العدد 2397 - الأحد 29 مارس 2009م الموافق 02 ربيع الثاني 1430هـ

القمة العربية في الدوحة التحديات والآفاق

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تمثل القمة العربية في الدوحة فرصة نادرة لإعادة رأب الصدع العربي الذي حدث في قمة دمشق وفي اجتماعات بالدوحة إثر العدوان الإسرائيلي على غزة وكان مرجع الصدع الذي أصاب العمل العربي ثلاثة أمور. أولها مطامع بعض دول الجوار العربي في التوسع والتمدد والسيطرة. ثانيها إخفاق العرب في التعامل مع العدو الذي يحتل أراضيهم منذ العام 1967. ثالثها تطلع دول عربية معنية للقيام بدور لا يناسبها من حيث القوة أو المكانة أو المؤهلات. إن القمة العربية لها قواعدها إنها ليست منيرا خطابا لهذا الزعيم أو ذاك.

ومن ثم فإن التحدي الأكبر الذي واجه قمة الدوحة يتمثل في بلورة استراتيجية عربية شاملة وواقعية تخدم المصالح العربية دون سواها. فاستراتيجية الشعارات والمزايدات والتي تطالب الآخرين بالعمل وتكتفي هي بشعارات وهتافات لا تجدي، واستراتيجية اللعب لصالح القوى المعادية للعرب لا تفيد، واستراتيجية مخاطبة الشعوب من فوق رأس حكومتها الشرعية لن تحقق فائدة وثبت فشلها عبر سنوات النضال العربي في العقود الماضية. واستراتيجية تأليب القوى السياسية في كل دولة ضد بعضها البعض أو تأليب الدول العربية ضد بعضها البعض وخلق محاور تحت مسميات بلا معنى لن تحقق أي تقدم لصالح الشعوب العربية، واستراتيجية الحوار من أجل الحوار والتفاوض من أجل التفاوض لن تحقق سوى إضاعة الوقت والجهد، وتعبر عن عدم إدراك واع للقوى والمتغيرات الدولية والإقليمية.

إذن قمة الدوحة أكثر تأهيلا من غيرها لتحقيق الهدف الاستراتيجي العربي ولعل ذلك مرجعة عدة عوامل.

أولها: إن العرب من المفترض أن يكونوا قد وعوا درس العدوان الإسرائيلي المستمر منذ العام 1947 ثم العام 1967 وحتى عدوان 2006 و2008 وما بين ذلك. والدرس الحقيقي هنا أن الشعارات والهتافات لا تفيد وإنما بناء القوة الحقيقة. ورفع أكاليل النصر وادعاء البطولات لن تجدي، لأن العالم بأسره يعرف الحقائق ويضحك من أعماق قلبه على خداعنا لأنفسنا.

ثانيها: إن العرب في منطقة الخليج قد اكتووا بنيران حروب المنطقة والتدخلات من داخلها ومن خارجها كما أن العرب في دول الجوار الإسرائيلي قد اكتووا بحروب عدوانية عبر العقود، والفلسطينيون من المفترض أنهم بلغوا سن الرشد السياسي في تعاملهم مع قضيتهم المقدسة وعليهم أن يقدموها على شعاراتهم المؤجلة ومصالحهم الشخصية والحزبية، وأن يدركوا أنه لن يحرر فلسطين سواهم من خلال سياسة عقلانية رشيدة تنظر للمدى البعيد.

وإن التفكير أو بالأحرى تصور أن دولة كبرى عالمية أو إقليمية سوف تساعدهم وتحل مشكلاهم بل حتى تصور أن دولة عربية ستقوم بالحرب بدلا عنهم هو تصور واهم. يكفى النظر المتروي للانتماءات الحزبية والسياسية والايديولوجية للشعب الفلسطيني للدلالة على كيفية استخدام ورقة فلسطين كقميص عثمان لذبح القضية والشعب البرئ، والجلوس في موقع المتفرج عليه وهو يعاني الهوان والذل والعذاب والقمع الإسرائيلي وإضاعة الفرص المتعاقبة. إن السياسة هي فن الممكن وفن اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة. أما التباكي على الفرص والماضي فلا يفيد، والارتماء في أحضان هذه الدولة أو تلك، وهذا الحزب السياسي أو ذاك فلا ينتج عنه سوى الشقاق واستدامة العذاب ومن ثم البكاء على أطلال فلسطين يكفى نظرة موضوعية للتعرف على حال شعب فلسطين وأرض فلسطين اليوم مقارنة بما كان عليه الموقف العام 1967 (قبل العدوان) أو فى كل مرحلة قبل كل عدوان «إسرائيل» سواء معاناة الشعب أوضاع الأرض عبر المستوطنات والأسوار.

ثالثها: إن مصادر الثروة من النفط والغاز ليست دائمة بل هي مورد ناضب ولقد أحسنت بعض الدول في الاستفادة من ثرواتها لبناء قاعدة صناعية وتنموية، في حين أن دولا أخرى أضاعت ثرواتها وبددت مواردها تحت شعارات زائفة وأحلام خادعة تصورها سياسيوها حقائق، ثم أسفرت عن الحقيقة بأنها أوهام. إن أقدار الدول وأدوارها لا تعتمد على مواردنا، وإنما على حيوية عناصر القوة الحقيقية من تراث ثقافي وعمق تاريخي وموارد بشرية وتعليم وصناعة وزراعة وتجارة وغيرها من مصادر القوة الحقيقية الدائمة نسبيا ما هو المطلوب من قمة الدوحة؟ في تقديري أن الدوحة مكانا مناسبا لتحقيق الأمل العربي في الوئام والانسجام والمطلوب أن تعمل قمة الدوحة للصالح العربي فقط، ولا تقدم نفسها منصة لغير العرب للخطابة والدعاية. إن عليها أن تضع استراتيجية عربية عقلانية تخصص موارد كافية لإقامة صناعة عسكرية عربية، وتطوير التكنولوجيا العربية، وان تركز على أولويات واضحة، ولا ينبغي على قمة الدوحة أن تخدع ببريق الإعلام غير الصادق وبشعارات غير واقعية وطروحات يقدمها أصحابها ويعملون عكسها، وما أكثر ما عرفت المنطقة العربية مثل تلك الشعارات من تقديم الرئيس الأميركي السابق حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى تقديم طروحات لأعداء للعرب أو المسلمين أو تقديم طروحات وشعارات الأمة الإسلامية الواحدة والتصرف بعكس هذا الشعار، والجميع يدرك أن كل الدول تتصرف بمنطق الدولة الوطنية ولا تدافع سوى عن أرضها وللأسف حتى بعض النظم السياسية لا تدافع عن أرضها وتستمر في طرح الشعارات.

إن المطلوب من قمة الدوحة كثير من العقلانية والواقعية وقليل من الشعارات والهتافات. إن العقلانية تعنى وضع الاستراتيجية السليمة التي تأخذ في الحسبان عناصر القوة والضعف في المديين القريب والبعيد، وتعمل في إطار الفرص المتاحة وتجنب التهديدات القائمة والمحتملة في المديين القريب والبعيد.

التساؤل هل يفلح قادة العرب في قمة الدوحة في أن يكونوا على هذا المستوى من القدرة على مواجهة التحدي؟ إن الضرورات تستدعى ذلك، الشواهد تشير لهذا، ولكن أحيانا تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن، ويظل القادة يفكرون في شعارات ومصالح ضيقة، ونأمل أن يحدث العكس وأن غدا لناظره قريب.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2397 - الأحد 29 مارس 2009م الموافق 02 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً