العدد 238 - الخميس 01 مايو 2003م الموافق 28 صفر 1424هـ

حرية التعبير عن الرأي: أساس التطور في كل زمان ومكان

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لم تتقدم حضارة ما ولم يتطور بلد ما إلا بعد ان سمح بحرية الرأي، وفسح المجال للعلم والعلوم والمعلومات، فالمسلمون كانو أمة عـظيمة لأنهم قدسوا العلم والعلماء، وفتحوا المدارس والجامعات قبل ان يعرفها الأوربيون.

والمسلمون كان لهم الفضل في نشر صناعة الورق بعد ان وصلت اليهم من الصين في العام 751م. ففي ذلك العام حدثت مواجهة عسكرية مع الصينيين أدت إلى وقوع بعضهم أسرى لدى المسلمين. وكعادة المسلمين الذين كانوا يفرجون عن اسراهم عندما يقوم اولئك بتعليم الآخرين، نقل بعض الأسرى صناعة الورق إلى المسلمين، واستطاع المسلمون الحصول على التكنولوجيا ونقلوها بسرعة. وادى انتشار الورق في البلاد الاسلامية الى انتشار العلم بمختلف اصنافه، وبذلك اصبحت جميع الحواضر الاسلامية منارات للتحضر والتقدم قبل ان تأفل الحضارة الاسلامية بسبب انتشار الاستبداد لاحقا.

إنجلترا كانت في القرن السادس عشر دولة ضعيفة جدا تخاف من فرنسا واسبانيا وليس لها مقومات دولة عظمى بأي حال. ولكن التطورات التي حصلت في انجلترا (قبل ان تتوحد مع اسكتلندا لتصبح بريطانيا) دفعتها باتجاه السماح لحرية الرأي. وسرعان ما تحولت الى مركز لكل عالم في اي مجال، وأصبحت المكان الآمن لكل من لديه أفكار ونظريات واختراعات.

وهكذا تحولت انجلترا الى بلد العلم والانفتاح الى الدرجة التي صدر فيها قانون يضمن حرية التعبير عن الرأي العام 1695. ومنذ ذلك العام أصبحت حرية التعبير حقا مقدسا لا يمكن التساهل به تحت اية حجة وأي عذر من الاعذار.

وكان العلماء والمفكرون الأوروبيون الذين يضطهدون في بلدانهم يذهبون الى بريطانيا لقراءة الكتب وكتابة ما لديهم وطبعه ونشره. ولذلك كانت بريطانيا مقرا للفلاسفة الفرنسيين، امثال فولتير، الذين كانوا يذهبون الى لندن لكتابة مقالاتهم وكتبهم ومن ثم نشرها في فرنسا لمناهضة الاستبداد. كان ذلك قبل انتصار الثورة الفرنسية في 1789م، واستمر الوضع بعد ذلك، إذ كانت لندن ايضا مقرا لكل الاشتراكيين، مثل ماركس وانجلز، الذين ذهبوا هناك وكتبوا كتبهم ونشروا البيان الشيوعي في 1848 م.

وهكذا هي لندن في العصر الحديث حين أصبحت مركزا للمعارضات من كل انحاء العالم ومركزا للصحافة العربية في الثمانينات والتسعينات بسبب ايمانها العميق بضرورة حرية الرأي. فحرية الرأي هي التي حولتها من دولة ضعيفة الى دولة عظمى حتى نهاية الخمسينات عندما كانت الشمس لا تغيب عنها.

أما نحن المسلمين فحالنا ازداد سوءا. فبعد اختراع المطبعة في القرن الخامس عشر صدر عن السلطان العثماني مرسوم يحرم المطابع. واستند المرسوم إلى فتاوى لعلماء دين قالوا إن المطابع ستؤدي إلى تحريف القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وظل المسلمون محرومين من المطابع حتى مطلع القرن الثامن عشر، اي ان التحريم استمر قرابة قرنين ونصف.

ليس ذلك فحسب، بل ان السلطان العثماني سمح لليهود الذين اضطُهدوا في الأندلس ولجأوا الى البلاد الاسلامية بامتلاك المطابع وطبع الكتب العبرية والأوروبية شريطة ألا يطبعوا أي شيء باللغات العربية والتركية أو الفارسية بحجة حماية الدين. والواقع ان السلطان كان يحمي استبداده ويمنع انتشار العلم والمعرفة. وكان ذلك من احد اسباب انتشار مهنة الطباعة والنشر لدى اليهود دون غيرهم، وهو أمر يرجع الى استبداد الحاكم وجهل رجال الدين الذين ساندوه آنذاك. ولعل التراجع في الحريات اصبح سمة لكثير من بلادنا العربية والاسلامية، واصبح الذي يكتب كلمة يعاقب كما لو يعاقب السارق والقاتل في الحضارات الأخرى.

وهذا هو جوهر خلافنا مع وزارة الاعلام التي اصدرت قانون الصحافة والنشر في نهاية العام الماضي. فالقانون أساء لكل البحرينيين بدءا من جلالة الملك الذي اعلن اطلاق الحريات العامة ومرورا بالقيادة السياسية وجميع المواطنين. فسمو ولي العهد كان قد ترأس لجنة منبثقة عن لجنة تفعيل الميثاق واقترحت هذه اللجنة (برئاسة سمو ولي العهد) مبادئ لقانون متطور ومتحضر، الا ان وزارة الاعلام تجاهلت ذلك الاقتراح وضربت به عرض الحائط، وبدلا منه اصدرت قانونا ينظر الى الصحافي والناشر والكاتب وأي شخص يعبر عن رأيه على أنه «متهم حتى تثبت براءته».

لقد نص القانون على مبدأ هو أقرب الى «تجريم» الصحافة وحرية الرأي، بينما اتبعت اللجنة برئاسة ولي العهد النهج المتحضر الذي ينظر الى كل القضايا المتعلقة بحرية التعبير على اساس «مدني»، هذا يعني ان اي دعوى تنظر فيها المحاكم المدنية على اساس اعتداء شخص على شخص آخر. أما قانون وزارة الاعلام فيحول كل شيء الى النيابة العامة، بمعنى ان الصحافي ارتكب «جريمة» ضد المجتمع، وبالتالي فإن النيابة تحقق معه كما تحقق مع من يرتكب جريمة ضد المجتمع مثل القتل والسرقة.

ولقد عبرت وزارة الاعلام عن النهج الذي كان يفرضه السلطان العثماني الذي حرم المطابع تحت حجة حماية الدين ولكنه دمر هيبة المسلمين ودمر سلطانه الذي كانت تهاب منه أوروبا، قبل ان يصبح «الرجل المريض».

لابد لنا في العودة الى الاقتراح الذي طرحته اللجنة برئاسة ولي العهد لنُرجع الامور الى نصابها الصحيح ولكي يكون للاصلاح مستقبل زاهر

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 238 - الخميس 01 مايو 2003م الموافق 28 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً