العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ

ما بين قمتي دمشق والدوحة: محاولة للتفكير

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يمثل أي اجتماع دولي لمجموعة متشابهة المصالح والتراث أو لمنظمة إقليمية مثل جامعة الدول العربية فرصة فريدة لتحقيق ثلاثة أهداف:

الأول: إعادة الوتام والتغلب على أية توترات بين الأعضاء في الفترة السابقة على الاجتماع.

الثاني: مراجعة ما تم تنفيذه من قرارات وتقييم الوضع منها.

الثالث: وضع استراتيجية لبلورة الحركة السياسية والاقتصادية للمنظمة في الفترة التي تبدأ بعقد القمة وتنتهي بالقمة وتنتهي بالقمة التي تليها.

إذا تحققت هذه الأهداف الثلاثة تكون القمة ناجحة ويكون العمل الجماعي له مردود إيجابي على أطرافه.

من هذا المنطلق، نلقي نظرة على قمة الدوحة أي القمة الحادية والعشرين لجامعة الدول العربية وقمة دمشق أي القمة العشرين. ولن نتعمق في تحليل الوثائق والأوضاع العربية لأنها واضحة للعيان، ومن ثم سوف نكتفي بعرض مجموعة من الملاحظات العامة.

الملاحظة الأولى: إن قمة دمشق عقدت في أجواء خلافات عربية لعبت الدولة المضيفة فيها دورا لا يمكن إغفاله. وعادة الدولة المضيفة تكون حريصة على إنجاح القمة التي تعقدها وترسل مبعوثين على مستوى رفيع للدول الأعضاء أو على الأقل للدول المهمة ذات الثقل والوزن، والدول التي لها تحفظات أو مواقف حتى يمكن أن تزيل الرواسب وتقضي على الخلافات ومن ثم تهيئ الأجواء لنجاح القمة. وفي كلتا الحالتين، قمة دمشق وقمة الدوحة لم تقم الدولة المضيفة للقمة بهذا المنهج العقلاني والمنطقي، بل سلكت العكس، فأعلن وزير الخارجية السوري قبل قمة دمشق أن القمة بمن حضر وكرر ذلك أكثر من مرة، وفي قمة الدوحة سعى الجانب القطري لفرض مشاركة دول ليست أعضاء على التجمع العربي متناسيا أن حضور القمة في أي تنظيم لابد أن يكون لأعضائها، وأن دعوة أية دولة غير عضو لابد أن تتم وفقا لقواعد إجرائية منصوص عليها في ميثاق المنظمة أو على الأقل ضرورة موافقة الأعضاء في التنظيم مسبقا على توجيه الدعوة لأية دولة غير عضو.

الملاحظة الثانية: إن الدولة المضيفة أحيانا تسمى قواعد الإجراءات المعمول بها والمتفق عليها عالميا، فعقد القمة في دولة أو حتى عقد اجتماع دولي يعبر عن منظمة أو تنظيم في دولة ما لا يعطي لهذه الدولة المضيفة صلاحيات دعوة أو عدم دعوة دولة أخرى غير عضو من دون التوافق على ذلك. وللدلالة على ذلك نسوق نموذج الأمم المتحدة، فعندما اعترضت الولايات المتحدة كدولة مقر للمنظمة الدولية على مشاركة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في اجتماعات الجمعية العامة، في الثمانينيات من القرن الماضي قررت الدولة الأعضاء نقل الاجتماعات إلى جنيف لإتاحة الفرصة لعرفات للحضور وإلقاء كلمته. كما أن قطع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا لم تحل دون مشاركة كاسترو في اجتماعات الأمم المتحدة وهكذا فالعمل في التنظيم الدولي سواء عالمي أو إقليمي له قواعد وإجراءاته، والدولة المضيفة هي مقر للاجتماع وليست صاحبة الاجتماع. وقد نجحت قطر في دعوة الرئيس الإيراني أحمد نجاد للقمة الخليجية، ولم تكن الدول الأعضاء قد تم استشارتها جميعا، وأحدث ذلك رد فعل غير إيجابي. وسعت قطر لعمل نفس الشيء في القمة الخليجية في مسقط ولكن رد الفعل الخليجي عامة والعماني خاصة حال دون ذلك. هذه المسألة ليس لها علاقة مباشرة بالمواقف السياسية تجاه إيران، ولكنها مسألة إجرائية وقانونية. وللأسف في عالمنا العربي ينسى الناس سواء على مستوى الدول أو الحكام كثيرا قواعد الإجراءات رغم أهميتها البالغة في تنظيم المجتمعات وضمان تقدمها. بل ونجاح أو إخفاق قضايا مهمة تناقش في تلك الاجتماعات.

الملاحظة الثالثة: وبالنسبة لتقييم الفترة ما بين قمتي دمشق والدوحة، نجد أن الخلافات العربية تفاقمت، والخلافات الفلسطينية زادت، وكذلك الصراعات والحروب وخاصة العدوان الإسرائيلي على غزة، وصدور مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير. وتوترت علاقات دول عربية مع دولة إسلامية جارة للوطن العربي، واتهامها بالتدخل في الشئون الداخلية لعدد من الدول العربية من المغرب غربا إلى اليمن وإلى بعض دول الخليج وغيرها.

ومن ثم فإن المحصلة أن العمل العربي في تراجع وليس في تقدم، ما يطرح تساؤلات بشأن هذا العمل وجدية وصدقية القادة العرب، ودور الدولة الرئيس للقمة في أن تلعب دورا ايجابيا نشطا ومتوازنا للمصلحة العربية كدولة توافق وليس كدولة طرف في خلافات ونزاعات بين دول المجموعة التي ترأسها بصفة مؤقتة.

الملاحظة الرابعة: غياب الرئيس المصري حسني مبارك عن قمتي دمشق والدوحة لوجود تشابه في الأسباب، ووجود جوانب للاختلاف بين الحالة أو أسباب الغياب في قمة دمشق وقمة الدوحة. ولن نتناول ذلك لأنه مجال طويل، وإنما يمكننا فقط القول إن هذا الغياب يعكس ثلاثة أمور:

أولها: إن هناك أزمة ثقة بين الرئيس المصري وبين القادرة في كل من دمشق والدوحة لم يتم تجاوزها بل تعمق ولكل طرف أسبابه ومبرراته.

ثانيها: إن غياب رئيس أكبر دولة عربية عن مؤتمر القمة والاقتصار على إرسال وزير يعني وجود خلل في العمل العربي المشترك وفي نتائجه، ولا يمكن تبرير ذلك بأن مصر موجودة، وأن مستوى تمثيلها هو قرار خاص بها. كما لا يمكن القول بأن وجود الرئيس مبارك وعدم وجوده لا يؤثر، لأن مصر انسحبت من العمل العربي المشترك، ودورها تراجع كما يردد بعض الغوغائيين على بعض القنوات الفضائية العربية، فهذا قول مرسل لا معنى له، وإلا لماذا هؤلاء أنفسهم يتساءلون أين مصر من هذا الحدث أو ذلك، ولا شك في أنه من ناحية المتابعة الموضوعية فإن مصر حاضرة بصورة دائمة، وثقلها لا يمكن تجاهله، وكذلك من الضروري أن يدرك الجميع أن لكل قائد عربي دوره ومسئوليته، وأن غياب أي منهم ما لم يكن هناك ظروف خاصة به شخصيا يعتبر خسارة للعمل العربي المشترك.

ثالثها: إن قرارات القمة سواء في دمشق أو الدوحة لم تقدم جديدا في الجوهر إلا القليل، إذ إن معظمها عملية مكررة من قرارات سابقة لم تنفذ ولا يتوقع أن تنفذ. وهذا ليس عيب دمشق أو الدوحة إنما هو عيب وخلل جوهري في العمل العربي المشترك، إذ إن القادة يصدرون قرارات دون أن ينفذوها، ومعنى ذلك أن الالتزام غير قائم والجدية منعدمة لدى الجميع.

الملاحظة الخامسة: إنه رغم كل الصعوبات والعقبات التي واجهها مؤتمر القمة العربية في الدوحة فإنه أصدر الكثير من القرارات التي تناولت مختلف القضايا العربية، كذلك أصدر عدة بيانات تناولت المصالحة العربية، القضية الفلسطينية، الموقف من اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير وغيرها. وسادت روح المصالحة بين الأطراف العربية حتى أن حالة سوء الفهم التي طرأت فجأة بين الرئيس الليبي معمر القذافي وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، أمكن التغلب عليها بمساعي أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني. وهكذا يمكن القول إن مؤتمر قمة الدوحة يمثل نقلة للأمام في الأوضاع العربية، وهذا ما يمكن أن ينطبق على قمة دمشق أيضا. ولكن كل هذا في إطار راب الصدع العربي بدرجة نسبية أكثر من كونه نقلة جوهرية في مضمون العمل العربي المشترك للتعامل مع التحديات الحقيقة التي تواجه العمل العربي المشترك.

الملاحظة السادسة: حول دور مصر، أعتقد بأن مصر دورها مهم ليس فقط لأنها أكبر دولة عربية، ولكن لأنها دولة نشطة في المجال العربي والمجال الدولي وفي تسوية المنازعات، فقد لعبت دورا في حلحلة العقوبات الدولية ضد ليبيا، واستمرت علاقاتها معها لتسهل معاناتها من العقوبات التي فرضت عليها، ونفس الشيء تقوم به بالنسبة للسودان. ومع فلسطين تقوم مصر بدور تسهيل الاتصالات بين حماس و»إسرائيل»، وفي المباحثات بين السلطة الفلسطينية و»إسرائيل»، وبين حماس والسلطة، والفصائل، وبين الجميع والمجتمع الدولي، ونفس الدور قامت به مصر بين سورية وتركيا عندما توترت علاقاتهما في التسعينيات، وبين سورية والولايات المتحدة لتسهيل الاتصالات وتهيئة المناخ للتفاوض بين «إسرائيل» وسورية. وهكذا في الكثير من القضايا نجد الدور المصري نشطا وديناميا، ولا يكتفي بالشعارات أو الهتافات، بل أحيانا كثيرة يتلقى النقد ويدفع الثمن على المستوى الدولي أو المستوى الإقليمي لتمسكه بالمبادئ والثوابت أحيانا بطريقة بها قدر واضح من التشدد، هذا الدور المصري لا يمكن التقليل من أهميته لمن لديه فكرة متعمق، كما لا يمكن إهماله حتى وإن بدأ متراجعا في بعض الأحيان، وهو تراجع - إذا جاز هذا التعبير - مرجعه اختلاف الظروف والأوضاع والقضايا وتعقدها، والنظرة للمتغيرات الدولية وللقدرات الحقيقة للدول الأطراف في الصراع. ومن ثم فإن حضور مصر كان ضروريا وما كان لها أن تتغيب على مستوى القمة.

الملاحظة السابعة: إن أزمة العمل العربي المشترك هي أننا مانزال نعيش في عصر ماقبل التاريخ، وما قبل الإسلام، حيث العرب قبائل متصارعة متنافسة، لا تريد تقدما حقيقيا ليس فقط على مستوى القادة، بل والأكثر إيلاما على مستوى النخب السياسية والثقافية، وأن للدول أوزانها وأقدارها، ويخلطون بين مفهوم السيادة القانونية المتساوية، ومفهوم القدرات الحقيقية للدول. ولهذا تقدمت أوروبا وتقدمت تنظيمات إقليمية أخرى، في حين بقى العرب وجامعة الدول العربية تسير في حلقة مفرغة، تدعو للمصالحة من قمة لأخرى، وتدعو لتفعيل القرارات السابق إصدارها بلا صدى حقيقي ومن ثم أصبح العمل العربي، أو هكذا يبدو محلك السر. وكل اهتمام قادة الدول والجامعة العربية هو إطفاء الحرائق العربية المسماة نزاعات وتحقيق المصالحة أو تهدئة النفوس. أين إذن العمل الايجابي العربي؟ هذا سؤال نطرحه على المثقفين والسياسيين وأصحاب الشأن والقرار السياسي.

الملاحظة الثامنة: إن العرب قادة وشعوبا ومثقفين عليهم تعلم فن إدارة الخلاف فيما بينهم، فليس من المنطقي أن تسخر دولة أجهزة إعلامها - مهما أدعت استقلاليتها - لتوجيه شتائم لدولة أخرى وقادتها، ونحن نعلم على اليقين أن القناة التي توصف بأنها حرة ومستقلة لا تستطيع أن توجه كلمة نقد واحدة للدولة التي تبث منها، كما أنه ليس من المنطقي حتى مع توجيه النقد والشتائم أن يغيب رئيس دولة كبرى ومهمة عن القمة، لأن غيابه يترك أثرا سلبيا على أعمالها ومن ثم فإن المصلحة العربية الشاملة ينبغي أن تكون مقدمة على غيرها من المصالح، والاعتبارات وإن على الدول الكبرى أن ترتفع فوق مستوى الصغائر والمهاترات، كما أن على الدول الصغرى أن تحترم قدرها وتعترف بقدر الآخرين دون أن يعني ذلك أي مساس بسيادتها القانونية أو أي نشاط طيب يمكن لها أن تقوم به، وفي نفس الوقت فإن الدول أو الدولة الكبرى في تجمع إقليمي عليها أن تفكر بالمنطق الجماعي وأن تتيح الفرصة للدولة أو الدول الأصغر للقيام بأدوار لتحقيق ذاتها وهذا عمل يكمل بعضه بعضا. إن أسلوب تبادل الشتائم والمقاطعات فليس هو الأسلوب الفعال، كما أن أسلوب إدعاء أدوار البطولة الوهمية ليس هو الأسلوب الأمثل لكي تكتسب دولة ما احتراما أو مكانة على المستوى الدولي أو العربي. إنه ينبغي على جميع الدول العربية الارتفاع فوق ذلك والوصول لمرحلة من الرشد في عملهم السياسي الجماعي المشترك.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً