العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ

أوباما وسياسة تغيير العالم

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الولايات المتحدة قوة عظمى حقيقية، فإنتاجها المحلي يمثل ثلث الإنتاج العالمي، وعملتها تمثل الاحتياطي العالمي الذي تعتمد عليه العديد من دول العالم، وهي قاطرة التنمية والازدهار الاقتصادي لدول عديدة من أوروبا إلى الصين واليابان والهند، بل ويعتمد عليها تقدم إفريقيا والعالم العربي وهو تقدم مازال أملا بعيد المنال. ولذلك يقال إذا عطست أميركا أصاب العالم الزكام.

ومن هذا المنطلق، فإن السياسة الأميركية عبر العصور تستند إلى مفهومين يعدان متناقضين إلى حد بعيد، الأول: المفهوم والنظرة المثالية لنشر قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، واستخدام الذرة من أجل السلام. وهذه النظرة المثالية عبّرت عنها إدارات أميركية متعددة ومختلفة في سياساتها، ولكنها من حيث الركائز المثالية تتشابه ابتداء من سياسة ودرو ويلسون ومبادئه الأربعة عشر العام 1917م، إلى الرئيس إيزنهاور ونشر الذرة من أجل السلام إلى الرئيس كارتر ومبادئ حقوق الإنسان إلى الرئيس بوش الأب وسلام الشرق الأوسط وبناء عالم جديد، والرئيس بوش الابن ومحاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية إلى الرئيس الحالي باراك أوباما ودعوته لعالم خالٍ من الأسلحة النووية ومدّ جسور التعاون والشراكة مع مختلف القوى، والدول من الصين إلى إيران إلى تركيا إلى أوروبا وروسيا والعالم الإسلامي.

الثاني: المفهوم والنظرة الواقعية للسياسة، وهي التعبير عن المصالح الوطنية وعن نظرية القوة، وقد برع في هذا الصدد الرئيس الأميركي هاري ترومان وعالم السياسة الأميركي هانز مورجانثو، كما برز في استخدام سياسة القوة الرئيس جونسون في فيتنام والرئيس بوش الابن في العراق وأفغانستان.

الرئيس الأميركي باراك أوباما يبدو أنه مزيج من الاتجاهين، فهو يخيّر إيران بين البرنامج النووي العسكري وبين التقدم والازدهار الاقتصادي، ويعبّر عن نفس الموقف وإن كان بعبارة أقل وضوحا بالنسبة لباكستان وأفغانستان ومحاربتهما للإرهاب والقاعدة، وبطريقة ضمنية يخيّر الدول العربية والإسلامية الديمقراطية ونموذجها التركي وبين الإرهاب. لم يقل ذلك صراحة وإنما إشادته بتركيا العلمانية والديمقراطية تحمل رسالة ضمنية للدول العربية التي تخشى الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقاومهما بشدة بأساليب ملتوية.

الرئيس أوباما يسعى لعالم خالٍ من الأسلحة النووية، هل هذا حقيقة أم وهما أم أنه مثل حلم الرئيس السابق جورج دبليو بوش حول رؤيته لحل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي استمر ثمان سنوات بلا تقدم حقيقة وظل أملا وحلما؟

حلم الرئيس أوباما يتعلق بتركيا وانضمامها للاتحاد الأوروبي، وهو ما رفضه الأوروبيون بقوة وخاصة فرنسا وألمانيا صراحة ودول أخرى تظهر عند الضرورة، أما الشق الثاني من حلم أوباما التركي فهو دور تركيا في حلّ مشكلات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا وغرب آسيا، والسؤال: هل تركيا قادرة على هذا الدور وتحقيق هذا الحلم؟

إننا ندرك أن تركيا حريصة على التقريب بين الأطراف المتصارعة وليس لديها أجندة سلبية تجاه أحد من هذه الأطراف، وتعلن مواقفها صراحة بلا مواربة بخلاف دول أخرى في المنطقة أجندتها غير واضحة، بل توحي بالشكوك والتساؤلات.

إن مشكلات المناطق المحيطة بتركيا أكبر من قدرات تركيا، بل وأعمق من إرادة وعمل وقدرات الولايات المتحدة نفسها، خذ على سبيل المثال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إنه صراع على الأرض من أجل الوجود. «إسرائيل» تزرع المستوطنات وتقيم الأسوار وتقتل الزرع والضرع وتستنزف المياه وتحرم الفلسطينيين من كل ذلك. والفلسطينيون يصرون على القدس وإنهاء الاستيطان وعودة اللاجئين، هل هذه المطالب من أي من الجانبين يمكن تحقيقها في الخمسين سنة القادمة في ظل المعطيات الراهنة؟

إن كثيرا من الزعماء والسياسيين يكررون نغمة التفاؤل ويرفضون التشاؤم، ولكن التفاؤل مرتبط بالحلم والتشاؤم مرتبط بالإحباط، وكلاهما ترفضه النظرة السياسية الواقعية والموضوعية.

ولقد أثير تساؤل؛ هل أوباما يحلم بتغيير العالم استنادا إلى خطة حقيقية ودراسة موضوعية، أم استنادا إلى تجربته الشخصية ونجاحه في الوصول لمنصب رئيس الولايات المتحدة، مما يعكس تغيرا في النظرة والسلوكيات لدى المواطن الأميركي؟ أم أنه يعبّر عن حلم وأمل مثل غورباتشوف الذي قضى على الاتحاد السوفياتي وكتلته؟ وفي تقديري، إنه من الصعب تخيل أن يكون مصير أوباما مثل مصير غورباتشوف، لأن الولايات المتحدة تختلف عن الاتحاد السوفياتي، الأولى دولة مؤسسات وديمقراطية وانفتاح، والثانية دولة ايديولوجية للحزب الواحد، والزعيم الأوحد على غرار بعض دول الشرق الأوسط وإفريقيا، ولذلك انهارت وتحولت إلى دولة فاشلة مثل بعض دول الشرق الأوسط وإفريقيا التي أصبحت فاشلة أو على وشك أن تصبح كذلك.

إن الولايات المتحدة هي دولة بناء الحلم على المستوى الفردي وهذا ما حققه أوباما لنفسه، وهي دولة إمكانية بناء الحلم على المستوى الوطني فتحولت إلى قوة عظمى بالغة التقدم التكنولوجي والاقتصادي، وهي دولة الحريات السياسية والفكرية. ومن هنا تغير الميزان والتوازن الديمغرافي والسياسي للجماعات المختلفة في السياسة الأميركية، ولذلك فمن الصعب تصور مصير أوباما مثل مصير غورباتشوف أو أن تكون الولايات المتحدة مثل الاتحاد السوفياتي، ولكن السياسة التوسعية العدوانية الأميركية يمكن أن تتغيّر وتتحوّل إلى سياسة التعاون والشراكة والاهتمام ببناء حوارات وتحالفات مع القوى الدولية المختلفة في إطار معقول وواقعي وليس من نمط بناء عالم مثالي أخفقت الأديان الكبرى في بنائه نتيجة النزعات التبشيرية والتركيز على قيم معينة وليس القيم الإنسانية المشتركة.

إن مسألة التبشير بالديمقراطية أو بعالم خالٍ من التسلح النووي مسألة جميلة في القول بها والسعي إليها وطريقها مفروش بالنوايا الحسنة، ولكنه أيضا مليء بالصعاب والعقبات والتوترات والمشاكل المعقدة. وهذا يجعل التحديات جساما وغدا لناظره قريب.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً