العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ

رؤية استراتيجية للتعليم والتعلم

في ظل هذه الرؤية نفهم ان التعليم عملية مستمرة تنشد بلوغ الطالب الى مرحلة النضج الشخصي المتكامل الذي يؤهله لدخول معترك الحياة بالمعارف والمهارات الاكاديمية والاجتماعية التي تساعده على تحقيق ذاته، والتواصل مع الآخرين، والعمل بنجاح وكفاءة في حياته العملية والاجتماعية، ولترجمة هذه الرؤية في أرض الواقع لابد لنا من اعادة النظر في أهداف التعليم، والمحتوى التعليمي الذي يمثلها، والوسائل التي تساعدنا على بلوغ هذه الغاية في الواقع الميداني بالمدارس.

الأهداف

فبالنسبة إلى الاهداف السياسية والاجتماعية لابد ان ترقى تطلعاتنا إلى ما نريد تحقيقه من اجل بناء جيل صالح متمسك بدينه وعروبته وممتلك للقابليات والكفاءات التي تسهم في بناء حضارة العلم والاخلاق فوق ارض هذا البلد الطيب. والتعليم في يومنا هذا اصبح الاداة القوية والمؤثرة التي تساعدنا على ترسيخ قيم مجتمع القانون، والمواطنة، وحرية الرأي، والمساواة، وتحمل المسئولية، وأداء الواجب، والدفاع عن حقوق المواطن، والتضحية في سبيل حماية مصالح الوطن وأهدافه.

أما على المستوى الاقتصادي فليس بدعا القول إنه لا يمكن لأمة النهوض باقتصادها من دون علم وتعليم، والتعليم في هذا المجال لابد ان يكون له دور مزدوج فهو يعد المواطن بأدوات المعرفة ومهارات العمل من ناحية. ومن ناحية اخرى فهو يهيئ للمجتمع المصدر الانساني في التنمية لذلك يجب ان يرتبط التعليم بحاجات المجتمع ومطالبه، ويجب ان يضمن التعليم للفرد في المجتمع الحق في حياة كريمة تتناسب وما بذله من جهود وأتعاب.

اما على المستوى الفردي، فالتعليم يجب ان يمكن الفرد من تحقيق ذاته وبلوغ أهدافه الشخصية وذلك بتزويده بالمعارف والمهارات التي تجعله قادرا على العمل والانتاج، وممارسة دوره الوطني في التنمية الاقتصادية، والقيام بمسئولياته الوطنية والاجتماعية على اكمل وجه.

المحتوى التعليمي للمناهج

وبالنسبة إلى محتوى المناهج في هذه المرحلة الوطنية المهمة يجب ان يعكس التعليم بعدين رئيسيين ومهمين في العملية التربوية وهما: البعد المعرفي الانساني والبعد العملي الحياتي، بحيث تتضمن المناهج المادة المعرفية التي تزود الانسان بالبصيرة والوعي لتاريخه وحاضره، وتربي في قلبه حب الحرية والعدل والمساواة، وتولد في نفسه حوافز للبحث عن الحقيقة والجمال، وترسخ في ضميره القيم الايجابية كتحمل المسئولية وأداء الواجب، وتنمي في عقله مهارات التفكير العليا كالنقد والتحليل والتقويم. وإذا كانت هذه المعرفة تقدم بواسطة تعليم اساسي يرتبط بدراسة مواد اكاديمية كاللغة وآدابها، والرياضيات، وغيرها فيجب ألا نبتعد في العملية التعليمية عن تحقيق هذه الاهداف ونغرق في الازدياد والتضخم بهذه المعارف من دون تفريق بين جواهر المعرفة وقشروها.

والجانب العملي للتعليم، فيمكن تحقيقه حين تقوم المدرسة بدورها باعتبارها مؤسسة تربوية في إعداد ابنائها لدخول معترك الحياة بالادوات والوسائل التي تمكنهم من التعامل مع الواقع العملي بنجاح وكفاءة. وهذا يفرض على المدرسة ان تجعل التعليم متصلا بالواقع الاجتماعي ومشكلات الحياة، بحيث تتناول موضوعاته القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي يعايشها الطالب في منزله ومتجمعه، بحيث يرتبط التعليم داخل الصفوف الدراسية بمواقف تعليمية تطبيقية تبيح للطالب الفرص المتعددة لتنفيذ المشروعات، واجراء البحوث والدراسات ومشاركة الآخرين في اعمال تعاونية، ومناقشة المشكلات الاجتماعية، وتبادل الآراء بشأن القضايا الجدلية.

كما ينبغي ان يمتد التعليم في المراحل العليا ليشمل العمل التطوعي، والخدمة المجتمعية، والمساهمة في طرح الحلول للمشكلات المحلية، والمشاركة في الفعاليات الدينية والوطنية والمدرسية، وبالتالي يمكننا القول ان الطالب يتخرج وهو يحمل معه زاد المعرفة ومهارات الحياة التي تمكنه من اختيار المهنة التي تتناسب ومواهبه والنجاح في حياته العملية والاجتماعية.

آليات التعليم ووسائله

لقد اخفق النظام التقليدي للمدرسة في تحقيق تعليم شامل يقوم على دعائم التعلم (سبق تناولها في موضوع سابق) التي تحقق للفرد النمو المعرفي والنفسي والاجتماعي لأسباب كثيرة، إلا ان اهم وأبرز هذه الاسباب هي حصر التعليم وأهدافه في المجال المعرفي لتخريج طلبة يتقنون كفايات تعليمية في المواد الدراسية وما لازم ذلك من اجراءات تقنينية ومكتبية وممارسات تفتيشية حولت بها المدارس إلى مؤسسات صناعية على الطراز القديم، وبالتالي اصبح من الضروري اعادة النظر في هذا النظام ودراسة البدائل التي تمكن الجهاز التعليمي من تطوير نظام تربوي يتفق وتطلعات المرحلة الجديدة.

والمدرسة في ظل الرؤية الجديدة تنظم مصادرها المادية والانسانية لإعداد الطالب وفق مستويين من التعليم: المستوى التأهيلي (التعليم الاساسي) والمستوى التخصصي (التعليم الثانوي)، ففي المستوى الاول تسعى المدرسة إلى إكساب الطالب المعارف والمهارات والقيم والاتجاهات التي تمكنه من الحصول على ثلاثة انواع من التعليم:

أ) التعليم الاكاديمي؛ الذي يوفر للطالب الكفايات الاساسية للمعرفة في اللغات، والرياضيات، والعلوم الانسانية والطبيعية التي يحتاج إليها للمرحلة التخصصية.

ب) التعليم المهاري؛ الذي يركز على اكساب الطالب مهارات التواصل الاجتماعي والتفكير العالي الذي يمكنه من التعامل مع الاشياء والافراد، والمشكلات بكفاءة ونجاح.

ج) التعليم القيمي؛ الذي يستهدف تنمية الاتجاهات والقيم الدينية والاخلاقية كالتعاون، ونبذ العنف، وتحمل المسئولية.

أما في المرحلة التخصصية بجميع فروعها فإن المدرسة يجب ان توفر للطالب جميع انواع التعليم السابقة مع التعمق في المجال التخصصي (كما هو متبع حاليا) والسعي إلى تدريبه على تطبيق معارفه واستخدام مهاراته ميدانيا من خلال المشروعات، والدراسات، والخدمة الاجتماعية كما اشرنا سابقا؛ كما يجب ان تضطلع المدرسة بدورها التوجيهي في هذه المرحلة وذلك بتوفير البرامج الارشادية التي تساعد الطالب على اختيار ما يتناسب مع مواهبه الخاصة من دراسات اكاديمية بالجامعة او برامج التدريب الاخرى.

المدرسة الجديدة

وتتضح ملامح المدرسة الجديدة في وجود تقاليد ومعتقدات وقيم تمارس كسلوك يومي في صفوف المدرسة وأروقتها وساحاتها ومكاتبها من قبل أعلى سلطة في المدرسة إلى اصغر تلميذ فيها كالمحافظة على ممتلكات المدرسة، والانضباط في الحضور والمغادرة، واحترام العمل والتعليم؛ وفي وجود اهداف عليا يسعى الكل إلى تحقيقها كبناء المواطن الصالح، وتحقيق النجاح للجميع، وربط التعليم بالمجتمع.

وفي ظل بيئة عمل تعاونية تسعى المدرسة إلى تأصيل قيمها الاساسية كالجودة في العمل، والشمولية في التعليم، والتعلم للجميع، كما وتسعى هذه المدرسة إلى تحقيق القيم البنائية التي تعكس المستوى العالي الذي يتمتع به الفريق العامل فيها على النحو الآتي:

الفعالية، ففريق المدرسة يستخدم اساليب واستراتيجيات عمل فعالة توفر الوقت والجهد وترفع المستوى الانتاجي للمدرسة.

الكفاءة، ففريق المدرسة يتدرب باستمرار ويطلع على احدث المستجدات فهو مؤهل للقيام بمهماته التعليمية باقتدار وجدارة.

المسئولية، ففريق المدرسة يتحمل مسئوليته العلمية الوطنية والاخلاقية والاقتصادية والاجتماعية في توفير تعليم ذي جودة عالية لجميع الطلبة بما يؤهلهم لأن يكونوا مواطنين صالحين ومنتجين في مستقبل حياتهم.

الالتزام، ففريق المدرسة ملتزم برسالته التربوية وقيم مؤسسته وأهدافها وهو يعمل دائما على تحقيق هذه الاهداف والتطلعات.

وفي هذه المدرسة يسعى الفريق العامل فيها إلى أن يكون دائم التعلم، ومجددا لأساليب عمله، ومطورا لأدائه، ومرتقيا بإنجازاته، ويعمل الجميع في هذه المدرسة في ظل رؤية مستقبلية واضحة مستثمرين ما لديهم من موارد بشرية ومادية لتحقيق افضل النتائج في العمل والتعليم.

ولتحقيق هذه النوعية العالية من التعليم في بلادنا لابد للقائمين على النظام التعليمي التفكير في وسائل وآليات تساعد على ايجاد بيئات تعليمية متعددة في المدرسة تساعد الطلاب على تحقيق اهدافهم الذاتية وتمكنهم من اكتساب مهارات الحياة من خلال نظام اجتماعي تربوي منفتح على المجتمع ومؤسساته يوفر الارضية المناسبة لتفاعل جهود المشاركين من اولياء امور، وشخصيات قيادية، ومسئولين، ومعلمين، وتربويين للارتقاء بدور المدرسة ومهماتها الاجتماعية والتعليمية

العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً