العدد 2391 - الإثنين 23 مارس 2009م الموافق 26 ربيع الاول 1430هـ

أوباما وإرادة التغيير

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

كثيرون تفاءلوا بالرئيس الأميركي «أوباما» اعتمادا على تأكيده مرارا أنه جاء ليغير سياسة خلفه «بوش» تلك السياسة التي أساءت لأميركا وسمعتها وقيمها الأخلاقية - بحسب قوله.

مصدر ذلك التفاؤل أن غالبية الناس - خاصة المسلمين - كانوا يؤكدون أنه لن يحكم أميركا أسوأ من رئيسها السابق «جورج بوش» وأن أي رئيس قادم سيكون أقرب منه لقضاياهم الرئيسة وخاصة قضية فلسطين. وكنت - ومازلت - أعتقد أن «أوباما» لن يختلف كثيرا عن كفه لأنه - بكل بساطة منتخب من الأميركان وليس من العرب وأنه - بالتالي - جاء ليحقق المصالح الأميركية بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى أنه لن يستطيع التخلص من الضغوط الصهيونية لقوتها ولتأثيرها عليه وخاصة في الانتخابات القادمة التي سيحرص على النجاح فيها وهو يدرك أهمية وقوف اللوبي الصهيوني معه. والاهم من هذا كله أن العرب جميعا ليس لهم قيمة في نظره، فهو يعرف جيدا أنهم متفرقون، وأن الصلة بين حكامهم وشعوبهم ضعيفة جدا، وان قوتهم العسكرية لا تكاد تذكر، فدول بهذه الصفة لا تستحق الاحترام فكيف له أن يفكر في الوقوف معها!

واقع الرئيس «أوباما» يؤكد أن نظرته لقضايا العرب، ولفلسطين - خاصة - لم تتغير؛ صحيح أنه حديث عهد بالرئاسة ولكن - وكما يقول المثل العربي - «البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير».

مصر تبنت قضية المصالحة الفلسطينية، وقامت بجهد مشكور، ولكنها اضطرت لإرسال مندوبها «عمر سليمان» لكي يأخذ موافقة أميركا على شروط الصلح بين الأطراف الفلسطينية المتنازعة. ولست أدري ما علاقة أميركا بصلح بين أطراف عربية؟! ولماذا الحرص على التبرك بآراء قادتها في شأن عربي خالص يفترض أن يبقى في دائرة الدول العربية وحدها؟!

أميركا أعلنت بوضوح أنها لن توافق على التعامل مع أي حكومة فلسطينية تشارك فيها حماس ما لم تعترف حماس صراحة بالوجود الإسرائيلي في فلسطين ولكل الاتفاقات الدولية التي عقدتها السلطة مع «إسرائيل»! لكن أميركا لم تقل مثل هذا الكلام عن الحكومة الإسرائيلية القادمة! لقد قال الرئيس إنه سيتعامل مع أي حكومة إسرائيلية مهما كان شكلها... وأظن أن الرئيس يعرف أن هذه الحكومة لم تعترف بحل الدولتين؛ بل إن كل الحكومات السابقة لم تعترف - عمليا - بأي حق للشعب الفلسطيني، ومع هذا كله فلم نسمع أن الرئيس «أوباما» اتخذ موقفا مشابها لما اتخذه من الفلسطينيين... فأين التغير الذي تحدث عنه؟!

بل إن هذا الرئيس أعلن أنه لن يحضر مؤتمر ديبرن لمكافحة العنصرية لأنه يعرف أن «إسرائيل» عنصرية حتى النخاع وهو لا يجب أن يسمع شيئا يقال ضدها... لقد كان الجنود الصهاينة أثناء حرب غزة يقومون بأعمال عنصرية كثيرة تحدثت عنها صحفهم، ولا أعتقد أن الرئيس لم يطلع عليها، فلماذا لا يجب أن يسمع هذه الحقائق عنها؟! أين التغيير الذي تحدث عنه؟!

الصهاينة ارتكبوا جرائم حرب في غزة، تحدث عنها جنودهم بكل وضوح، المسئول الدولي «ريتشارد فولك» أكد أن «إسرائيل» قامت بعمليات إبادة وإنها قامت بجرائم ضد الإنسانية، وطالب بتشكيل لجنة دولية خاصة لمحاكمة «إسرائيل» لأنها غير مشتركة في اتفاقية روما.

قطعا الرئيس «أوباما» يعرف هذا كله فلماذا يصمت عنه ولا يقول شيئا؟! هذا الرئيس وموظفوه شنوا حملة ظالمة على الرئيس البشير مع أن معظم العالم وقفوا ضد قرارات محكمة الجنايات باعتبارها مسيسة، ولكن الرئيس صمت عن كل جرائم الصهاينة مع أنه رآها بعينيه، وسمع إلى مئات المختصين الذين وصفوها بأنها جريمة حرب... أين التغيير الذي يتحدث عنه، وكيف يريد من العرب أن يصدقوه؟

الرئيس يعرف عمليات التهجير القسري الذي يمارسه الصهاينة مع أهالي بيت المقدس، وبعض التقارير الأوروبية تؤكد أن عمليات هدم المنازل، والتهجير غير قانونية وغير إنسانية، ولها آثار قاسية على الناس.

الرئيس يعرف أن هذا العمل ومثله عمليات بناء المستوطنات، وكذلك الجدار العازل كلها غير قانونية، وكلها ضد الاتفاقات التي وقعتها الحكومة الفلسطينية مع «إسرائيل»... فأين الرئيس من كل هذه المخالفات؟ لماذا لا يطالب الصهاينة بالالتزام بما اتفقوا عليه مع حكومة فلسطين؟! هل حماس وحدها هي المطالبة بما لم توقع عليه؟

وزيرة خارجيته صدعت رؤوسنا بالحديث عن الجندي «شاليط» وأهمية الإفراج عنه، لكنها لم تتحدث عن آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية، وكأن هؤلاء آلاف لا يستحقون الإفراج عنهم، وليس لهم أهل ينتظرون عودتهم أسوة بذلك الجندي.

الرئيس، ووزيرة خارجيته لم يتحدثوا عن خطف الكثير من قيادات حماس قبل بضعة أيام ووضعهم في السجون، والتهديد بسوء المعاملة لكل الأسرى وكأنهم ليسوا بشرا... ومع هذا بقي الرئيس صامتا لم ينطق بكلمة واحدة. ومع هذا فهو يتحدث عن تغيير لست أدري متى سنراه!

الضعف العربي يشجعه على هذا وربما أكثر منه في المستقبل... جامعتنا العربية - أطال الله عمرها - تتحدث عن القدس وعن المخاطر التي تتعرض لها بصورة غير مسبوقة، وتطالب بالتدخل لإنقاذها! لست أدري تطالبا من، وأين الدول العربية من هذا كله؟! هل نطالب غيرنا ونحن لا نفعل شيئا؟!

رحم الله المتبني حيث يقول:

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2391 - الإثنين 23 مارس 2009م الموافق 26 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً