العدد 2368 - السبت 28 فبراير 2009م الموافق 03 ربيع الاول 1430هـ

حركة سوزان مبارك للسلام ومناهضة الاتجار في البشر

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يعقد في المنامة من 1-3 مارس/ آذار المؤتمر الدولي لمناهضة الاتجار في البشر وذلك بمبادرة من المجلس الأعلى للمرأة ووزارة خارجية البحرين وحركة سوزان مبارك من أجل السلام. ونظرا لأهمية هذا المؤتمر لأنه يستهدف محاربة ظاهرة بغيضة ومتعارضة مع الفكر العالمي في القرن الحادي والعشرين ومع مبادئ حقوق الإنسان التي ارتضتها الدول المتحضرة والأديان السماوية والشرائع الكونية العالمية والحضارات الإنسانية جمعاء فإن هذا المؤتمر يعد علامة فارقة في النشاط الاجتماعي العربي.

وبما أن حركة سوزان مبارك من أجل السلام هي حركة وطنية مصرية من حيث المبادرة بإنشائها وهي حركة عالمية من حيث أهدافها وأنشطتها لذا فمن الضروري التعريف بهذه الحركة للقارئ العربي.

لقد نشطت السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس المصري حسني مبارك في مجالات الأنشطة الاجتماعية والخيرية والإنسانية... من مجال رعاية الطفولة والمرأة إلى مجال المكتبات ونشر الثقافة العامة من خلال عدة سلاسل أشرفت عليها وقامت بإصدارها الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلى قيادة الحركات النسائية في مصر من أجل التغيير وتطوير وتحديث المفاهيم الدينية الخاصة بالنظرة للمرأة ودورها في المجتمع وأدى ذلك لاستعادة حق المرأة في الخلع وتطوير قوانين الأحوال الشخصية وحق الزوجة المطلقة في سكن الزوجية في حالة وجود أطفال، كما أسفرت تلك الجهود عن تزايد دور المرأة في المجتمع من خلال جمعيات الرعاية المتكاملة والمجلس القومي للمرأة وانتشار المكتبات في مختلف المحافظات.

واستطاعت السيدة سوزان مبارك حشد جمع غفير من المثقفين والسياسيين ورجال الأعمال من الرجال والنساء لمساندة القضايا العادلة التي تدافع عنها من أجل إدماج المرأة في عملية التنمية بل وإدماجها في حركة المجتمع بعد أن واجهت الإقصاء والتهميش عبر سنوات كثيرة وسيطرة الفكر والتفسير الديني المحافظ الذي يتعارض مع الجوهر الحقيقي والمبادئ السليمة للإسلام، حيث كانت المرأة جنبا إلى جنب مع الرجال في المعارك تداوي الجرحى وتنقل الشهداء وتسقي العطشى وتحث علي قتال الأعداء ومن ثم ترفع الروح المعنوية للمقاتلين وأحيانا كانت تمسك بالسيف وتضرب به، كما كانت المرأة تتصدر للفتوى عبر القرون الطويلة. وفي مصر نحتفل دائما بالسيدة نفيسة ونطلق عليها نفيسة العلوم لعلمها الغزير، كما أن السيدة عائشة من أكثر رواة الحديث الشريف لمعايشتها النبي لسنوات كثيرة. ودور السيد زينب بنت الإمام علي عليه السلام ورضي الله عنه وكرم وجهه في مواجهة الطغيان دور مذكور في التاريخ الإسلامي وهكذا المرأة المسلمة جادة في طلب العلم، جادة في تقديم العلم جادة في الحرب كما هي جادة في السلم.

لقد تابعت من بعيد أنشطة متعددة للسيدة سوزان مبارك ولعل ما لفت نظري هو تلك الحركة الدولية التي تحمل اسمها وأطلقت مبادرة منها العام 2003 وضمت في مجلس إدارتها عدة شخصيات بارزة من الرجال والنساء المرموقين ودعت تلك الحركة للعمل من أجل السلام وتعزيز دور المرأة على المستوى الدولي باعتبارها هي حاضنة الرجال والنساء والتي تشكل تنشئتهم الأولى وتكوينهم منذ البداية ومن ثم تضع في عقولهم فكرة الحرب والعدوان والانتقام أو تضع في عقولهم بذور المحبة والوئام والسلام. وإعمالا للمقولة التي وردت في ميثاق اليونسكو أن فكرة الحرب مغروسة في عقول البشر وفي هذه العقول يجب محاربة فكرة الحرب وبناء السلام.

وقد نشطت حركة سوزان مبارك من أجل السلام بعقد الكثير من المؤتمرات الدولية في مصر والدول العربية والدول الأوروبية لمناقشة الكثير من القضايا وفي مقدمتها قضية من أخطر قضايا العصر وهي قضية الاتجار في البشر وهي بذلك تعود بالبشرية إلى عصور الرق الأولى وتحويلهم من بشر كرمهم الله سبحانه وتعالى إلى سلعة تباع في سوق النخاسة ونحن في القرن الحادي والعشرين. وقد بدأت حملة سوزان مبارك لمناهضة ذلك بعقد مؤتمر في جنيف العام 2004 بالتعاون مع وزارة الخارجية السويسرية وركزت على قضايا ثلاث هي تعزيز دور المرأة في عملية بناء السلام، مناهضة العنف ضد المرأة بجميع أشكاله ومناهضة الاتجار بالنساء والأطفال الذين هم الضحية الأولى للاتجار في البشر.

كما عقدت تلك الحركة مائدة مستديرة في مدينة أثينا عاصمة اليونان في يناير/ كانون الثاني 2006 بحثت فيها تشجيع الاقتصاديين ورجال الأعمال والشركات على الانضمام لحملة مناهضة الاتجار في البشر وهي الحملة التي أطلقت بعد ذلك باسم «أوقفوا الاتجار في البشر الآن».

واعتمدت الحملة في أنشطتها ما أطلقت عليه مبادئ أثينا التي استهدفت تشجيع رجال الأعمال والشركات على القيام بمسئوليتهم الاجتماعية تجاه مجتمعاتهم وتجاه البشرية جمعاء. وبالفعل استطاعت حشد نحو 1500 مؤسسة وشركة للتوقيع على مبادئ أثينا. وتلك المبادئ السبعة تتمثل في: تأكيد الرفض المطلق للاتجار بالبشر، وخاصة الاستغلال الجنسي للنساء للتوعية والتعليم ضد مخاطر تلك الظاهرة، الدعوة للمساهمة في مناهضة الاتجار بالبشر بما في ذلك حملات للتوعية والتعليم ضد مخاطر تلك الظاهرة، وضع استراتيجيات موحدة لمناهضة الاتجار في البشر، مطالبة جميع العاملين في الشركات والدول على جميع المستويات بمراعاة الالتزام الدقيق بسياسة مناهضة الاتجار في البشر، تشجيع شركاء الأعمال من موردين ومستوردين على تطبيق المبادئ الأخلاقية الخاصة بمناهضة الاتجار في البشر، مناشدة الحكومات مراجعة قوانينها ولوائحها لتفعيل ما يتعلق بمناهضة الاتجار في البشر أو تعديل ما يتعارض مع ذلك، مطالبة الحكومات بدعم سياسة مناهضة الاتجار في البشر.

ولاشك أن هذه الحملة الدولية لمناهضة الاتجار في البشر تدل على الفكر بعيد المدى لحركة سوزان مبارك الدولية من أجل السلام وإدراكها للمتغيرات التي تعيشها في القرن الحادي والعشرين وتتماشى مع توجهات الأمم المتحدة التي اعتمدت في العام 2000 بروتوكول مناهضة الاتجار في البشر، كما أن دولا كثيرة من بينها الولايات المتحدة أخذت تنشئ أجهزة خاصة لمتابعة تلك القضية الخطيرة ويمكن القول إن مصر تعد من الدول الرائدة في مقاومة تلك المشكلة بالانضمام للبروتوكول المذكور وأيضا من خلال مؤسسات قومية مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة وغير ذلك من مؤسسات الدولة الرسمية، ولا مراء في أن مصر كدولة ذات حضارة عليها مسئولية إنسانية تجاه شعبها وتجاه أمتها العربية وتجاه البشرية جمعاء في أن تتصدر حملة مناهضة الاتجار في البشر الذي يزداد تفاقما يوما إثر يوم ويشكل وصمة عار في جبين البشرية بأسرها ومن هنا أنشأ المجلس القومي للطفولة والأمومة وحدة خاصة لمتابعة قضية الاتجار في الأطفال وذلك بعد نجاحه في تعديل قانون الطفل العام 2008.

ولاشك أن مناهضة هذه الظاهرة البغيضة تحتاج إلى عدة إجراءات أولها تعديل القوانين وتطويرها، وثانيها الدعوة لتغيير السلوكيات من خلال التوعية، وثالثها إجراء حوار مجتمعي مفتوح لإبراز مخاطر الظاهرة وأشكالها المتعددة.

إن حركة سوزان مبارك الدولية من أجل السلام عليها مسئوليات عدة تجاه وطنها وتجاه القضية الفلسطينية وتجاه السلام العالمي وهذا يعزز من دورها ومن مكانتها ويجعلها حركة فعالة على المستوى العالمي بما يتناسب مع قدرة مصر ومكانتها ودورها الحضاري الرائد.

ولا مراء أن انعقاد المؤتمر الحالي في مملكة البحرين بمبادرة كريمة من صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم قرينة جلالة الملك تعكس أكثر من معنى ودلالة. الأولى أن السيدة البحرينية خاصة والخليجية عامة ليست أقل نشاطا وديناميكية من غيرها من السيدات الأول على مستوى قرينات رؤساء الدول المتقدمة، والثانية أن المرأة في البحرين التي كانت طليعة الحركة الاجتماعية والسياسية في التحرر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي عادت بقوة من خلال هذه القيادة الحكيمة للشيخة سبيكة للحركة النسائية، وثالثها أن المرأة البحرينية والمصرية خاصة والعربية عامة أمامها مجال رحب للعمل المشترك على المستوى العربي والدولي في إثارة الاهتمام بقضايا لا تقل أهمية وخطورة عن القضايا السياسية التي يعالجها الرجال ومن ثم فإن تكامل الجهود بين المرأة والرجل أصبح من الأمور المسلم بها في عصرنا الراهن، وذهبت إلى غير رجعة تلك الأفكار البالية التي تجعل المرأة رهينة الحبس المنزلي والقصور في العمل والفكر

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2368 - السبت 28 فبراير 2009م الموافق 03 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً