العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ

آن الأوان لتسليم القطاع الخاص قيادة الاقتصاد

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحوار مع الوزير فهمي الجودر (انظر ص 2 ) يبعث على الأمل لأنك تتحدث إلى شخص لديه رؤية عمّا يود القيام به. فوزارة الأشغال والاسكان ستضطلع بأهم البرامج التنموية للسنوات العشر المقبلة من خلال تدشين مشروعات المدن الجديدة والقرى النموذجية والأحياء السكنية.

وقبل هذا وذاك فإن الجودر لديه وجهة نظر واضحة بشأن دور الحكومة. فالحكومة لن تكون المديرة للسوق الجديدة التي يعمل على انشائها وإنما القطاع الخاص. والقطاع الخاص لن يترك لوحده وإنما ستقوم الحكومة بدعمه وتقديم الضمان والتأمين وصرف المساعدات لمساندة ذوي الدخل المحدود. ذلك لأنه يرى أن البرامج الاسكانية والتنموية السابقة استهدفت الطبقة الوسطى وفوق المتوسطة، أما البرامج الحالية فتستهدف ذوي الدخل المحدود وستساندهم بينما تفسح المجال للقطاع الخاص لقيادة الأعمال الاقتصادية في الجوانب المربحة من السوق الجديدة.

السوق الجديدة ستحوي على سوق انشاءات وعقارات وقروض وتأمين، وكل هذه الأنشطة بعيدة المدى ولا يتشجع عليها القطاع الخاص عادة لأنه يبحث عن الأرباح السريعة. ولكن مع دعم وضمان الحكومة، فإن الوزير يتوقع أن يدخل القطاع الخاص لأن الجوانب الربحية على المدى القصير ستكون متوافرة مع ضمان الحكومة للمخاطر التي تنجم عن الدخول في مشروعات كبرى.

وليس غائبا عن أحد أن القطاع الخاص يود الدخول في مشروعات ناجحة ولكنه يود الاطمئنان إلى أن القرار الاقتصادي منفصل عن القرار السياسي، وان المسئول في الدولة لا ينافس التاجر في القطاع الخاص. فالتاجر الذي يعمل في السوق بالاعتماد على ثروته الخاصة لا يمكن أن يرتاح إذا وجد أن منافسه أحد الوزراء أو أحد المسئولين الكبار أو الصغار الذين يديرون ذلك القطاع الاقتصادي.

ولذلك فإن الفصل بين المسئولية الحكومية والنشاط التجاري أمر في غاية الأهمية، وهو ما يبدو أن الوزير يعيه ويعمل على تجنب التداخل غير الصحيح بين التجارة والسياسة.

وأمر آخر في غاية الاهمية، وهو الضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه اللعب بالمال العام وخصوصا مع مشروعات تنموية كبرى. إذ يكفي أن تسطو يد أحد المسئولين على نسبة ضئيلة من أموال هذه المشروعات ليصبح مليونيرا بين ليلة وضحاها.

والمسئول الرسمي عن بعض المشروعات الكبرى تتوافر أمامه فرص كثيرة ويلعب الشيطان برأسه. فإذا كان أحد المشروعات يكلف مئة مليون دينار واستطاع هذا المسئول تخفيض الكلفة إلى 95 مليون دينار، مثلا، ماذا يضير لو أخذ مليون دينار في جيبه بعد أن وفر أربعة ملايين دينار للموازنة؟... يبدأ الفساد من حسابات بسيطة مثل هذه وينتهي الأمر بنشوء طبقة فاسدة متلاعبة بالمال العام ولديها الملايين التي حصلت عليها من كل مشروع يمر تحت يدها.

ولا يمكن لأجهزة المراقبة الحالية القيام بدور يذكر لأن مثل تلك الاعمال لا يمكن رصدها بسهولة، اضافة إلى أنه وإلى حد الآن لم تتجرأ هذه الأجهزة على تقديم شخص واحد قام بعمل كبير مثل هذا النوع. غير أن الأمل بالمستقبل الأفضل يزداد عندما تقابل مسئولا كبيرا يقول لك ان الاعتداء على هذا المليون دينار أو تلك الألف دينار هو اعتداء شخصي عليه لن يتهاون فيه مهما كان الطرف الفاعل. هذا الإيمان العميق بالأمانة يبعث على الاطمئنان لدى القطاع الخاص الذي سيأمن على أمواله ويعلم أن المسئول لا ينافسه وان التاجر يتحرك تحت مظلة آمنة ومساندة من الدولة.

إن هذا النهج هو ما يتلاءم مع التطورات الاقتصادية والسياسية في العالم، فجميع الدول النامية وضعت ضمن أهدافها الاستراتيجية اعادة صوغ دور القطاع الخاص في عملية التنمية المستدامة، ما يعني أن القرار الاقتصادي يجب أن يكون بيد أناس غير مرتبطين بالقرار السياسي الآني. فالاقتصاد قراراته بعيدة المدى والمردودات الاقتصادية من المشروعات الكبرى تطول إلى عشر أو خمس عشرة سنة، بينما القرارات السياسية (حتى النظيفة منها) تركز على سنة أو سنتين وبالكثير خمس سنوات.

وهذا يعني أن القطاع الخاص ليس شريكا للحكومة في إدارة الاقتصاد فحسب، وإنما هو قائد مستقل عن الحكومة. والحكومة دورها تنظيمي رقابي، أما القطاع الخاص فدوره يكمن في اتخاذ القرارات الاقتصادية من دون تدخل نظيف أو غير نظيف من المسئولين السياسيين. فالحكومة كما يشبهها البعض، مثل الفيل، والفيل الأبيض وغير الأبيض لا يستطيع الطيران مهما حاول المسئولون ذلك.

وفي الوقت الذي نطالب فيه الحكومة باتباع رؤية استراتيجية واضحة المعالم في هذا الشأن، فإننا أيضا نطالب القطاع الخاص باغتنام فرصة تاريخية أمامه للعب دوره المستقل من خلال استراتيجية واضحة يقودها القطاع بتنسيق من غرفة التجارة والصناعة وجمعية رجال الأعمال وجمعية سيدات الأعمال ومختلف الفعاليات الأساسية في البلاد

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً