العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ

الذين يراهنون على أوباما يراهنون على سراب

عبدالمنعـم الشـيراوي comments [at] alwasatnews.com

نعم فالذين يراهنون على الرئيس الأميركي الجديد وإدارته إما أنهم يجهلون طبيعة الولايات المتحدة الأميركية ولا يقرؤن جيدا معطيات الساحة الدولية ولا طبيعة وأسس النظام الأميركي، أو أنهم يفقهون ذلك جيدا ويحاولون خلط الأوراق واستغفال الآخرين بما فيهم شعوبنا العربية. ومن الواضح أن نظامنا الرسمي العربي يرى ويتوهم ويبني الأحلام من خلال رؤيته للنظام الأميركي والإدارة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية من خلال نظارة عربية الصنع تتوهم بأن القرار الأميركي يمكن أن يمتلكه ويهيمن عليه شخص واحد مهما كان موقعه أو نواياه. فالنظام الأميركي وآلية صنع القرار فيه ليس كما هو الحال في عالمنا العربي المتخلف والقرارات الصادرة عنه هي حصيلة عمل مؤسسات تهيمن الصهيونية العالمية عليه، ويتأثر بارتباط المصالح الأميركية بمصالح الصهيونية العالمية حول العالم وبالأخص في عالمنا العربي. قد تختلف التكتيكات كما أشارت إلى ذلك السيدة كلنتون في تصريحاتها بشأن استخدام القوة الذكية لكن لن تختلف الاستراتيجيات ولا التوجه الاستراتيجي العام عن ما عهدناه.

فبعض الساسة ورجال الإدارات الأميركية وبعد خروجهم من مواقع القرار, قد يتعاطفون أو يدافعون عن بعض القضايا وطريقة حل الملفات المعقدة في العالم وبالذات في عالمنا العربي كما هو الحال مع الرئيس السابق كارتر أو وزيرالخارجية الأسبق السيد بيكر. لكنهم محكومون بمصالحهم ومصالح أحزابهم وآليات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك قد نرى كما هو الحال عند بعضهم وبعد خروجهم من مناصبهم تصريحات ومواقف تعكس رؤية مختلفة، لكن ذلك يصدر للعلن بعد أن أصبحوا خارج اللعبة السياسية وخارج دائرة التأثير في قرارات الإدارات الأميركية. وعلى العموم فكل الإدارات الأميركية تعلم جيدا القرارات الدولية وأصل القضية بما في ذلك إلمامها إلماما تاما بقرار التقسيم وقرار عودة اللاجئين وارتباط قرار قبول الدولة الصهيونية في الأمم المتحدة بقبولها بقرار إنشاء الدولة الفلسطينية واعترافها بها. لكن تلك القرارات لا تتواءم مع الرؤية الصهيونية ومصالح الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأميركية، لذلك فهي تبقى حبرا على ورق بينما يختلف الحال إذا كانت قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية تتعلق بدول لا تخضع لهيمنتها وأجندتها كما هو الحال في إيران وكوريا الشمالية أو كما حصل بالنسبة إلى ليبيا والعراق.

إن حرب غزة والجريمة التي ارتكبها الصهاينة وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته البطولية هو الذي منع الصهاينة من تحقيق مخططاتهم، وذلك انتصار على رغم مكابرة البعض بشأن ذلك. وتأتي تلك المكابرة لا من منطلق اختلاف القراءة والتحليل لما حصل وإنما لأن الاعتراف بإنجازات الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة يتعارض جملة وتفصيلا مع الدور الذي رسم لهؤلاء في تلك الجريمة البشعة وأهدافها غير المعلنة. وليعلم هؤلاء بأن ما بعد جريمة غزة يختلف عما قبلها ولا مجال إلا لتكريس ثقافة المقاومة وممارستها على امتداد الساحة العربية وخصوصا على مستوى الساحة الفلسطينية. وإلا فكيف يمكن أن يلتقي المقاومون الشرفاء والمنتصرون مع المتخاذلين والفاسدين؟ وأية حكومة وحدة وطنية يتحدثون عنها تحت الاحتلال؟ وكيف يضع من دفع ضريبة الحرية والحقوق دما زكيا يده مع من تواطأ على القضية والحقوق ويشارك في مؤامرة ابتزاز الشعب الفسطيني ومقاومته؟ وإذا كانوا صادقين فليعاد تشكيل ما يسمى بمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها من خلال انتخابات حرة ونزيهة لنعرف ما هي إرادة الجماهير الفلسطينية في الداخل والشتات وبمن تثق تلك الجماهير في قيادتها لاسترداد حقوقها.

لذلك نرجوا أن لا ينخدع البعض بالتحليلات والوعود التي يروج لها البعض, وأن لا يرفعوا سقف توقعاتهم فلا يمكن للوجه القبيح للولايات المتحدة الأميركية ولا تاريخها الإجرامي الذي مازال بعضه ماثلا أمام أعيننا في أفغانستان والعراق أن يجمل صورتها أو يحسنها شخص واحد لا يملك في نهاية الأمر قرار نفسه.

ولا يفوتنا إلا أن نحيي الصفعة التي وجهها رئيس الوزراء التركي والموقف الشجاع والملتزم الذي وقفه في الندوة التي عقدت على هامش لقاء دافوس ورده الواضح والصريح على الأكاذيب التي رردها بيريز وانسحابه من تلك الندوة حين حاولوا إسكاته. ونعجب في الوقت نفسه من موقف الأمين العام للجامعة العربية الذي صفق لما قاله رئيس الوزراء التركي ولانسحابه بينما لم يتخذ موقفا مشرفا بمؤازرته والانسحاب معه من تلك الندوة. وعلى رغم كل ما قيل عن ماهية تصرف رئيس الوزراء التركي, فهو على الأقل عبر وبشكل شفاف عن موقف الشعب التركي والذي خرج بالآلاف لاستقباله عائدا من دافوس ومحييا مواقفه.

الصهاينة والإدارات الأميركية لا يفقهون أو يحترمون إلا منطق القوة، ولم ولن يحترموا إلا من يحترم نفسه. ولذلك وعلى هذا الأساس كان اتصال بيريز برئيس الوزراء التركي فيما بعد ليعتذر عن تصرفه في تلك الندوة ويؤكد على استمرارية العلاقات مع الدولة التركية

إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"

العدد 2340 - السبت 31 يناير 2009م الموافق 04 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً