العدد 2423 - الجمعة 24 أبريل 2009م الموافق 28 ربيع الثاني 1430هـ

لن يستطيعوا اجتثاثَ العنصرية ولو حرصوا!

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

فتحت الأممُ المتحدة على نفسها منذ 2001 في مدينة دربان بجنوب إفريقيا وفي جنيف الأسبوع الجاري، بابا لن تستطيع إغلاقه يُسمى «مؤتمر مكافحة العنصرية» . فهذا السلوكُ عصيٌ وفضفاضٌ للغاية ذلك أن غالبية بني آدم يمارسونه بشكلٍ أو بآخر من دون وعي به لغريزةٍ فطريةٍ جُبل عليها الإنسان. وليس بمقدور مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو أي قوة أو تنظيم على وجه الأرض إزالة الممارسات العنصرية والتمييز من حياة الناس في جميع أنحاء المعمورة. وقد جاء في بعض تعريفات العنصرية أنها تعصّب فردٍ أو فئةٍ من الناس لجنسٍ أوعرقٍ أو قبيلةٍ أوعشيرةٍ أو دينٍ أو طائفةٍ أو معتقدٍ أو حتى لون بشرة وإباحةِ قتلٍ أواضطهادٍ أو حتى ازدراءِ الفئات الأخرى من دون وجه حقٍ أو سببٍ واضحٍ سوى أنها تختلف عنه في جنسها أو عرقها أو طائفتها أو لون بشرتها. ووفقا لهذا التعريف نستطيع القول إن الفكر العنصري يزدهر في المجتمع الجاهل والبيئة غير المتنورة نتيجة عدم معرفة الفرد أو تلك الفئة من الناس بالطبيعة الإنسانية وبحضارات وتاريخ الآخر وكذلك- وهو الأهم- الجهل التام أو الجزئي بالقيم الدينية والأخلاقية والنواميس الإلهية التي لا تتغير على مر العصور.

وبما أن العنصرية كما أسلفنا لا يمكن اجتثاثها من قلوب أفراد المجتمع في كل دولة، لكن من المؤسف أن تقوم قوانينٌ وتشريعاتٌ في بعض الدول على التمييز والعنصرية. والأهم من ذلك أن تؤسس دولٌ أو تُشنّ حروبٌ وصداماتٌ على أسسٍ طائفيةٍ مما ينتج عن ذلك ضحايا كُثر. فتأسيس «إسرائيل»، على سبيل المثال، جاء على أنقاض الديار الفلسطينية وتشريد شعبٍ بأكمله. وتأسست الولاياتُ المتحدة على أنقاض حضارة الهنود الحمر، وارتبطت الحربُ على ما يُسمى الإرهاب بالإسلام مما أوجد ظاهرة الإسلاموفوبيا.

ومن المفارقات أن «إسرائيل» التي أُنشئت بناء على قراراتٍ للأمم المتحدة تقاطع اجتماعات الأمم المتحدة بشأن العنصرية اليوم فيما تنأى إدارة أول رئيسٍ أميركي من أصلٍ أسودٍ بنفسها عن حضور تلك الاجتماعات، بدعوى انتقاد «إسرائيل» التي جاءت للوجود من خلال مؤامرةٍ غربيةٍ كبرى مدعومةٍ بالحركة الصهيونية التي هي عبارة عن حركةٍ سياسيةٍ عنصريةٍ استيطانيةٍ مرتبطةٍ بالحملات الأوروبية الاستعمارية ومتأثرةٍ بنمو القومية الأوروبية وبتزايد النشاط اليهودي بأن فلسطين هي أرضُ الميعاد. فالعنصرية المتفشية الآن في «إسرائيل» تعود جذورها إلى تقاليد حياة اليهود الذين واجهوا اضطهادا في ألمانيا النازية دفعهم للعيش داخل غيتوهات ومن ثم نمت لديهم كراهيةٌ كبيرةٌ للآخر إلى حد تشريع سرقته والسطو على حقوقه وبلورة مواقف جهنمية تجاهه وهذا ما حدث للفلسطينيين طوال 60 عاما.

ومن سخرية القدر أن يُطلب من العالم ألا ينسى ما حدث لليهود في ألمانيا النازية(المحرقة) بينما يُستنكر ذكر معاناة الفلسطينيين اليومية من تضييقٍ لسبل عيشهم في الضفة الغربية جرّاء الحواجز وجدار الفصل العنصري وتدمير أشجار الزيتون وهدم المنازل في القدس ومنع الصلاة في المسجد الأقصى وسب النبي محمد(ص) من قبل المستوطنين أثناء اشتباكاتهم المتكررة مع الفلسطينيين علاوة على الإبادة الجماعية التي ارتُكبت في قطاع غزة أخيرا. إذا المشكلة الحقيقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي حركة الصهيونية فإزالة هذه الأيديولوجية وإعادة الحقوق لأصحابها من شأنها فتح الباب أمام السلام في المنطقة.

وبالعودة إلى أوضاعنا العربية الداخلية ومن خلال نقدٍ ذاتي موضوعي فإن العنصرية والتمييز مستشريان بدرجةٍ لا تقلُّ عن ممارستها من قبل أعدائنا تجاهنا. ولذلك أحضرت منظماتٌ يهوديةٌ في مؤتمر «دربان2 « الأسبوع الجاري بعض الوثائق والأدلّة والشواهد على العنصرية التي يمارسها العرب والمسلمين.

ومن الطريف أن العنصرية على أساس اللون والجنس لم تعد تقتصر على انتهاكات البيض تجاه السود بل انقلبت الآية في بعض المناطق. ففي إفريقيا يمارس الرجل الأسود العنصرية أحيانا تجاه الأبيض. ففي زيمبابوي وجنوب إفريقيا تُنتزع المزارعُ والأراضي رسميا من البيض وتُمنح إلى السود. ويرفض الجنوبيون في جنوب السودان تزويج بناتهم من عرب الشمال بل يتندر أحدهم أنه لن يزوج ابنته لشخصٍ لونه كالمنقة(المانجو) ولو جاء بمال قارون(ذلك أن المانجو لا قيمة له لديهم فأشجاره تنبت في كل مكانٍ من دون رعايةٍ ولا يملكها أحد). وهكذا أصبحت العنصرية داء يسري في جسد الناس كما يجري الشيطانُ في دم ابن آدم ولن يستطيع العالم كبحها بالقوانين والدساتير ولكن يمكن التخفيف من سطوتها. والحل الوحيد في اتباع الإسلام الذي قرر قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة أنه لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض وأسود ولا غني ولا فقير إلا بالتقوى والناس سواسية كأسنان المشط.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2423 - الجمعة 24 أبريل 2009م الموافق 28 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً