العدد 2380 - الخميس 12 مارس 2009م الموافق 15 ربيع الاول 1430هـ

تنويع الخطاب الدَّعَوِيّ (1)

الشيخ سلمان بن فهد العودة comments [at] alwasatnews.com

كتب إليّ بعض الإخوة يسألون عن بعض الأمور المهمة والتي نُسِبَ بعضها إلي، وهي من الأمور الحساسة على الفرد والمجتمع: هل يجوز القيام ببعض العمليات التي تؤدي إلى التنكيل بالمجتمع من أعمال عنف في الدول الإسلامية التي لا يوجد فيها حروب معلنة، وما رأيكم في العمليات التي تنفَّذ بحجة نصرة الدين في بعض الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية؟

وهذه المسائل وما كان من بابها فهي - لاشك - من القضايا المهمة التي تحتاج إلى وضوح في العمل الإسلامي اليوم، وهنا ينبغي الاعتناء بالتأصيل العلمي لهذه القضايا، واستصحاب قواعد الشريعة ومقاصدها، فإن الشريعة مبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد؛ ولهذا كانت مسائل الشرائع الإلهية تُحصِّل مصلحة كلية راجحة، أو تدفع مفسدة كلية أو مفسدة راجحة، فهذا هو شأن سائر الأمر والنهي في القرآن والحديث، وهو يتنوع باختلاف قدر المسائل كما قرره الإمام ابن تيمية والشاطبي وغيرهما، وثمة تعليقات على جهة الإشارة لا التفصيل أُجْمِلُ أَحْرُفها بالتالي:

- الدول المسلمة بأهلها وواقعها تبقى لها أحكام دول الإسلام ولو تسلَّط على الحكم والسلطان فيها من عُرِف بالنفاق ومعاندة الدعوة، فهذا كله لا يذهب العصمة الإسلامية التي تمارس في الواقع العملي مع أهلها ومجتمعها، وعلى هذا التقدير لا يجوز ممارسة أعمال العنف - كما تسمى في داخل هذه الدول والمجتمعات بحجة الضغط على السلطة أو التنكيل بها - فإن الإسلام عصم دماء المسلمين وأموالهم وحقوقهم، والإجماع منعقد على حرمة حقوق المسلمين حتى لو اضطروا للبقاء في دول كافرة ومجتمعات كافرة، وكنتيجة أخرى للوضع الذي تمارسه سلطة ما خرجت عن المنهج الإسلامي، واتخذت منهجا مضادا للإسلام، فهذه السلطة لا تزيل عن المسلمين - في هذه الدولة - حرمة ديارهم فتصير ديار حرب لها أحكام ديار الحرب، بل هي دار إسلام لها حرمتها.

- من المهم أن يكون دعاة الإسلام وشباب الصحوة والدعوة على وضوح في منهج الدعوة ومعرفة مقاصد الإسلام الكبرى، وهذا يشار به إلى الانعتاق من سلطة النفس، ومحدودية التفكير، والوعي بحقيقة الدعوة، وطرائق معالجة الأوضاع المتردية - أحيانا - في بعض المجتمعات، ومراعاة السنن الشرعية والكونية في منهج التغيير والإصلاح.

- من المهم - كثيرا - أن ندرك الإمكان الشرعي والواقعي الذي نعيش فيه، ونعمل على إيجاد تطبيق للمعاني الإسلامية في المجتمعات الإسلامية وخصوصا التي يُمَارَسُ ضدَّها تغييبٌ شديد يحاول طمس هويتها، فبعض المجتمعات التي بهذه الصورة يفترض أن يكون القدر - الذي يحاول أهل الدعوة تحقيقه معهم - متناسبا في الإمكان مع الواقع الذي عاشوه، لقد كان النجاشي في الحبشة ملكا صالحا ومؤمنا صلّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، وأثنى عليه خيرا مع أنه لم يكن يحكم بين النصارى بالقرآن، ولا يقيم كثيرا من شعائر الإسلام - كما ذكر ذلك ابن تيمية - فهذا مبلغه من الإمكان.

- يفترض على أهل الدعوة وشباب الصحوة أن يؤمنوا حقا بأن هذه الشعوب الإسلامية لا تزال فيها الفطرة، وعصمة الإسلام ومحبته، ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى من انحرف في سلوكه بدرجة مُزْرية، هذا في الجملة أمر مؤكد ، فمثل هذه العصم الكبار، والمعاني الثابتة، يجب أن تُحيا في صفوف سائر المسلمين حتى العصاة بل المجاهرين بكبائر الإثم، فليس صحيحا أن كثيرا من الخطاب الذي يقدمه شباب الدعوة إلى عوام الناس وسوادهم ليس فيه إلا لغة النهي عن المنكر.

إن لغة الأمر بالمعروف يجب أن تكون هي الأصل في الخطاب، وبناء الإيمان في قلوب سواد الناس حتى لو بقي على بعض المعاصي، فإن عنايته بأصول الإسلام وعِصَمِهِ الكبار هذا هو المهم تحقيقه مع عباد الله، وهو مقدمة ترك المعاصي.

- يجب أن ندرك أننا حين نفكر بقلب المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات صحابية في الديانة والعلم فهذا يعني: أننا لم ندرك حقيقة السنن التي قدرها الله في هذه الأمة، صحيح أن الأمة فيها نُزّاع من الأخيار الأبرار، وفيها - بحمد الله - طبقة واسعة من أصحاب العلم والدين والخلق والفضيلة، لكن جمهورها فيه جهل وتقصير مع خير كثير، فهذه الظاهرة تسعى لتخفيفها- وإن كان الأمر والنهي والدعوة يُقَال فيها- بترك المحرمات وفعل المشروعات؛ لكن ندرك أن الناس كإبل مئة، كما قال -عليه الصلاة والسلام- : (الناس كإبل مئة لا تجد فيها راحلة ) رواه مسلم عن ابن عمر. فهذا المعنى كما أنه على مستوى العمل فهو على مستوى التطبيق للأمر الشرعي أيضا.

- من المهم أن يتخلص بعض دعاة الإسلام من هيمنة التشاؤم على منهجهم ولغتهم وتعاملهم مع عوامّ وسواد المسلمين، إنه حينما يكون الداعية وطالب العلم يدرك أنه لا يستعمل الأوراق الأخيرة والنَّفَس النهائي في محاولات الإصلاح والدعوة فهو - هنا - يتخلص من كثير من الأخطاء، وربما صار الشعور باليأس من الإصلاح متأثرا بهذه التوقعات.

إن الأمة - اليوم - مع ما فيها على مستوى النخبة (أهل العلم ودعاة الإسلام) أو حتى على مستوى شباب الصحوة، أو حتى على مستوى سواد الأمة، كلّ هذه الفئات الثلاث مُهيَّأةٌ للعمل والقيام بدين الله، ودفع السيئة بالحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأمر المؤمن خير كله في السراء والضراء، كما في صحيح مسلم عن صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمْرَه كلَّه له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سرّاءُ شكَرَ فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاءُ صبَرَ فكان خيرا له».

إقرأ أيضا لـ "الشيخ سلمان بن فهد العودة"

العدد 2380 - الخميس 12 مارس 2009م الموافق 15 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً