20 في المئة، فالسلعة التي تكلف حاليا دينارا واحدا ربما تكلف دينارا ومئة فلس مستقبلا، وتقوم الحكومة بتسلم المئة فلس.

غير ان الحديث عن ضرائب سيفرضها علينا ارتباطنا بالاقتصاد العولمي ربما يعتبر من آخر ما يود المواطنون الذين ينقسمون إلى فئتين التفكير فيه، والفئتان: فئة تنتمي إلى اقتصاد متطور يحصل على رواتب مماثلة للرواتب في أوروبا الغربية، وفئة كبيرة جدا (ربما ثلاثة أرباع الشعب) تتسلم معاشات مماثلة للدولة الفقيرة في جنوب آسيا وبعض الدول الإفريقية.

وإذا أضفنا الحديث عن ضمان اجتماعي يدفعه الذي يعمل للذي لا يعمل، كما هو الحال في البلدان والأخرى التي تقوم الحكومة فيها باقتطاع جزء من معاش كل عامل (سواء كان مواطنا أم غير مواطن)، ومن ثم تدفعه إلى المواطن العاطل عن العمل، فإننا ربما ننتقل إلى موضوع شائك يود الكثيرون لو يتم نسيانه.

غير ان الواقع يقول إننا نتجه بهذا الاتجاه الذي سيُفرض علينا دوليا أو انه سيُفرض علينا محليا. ولذلك فإن ما نحن بحاجة إليه هو سياسة واضحة واستراتيجية وطنية شاملة تستهدف أولا: معالجة الخلل في سوق العمل الحالية، وثانيا: توفير معونات من الدولة للمتضررين من التسريحات التي ستزداد مع الأيام. وفي الوقت ذاته نرفع الوعي الوطني لكل الفئات الغنية (اقتصاد العالم الأول) والفقيرة (اقتصاد العالم الثالث) بأن التغيير الضروري يتطلب منا جميعا التفكير بصورة إيجابية، وخصوصا إذا استطعنا ضمان المساعدة المالية للمواطن العاطل عن العمل، وتدشين برامج تدريبية واضحة مرتبطة بالقطاع الخاص، وليس بوزارة العمل أو وزارة التربية، لإحلال المواطنين في وظائف توفر لهم الرزق الكريم. ونظرة سريعة وعامة على حجم الاقتصاد وعدد السكان ومعدل النمو تشير إلى إمكان حدوث ذلك، ولكن شريطة وجود الاستراتيجية الواضحة والالتزام بقانون عادل يطبَّق على الجميع من دون استثناء

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 232 - الجمعة 25 أبريل 2003م الموافق 22 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً